احتجاجات إيران.. هل سقوط نظام طهران أصبح وشيكا؟
إن النظام الحاكم في طهران يتراجع بشكل مستمر، نظرا لأنه يحمل في ثناياه بذور فنائه في ظل تزايد الوعي لدى الشعب الإيراني
في أحدث تقرير صادر لها في 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت منظمة "العفو الدولية" سقوط 304 إيرانيين نتيجة الحملات التي شنَّتها -ولا تزال- الأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين على مدار الـ72 ساعة التي سبقت إصدار التقرير.
وحسب التقرير، فإن الآلاف أصيبوا بين يومي 15 و18 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، عندما "سحقت السلطات الإيرانية الاحتجاجات باستخدام القوة المميتة"، لتثور تساؤلات عدة حول قدرة النظام الإيراني الحالي على البقاء والصمود في وجه تلك الموجة الجديدة من الاحتجاجات التي فشلت الأداة البوليسية -حتى اللحظة الراهنة- في احتوائها.
وفي ظل هذه التكهنات بسقوط النظام الإيراني، وما كشفت عنه الاحتجاجات الشعبية من هشاشة واضحة للنظام في الداخل والخارج، حاول مقال نُشِر على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحت عنوان "هل تسقط الإمبراطورية الفارسية الرابعة؟" للكاتب حسن منيمنة، بلورتها والإجابة على لغز السقوط الوشيك للنظام الإيراني.
احتجاجات في مواجهة "الغطرسة"
ارتأى الكاتب أن تعاطي النظام الإيراني مع التحديات الاقتصادية التي يعاني منها الداخل الإيراني على خلفية العقوبات الأمريكية كان مثيرا للاندهاش، فرغم اندلاع احتجاجات شعبية في العراق ولبنان إلا أن النظام الإيراني الحاكم أدار الأمور في بلاده بشيء ينم عن غطرسة واطمئنان واضحيْن لبقائه في السلطة، وكأن هذه الموجة الاحتجاجية الشعبية لن تمتد إلى بلاده.
وأمضى النظام الإيراني في تنفيذ قراراته الداخلية المتمثلة في رفع الدعم عن أسعار المحروقات، مما أفضى إلى مضاعفة أسعارها وتعميق حالة السخط لدى الجماهير الإيرانية التي خرجت في مظاهرات واسعة رفعت شعارات عكست حالة الحنق الواسعة التي تجتاح المتظاهرين ضد غلاء الأسعار والفساد والسياسة الخارجية التدخلية في شؤون دول المنطقة، بما أضرَّ كثيرا بالداخل الإيراني، ورفعوا شعارات من قبيل "الموت للديكتاتور" "يا ديكتاتور اترك البلاد" و"الموت لخامنئي".
إن الاحتجاجات الواسعة في العراق، التي اندلعت في تحد واضح رافضة النفوذ الإيراني وهيمنته على النخبة الحاكمة، وكذلك الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق في لبنان، التي قد تعيد رسم معالم الحياة السياسية، وتشكل تحديا عميقا للقبضة الإيرانية على الطائفة الشيعية هناك، لم تشكل واعظا كافيا للنظام الإيراني.
فالمتابع لتصريحات الرئيس الإيراني "حسن روحاني" والمرشد الأعلى "علي خامنئي" ورئيس القضاء "إبراهيم رئيسي" يتجلى أمامه بوضوح مقدار غياب الرشادة واللامنطق في سلوك النظام الإيراني الحاكم، وغروره وقناعته التامة بالقدرة على ابتلاع أية انتفاضة ضده، وفرض مشيئته بالقوة.
وبالإمكان كذلك تبين تلك الملامح الرئيسية المميِّزة لسلوك النظام الإيراني في ردة فعله الأولية على الحراك الشعبي في كل من العراق ولبنان، إذ انطلقت التصريحات الرسمية تؤكد "المؤامرة" الكبرى أو تحركات القوى الإقليمية والعظمى لنشر الفوضى وتدمير المنطقة. وقوى "الشر" تلك من وجهة نظر النظام الإيراني هي التي تدفع هذه الدول نحو الفوضى بتحريف الاحتجاجات، التي قد تكون لأهداف نبيلة ومشروعة، عن المسار السلمي لتنزلق البلاد في العنف والفوضى.
وقبل أنْ يبدأ النظام الإيراني في قمع الحراك الشعبي ضده أصدر تعليماته إلى الطبقة السياسية العراقية التابعة له، فأمعنت الأجهزة الأمنية العراقية والمليشيات المسلحة الموالية لطهران إلى قمع المظاهرات بصورة دموية، وأفادت تقارير عدة بأن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، هو الذي يدير العمليات القمعية ضد متظاهري العراق، وتشير التوقعات إلى أن الأيام المقبلة ستشهد موجات أشد عنفا وقمعا ضد المتظاهرين.
هشاشة النظام الإيراني
رغم محاولات إيران المتكررة عبر وسائل إعلامها تمرير رسالة مفادها أنها انتصرت على المؤامرات الخارجية التي تُحاك ضدها من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل، بغية تركعيها من خلال حزمة من الإجراءات والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في إطار سياسة "الضغط الأقصى"، لدفعها للتخلي عن تطلُّعات فيما يتعلق بتطوير برنامج نووي، إلا أنها ماضية وبقوة في تحقيق أهداف سياساتها الخارجية تحت شعار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وجاءت الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق ضد النظام الحاكم لتكشف بوضوح عن هشاشة النظام.
هذه الهشاشة التي تُنذر بتداعي النظام الإيراني منبعها بالأساس -من وجهة نظر الكاتب- الهُّوة العميقة بين إدراك النظام طبيعة دوره وموقعه على الساحة الدولية، وما يرتِّبه ذلك من أدوات يستخدمها النظام لتحقيق مساعيه الخارجية من جهة، والمطالب الجماهيرية بالكرامة والعيش الجيد والحرية ومحاسبة الفاسدين من جهة أخرى.
فالنظام الإيراني الحاكم ينظر إلى الفساد أو غياب الشفافية والمحاسبة accountability باعتبارها قضايا هامشية، فحالات الفساد هي مسائل عرضية في مقابل قضايا كبرى تحتل الأولوية، ألا وهي مواجهة الشيطان الأعظم "الولايات المتحدة"، وإنهاء الوجود الإسرائيلي، فضلًا عن نشر مبادئ ما تسميه إيران الثورة الإسلامية، أما الجماهير الإيرانية فهي تعطي الأولوية لتحسين ظروفها المعيشية وإسقاط نظام يستبيح ثروات الشعب الإيراني ومقدراته ويستنزفها بشكل ممنهج.
وفي الخارج أيضا يتداعى النفوذ الإيراني، فقد أثبت الحراك الشعبي اللبناني أنه ليس محاولة للتنفيس عن مشاعر الغضب فحسب، وإنما هو نضال من أجل تغيير حقيقي ليغدو لبنان وطنيا بلا أي تنافسات أو صراعات طائفية، فخرجت المظاهرات في الأقاليم ذات الأغلبية الشيعية، وبثَّ الناشطون أو المواطنون العاديون من أهل هذه الأقاليم رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي معادية لحزب الله اللبناني الموالي لإيران.
وفي العراق بذلت إيران -ولا تزال- جهودا حثيثة من أجل استنساخ النموذج اللبناني، بما يحمله في طياته من تزايد النفوذ والهيمنة الإيرانية، استنادا إلى نفوذ مليشيات الحشد الشعبي التابعة لها، والترويج للتضحيات الكبرى التي قامت بها من أجل عراق يخلو من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، ومن ثم يكون لإيران اليد الطولى في العراق.
بيْدَ أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة في العراق ضد النفوذ الإيراني بالأساس أظهرت أيضا هشاشة الأدوات الإيرانية في الخارج، كما أظهرت صعوبة في القدرة على احتوائها أو إيقاف الزحف الثوري للأقاليم والمحافظات العراقية المختلفة.
وختاما، يؤكد الكاتب أن النظام الحاكم الإيراني في حالة من التراجع المستمر، لأنه يحمل في ثناياه بذور فنائه، وقد تنجح العقوبات الأمريكية وسياسة الضغط الأقصى في الإسراع من وتيرة هذا التراجع، خصوصا في ظل تزايد الوعي لدى الجماهير الإيرانية بالانتهاكات التي يمارسها نظامهم في الداخل والخارج.
لا يحتاج الثوار في العراق وإيران ولبنان إلى دعم عسكري، بل هم في حاجة مُلِحَّة إلى دعم إقليمي ودولي، خصوصا في ظل حالة القمع التي يواجهها متظاهرو العراق وإيران، ولا يُستبعد أن يلقى متظاهرو لبنان المصير ذاته، ولذا فإن على القوى الكبرى تنسيق الجهود فيما بينها لكشف جرائم النظام الإيراني والوقوف له بالمرصاد، من خلال الإدانات الدولية والمحاسبة الفعلية لمرتكبي تلك الجرائم. عندئذ سيُحاسب ويُجازى النظام الإيراني، وسيحدد مصيره ضحايا اليوم.