سيناريوهات ما بعد استقالة رئيس وزراء العراق
هل استقالة عبدالمهدي بداية النهاية لنفوذ إيران بالعراق؟ وماذا عن الكتل السياسية الأخرى؟ وكيف ستتعامل واشنطن مع مرحلة ما بعد الاستقالة؟
المؤكد أن استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ليست هي "نهاية الأماني" للشارع العراقي المنتفض ضد الفساد والتدخل الإيراني، ورغم ترحيب المتظاهرين بإعلان الاستقالة فإن حجم الحشود ونبرة الإصرار زادت لدى المحتجين لتحقيق كل الأهداف التي خرجوا من أجلها.
فلسان حال المظاهرات يقول لم نخرج لنستبدل وجوها بوجوه، ورئيس وزراء برئيس وزراء آخر، فلم تكن هناك مشكلة شخصية مع رئيس الوزراء المستقيل حتى تخرج المظاهرات ويقدم الشعب العراقي كل هذه التضحيات.
إذن ما السيناريوهات التي تنتظر العراق في الأسابيع المقبلة؟ وهل استقالة عبدالمهدي بداية النهاية للنفوذ الإيراني في العراق؟ وماذا عن الكتل السياسية الأخرى؟ وكيف ستتعامل واشنطن مع مرحلة ما بعد استقالة الحكومة؟
أنصاف الحلول
عندما أعلن عادل عبدالمهدي استعداده للاستقالة عقب اندلاع المظاهرات في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، رفضت إيران هذه الاستقالة، وعقد قاسم سليماني اجتماعاً مع الكتل السياسية التي أبقت على رئيس الوزراء المستقيل الذي وصفته الوثائق المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز بأنه أقرب حلفاء طهران في العراق، فما الذي تغير حتى تسمح طهران باستقالته؟
1- فشل عبدالمهدي في حماية الممتلكات الإيرانية خاصة بعد حرق القنصلية الإيرانية في النجف، وهو ما أدى لرد فعل عنيف من القوات التي دخلت محافظات الجنوب دون علم محافظي هذه المحافظات، وهو الأمر الذي انتهى باستقالة عدد من المحافظين في المحافظات الجنوبية.
كما كان مشهد تهليل المتظاهرين ضد إيران أثناء اشتعال النار في القنصلية الإيرانية "نقطة فارقة" في مسيرة المحتجين ضد النخبة والكتل السياسية الموالية لطهران؛ حيث أدرك الحرس الثوري أن صورة بلاده تضررت بقوة وحان وقت "التضحية" برئيس الوزراء العراقي حتى لا يتدهور نفوذهم أكثر من ذلك في بلاد الرافدين.
2- تهديد بعض المتظاهرين باقتحام مقر المرجعية في النجف، وهو ما دفع الحشد الشعبي لإصدار بيان يعتبر أن الهجوم على هذا المقر "خط أحمر"، وأنه سيستخدم "كل القوة المتاحة" من أجل تأمينه، وربما هذا ما يفسر أن طلب إقالة عبدالمهدي جاء من المرجعية العليا التي يمثلها علي السيستاني.
عادل عبدالمهدي نفسه حرص على القول إنه يستقيل استجابة لطلب المرجعية، فالأولويات الإيرانية في بغداد هي الحفاظ على المرجعية قبل الحفاظ على رئيس الوزراء.
3- كشفت نتائج الاجتماعات المتعددة التي استضافها "بيت الحكمة" عن حرص كبير من "البيت الشيعي" الذي يخرج منه رئيس الحكومة على بقاء الوضع كما هو علية للحفاظ على مكتسباتهم التي جاءت مع الغزو الأمريكي ودستور 2005، ولهذا اتفقت دعوات المرجعية مع مطالب التيار الصدري على تقديم كبش فداء "عادل عبدالمهدي" لتهدئة المتظاهرين.
ولعل هذا ما يكشف عن أن التأخير في إقالة عبدالمهدي هو نوع من التكتيك السياسي أكثر منه رغبة في تحقيق تحول سياسي حقيقي وبدء مرحلة جديدة من تاريخ العراق، ما يطرح سؤالا حول "حدود التنازلات" التي يمكن أن تقدمها السلطة الحاكمة في بغداد؟
أولاً: تغير الوجوه
رغم العدد الهائل من القتلى والمصابين لم تظهر أي علامة على رغبة الكتل السياسية والمليشيات العسكرية الداعمة لها في تحقيق "تغيير شامل وعميق" في العراق، وخلال الأيام الأخيرة بدأ إلقاء اللوم على المتظاهرين بجانب الطرف الثالث، فمقتدى الصدر طالب المتظاهرين بالابتعاد عن العنف، وخطبة الجمعة الأخيرة للمرجع الأعلى علي السيستاني طالبت المتظاهرين بتطهير أنفسهم من مرتكبي العنف، وهو ما يضع "حدوداً" للتنازلات السياسية من جانب النخب الحاكمة، وبتحليل خطاب الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم لا يوجد أي حديث عن تغير النظام السياسي أو حكومة تكنوقراط أو اللجوء للانتخابات المبكرة.
ثانياً: أنصاف الحلول
تحت ضغط الشارع قالت الحكومة إنها منفتحة على قانون انتخابات جديد، لكن كل المؤشرات تتحدث عن أن إيران بالتعاون مع الأحزاب الموالية لها تعمل على "تفريغ" هذه الخطوة من مضمونها، وذلك عن طريق إحداث تغييرات شكلية ربما تؤدي ليس فقط للحفاظ على نفوذ طهران في العراق؛ بل لتوسيع هذا النفوذ اعتماداً على خبرة إيران والنخبة الحالية في الالتفاف على مطالب المتظاهرين، فقبل حكومة عادل عبدالمهدي خرج المتظاهرون ضد حيدر العبادي، وبعد استقالة العبادي ومجيء المهدي لم يتغير أي شيء، ولهذا قد تطرح قضية التغيير "شكلاً" لكن لا يتغير أي شيء على مستوى "المضمون".
ثالثاً: القيادة من الخلف
مباراة كرة القدم بين العراق وإيران، وحرق القنصلية الإيرانية في النجف، والشعارات المرفوعة ضد نفوذ طهران قد يدفع الأخيرة إلى عدم تصدر المشهد العراقي من خلال تقديم شخصيات من الصف الثاني لا تقل ولاءً من النخبة الحالية لكنها في ذات الوقت تنفذ أجندتها لكن ليس بالشكل المباشر الذي كان عليه نفوذها طوال 16 عاماً؛ لأن الظهور العلني للجنرال قاسم سليماني في العراق والحديث اليومي عن تأثيره في بغداد أضر مصالح طهران كثيراً، ولذلك يعد نموذج "القيادة من الخلف" أو تحريك السياسات من وراء الكواليس هو المحرك للمشهد الآن.
رابعاً: النموذج السوري في لبنان
ربما هذا أكثر السيناريوهات التي تقدم تنازلات للمتظاهرين، ويقوم على فكرة أن الخروج السوري من لبنان عام 2005 لم ينهِ نفوذ دمشق على بيروت، من خلال "توكيل" النخب العراقية في رعاية المشروع الإيراني وفق الآليات العراقية ودون التدخل المباشر من طهران.
هذا السيناريو أضعف السيناريوهات استناداً إلى تاريخ إيران في المنطقة التي لا يمكن أن تقدم كل هذه التنازلات في ظل هذا الوقت الذي تعاني فيه من ضغوط وعقوبات أمريكية غير مسبوقة، لأن هذا السيناريو قد يغلق "البوابة العراقية" على الصادرات والاقتصاد الإيراني.
شركاء الأزمة
aXA6IDMuMTM4LjEyMi45MCA=
جزيرة ام اند امز