بعد إعلان روسيا التعبئة الجزئية.. ماذا يحدث الآن؟
منذ تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي والتعبئة الجزئية لقواته، بات واضحا أن الأمور لا تسير كما يجب.
وتمكن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا من استعادة آلاف الكيلومترات من الأرضي التي سيطرت عليها موسكو في شرق البلاد، فيما ترددت تقارير عن فرار قوات روسية من الخطوط الأمامية، وازدادت معارضة مخلصين سابقين، كما أصبحت هناك انتقادات من أصدقاء بوتين في بكين ونيودلهي، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
وفي مواجهة احتمال "حدوث تراجع مهين"، سعى الرئيس الروسي، الأربعاء، لتصعيد الحرب بإعلان التعبئة الجزئية لقوات الاحتياط الروسية، وهدد أوكرانيا وحلفائها بالإبادة النووية، وفقا للمجلة.
وعلى الأقل - تقول بوليتيكو - يعتبر ذلك اعترافا بأن الأمور تسير على نحو سيئ للغاية، وبالرغم من شجاعته، سيحتاج بوتين الآن إلى أن يخطو بحذر في إرسال الرجال من حيواتهم الآمنة في روسيا إلى الخنادق بأوكرانيا.
إعادة بناء "المحدلة"
عندما شن الرئيس الروسي ما وصفها بـ"عملية عسكرية خاصة" ضد أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، قيل الكثير عن تفوق القوة الضاربة الروسية.
لكن بالرغم من تفوقهم في الأعداد بشكل كبير على القوات الأوكرانية، فإنه بعد حوالي سبعة أشهر من المقاومة الشرسة، يبدو أن " تكتيك المحدلة" الروسي بدأ يفقد قوته.
ويعتمد هذا التكتيك على تكثيف القصف العنيف على منطقة بعينها بما يفقدها كل القدرة على المقاومة أو الدفاع الذاتي، وذلك قبل أن تتقدم في وقت لاحق القوات والجنود في طرقاتها وشوارعها.
وفي ساحة المعركة، واجه الروس صعوبة في خلق صدع بين القوات الأوكرانية المزودة بمعدات غربية بقيمة مليارات الدولارات (ناهيك عن المعلومات الاستخباراتية الغربية).
وبحسب "بوليتيكو"، أساءت روسيا أيضًا تقدير الفجوة المعنوية واستهانت بمدى شدة قتال الجنود عندما يعلمون أنهم يواجهون صراعا وجوديا.
وفي الفترة التي سبقت إعلان التعبئة الجزئية، الأربعاء، دعت شخصيات سياسية ونقاد بوتين لإعلان التعبئة العامة، والتي ستمكن روسيا من استدعاء جميع قوات الاحتياط وإدخال التجنيد الإجباري، وإعلان اقتصاد الحرب، الذي قد يجعل الكرملين يجبر الشركات على تصنيع إمدادات عسكرية، والناس على العمل لأوقات إضافية من أجل جهود الحرب.
والثلاثاء، تبنى مجلس الدوما مشروع قانون تضمن إشارات إلى التعبئة والأحكام العرفية، وبالرغم من أنه لم يفرض تلك التدابير الطارئة، فإنه زاد العقوبات حال ارتكاب جرائم خلال فترات "التعبئة" و"الأحكام العرفية".
واقترح مشروع القانون أيضًا استبدال فترات السجن التي لم يتم قضاؤها بالعمل القسري للسجناء، وحدد مسؤولية عن النهب والاستسلام طواعية. واستشعر كثيرون أن مشروع القانون كان الخطوة الأولى باتجاه التعبئة – والروس في سن القتال من بينهم.
ثغرات التعبئة
اعتبرت "بوليتيكو" أن قرار بوتين بإعلان "التعبئة الجزئية" محفوف بالمخاطر؛ لاسيما لأنه قد لا يكون الحل لمشاكله، مشيرة إلى أن العديد من مشاكل روسيا بسبب الثغرات التكنولوجية مع العدو المسلح بأسلحة الناتو والمعنويات، وليس الأعداد الهائلة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال ألكسندر خوداكوفسكي، قائد سابق بجمهورية دونيتسك الشعبية والذي يشرف الآن على كتيبة فوستوك الموالية لروسيا، خلال منشور عبر "تليجرام"، إنه ضد التعبئة العامة، وأعطى تقييمه للمشاكل التي تواجه قوات الكرملين في أوكرانيا.
ودفع بأن الأسباب في خسائر روسيا لا تتمثل في نقص الجنود، ولكن "الاستخدام غير المبالي" لتلك القوات، بالإضافة إلى ضعف المعلومات الاستخباراتية وعدم كفاية المعدات، لافتا إلى أنه حال استمر الوضع على ما هو عليه "سيظل النقص (في القوات)، مهما كان عدد الناس الذين يتم تعبئتهم، وستغرق روسيا في موجة جنازات، بدون تحقيق النتيجة المرغوبة."
وحال ذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك واضطر بوتين إلى تجنيد أبناء العائلات الثرية في موسكو وسانت بطرسبرج، قد يواجه نظامه تهديدا داخليا خطيرا.
التصعيد النووي
لطالما ألمح الكرملين إلى احتمال نشر أسلحة نووية ضد أوكرانيا. وأمر بوتين جيشه بوضع قوات الردع النووي الروسية على أهبة الاستعداد بعد بضع أيام من بدء الحرب. لكنه مع الوضع الحرج الذي تواجهه القوات الروسية، أصبح تهديد بوتين باستخدام النووي أكثر وضوحا، بحسب المجلة.
وقال بوتين: "للدفاع عن روسيا وشعبنا، بلا شك سنستخدم جميع موارد الأسلحة المتاحة لنا. هذه ليست خدعة."
ويوم الثلاثاء، أعلنت الجمهوريتان الانفصاليتان الوكيلتان لروسيا في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الشعبيتين، أنهما ستنظمان استفتاء هذا الأسبوع على الاعتراف بهما كجزء من روسيا.
وفي وقت سابق من يوم الثلاثاء، أشار مسؤولون نصبهم الكرملين في منطقة خيرسون جنوبي أوكرانيا إلى أنهم خططوا لإجراء استفتاء، مع إشارة السلطات الموالية لروسيا في منطقة زابوريجيا أيضًا إلى أنها ستفعل المثل.
وجاءت أنباء الاستفتاءات الوشيكة، التي أعلنت في تتابع سريع الثلاثاء، بعدما قالت أوكرانيا إنها استعادت بيلوهوريفكا، إحدى ضواحي مدينة ليسيتشانسك بمنطقة لوهانسك، وتستعد للسيطرة على بقية الإقليم.
ويبدو أيضًا أن القوات الأوكرانية على وشك استعادة مدينة ليمان الرئيسية في دونيتسك، قرب إزيوم، التي استعادت أوكرانيا السيطرة عليها في وقت سابق من هذا الشهر.
وإذا اتخذ بوتين المحاصر قرار استخدام الأسلحة النووية بحجة "الدفاع" عن المناطق الانفصالية الموالية للكرملين، أمامه عدة خيارات.
ويمكن لبوتين إطلاق طلقة تحذيرية تستهدف إلحاق بعض الخسائر إن وجدت، أو نشر أسلحة "تكتيكية" ذات مدى أقصر على الأهداف العسكرية، أو محاولة ضرب كيف للقضاء على الرئيس فولوديمير زيلينسكي والمقربين منه على أمل أن يكسر ذلك عزيمة البلاد، أو قد يسعى لتدمير مدينة أوكرانية متسببا في خسائر هائلة بين المدنيين لإجبار كييف على الاستسلام.
طريق مسدود محتمل؟
بحسب "بوليتيكو"، إذا فشلت التعبئة في تغيير مجرى الأمور وثبت أن نشر الأسلحة يشكل مخاطرة كبيرة، قد يتطلع بوتين إلى صديقه في بيونج يانج من أجل الإلهام وتبني نموذج كوريا الشمالية في الحرب الأبدية.
وسيشبه ذلك إلى حد كبير الوضع في روسيا قبل الحرب في فبراير/شباط، لكن دون أي أثر لسياسة الإنكار، وفقا لما ذكرته المجلة الأمريكية.
ورأت المجلة أن بوتين قد ينسحب من مناطق في أوكرانيا لا تستطيع قواته الاحتفاظ بها ودعم القوات حول لوهانسك ودونيتسك، وأجزاء من زابوريجيا وخيرسون والقرم. يمكنه بعد ذلك إعلان الفوز بالحرب، والقضاء على أي ذرة معارضة داخل روسيا.
وبالطبع، لا يزال هناك احتمال محادثات السلام مع كييف. ومع ذلك، ومع الانتصارات الأوكرانية في ساحة المعركة وتكرار زيلينسكي لأن أي اتفاق سلام سيعتمد على الانسحاب الكامل للقوات الروسية من جميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك دونباس والقرم، يرجح أن يتطلب الاتفاق تنازلات كبيرة من بوتين.
لكن يتمثل الخطر في أن أي مؤشر على ضعف من بوتين سيقوض وضعه السياسي. وبالنسبة له، سيكون ذلك مصير أسوأ من الدمار المؤكد المتبادل.
aXA6IDE4LjIyMS4yMzAuNCA= جزيرة ام اند امز