بوتين يصوب مسدس "الغاز" لرأس أوروبا.. هل ينتصر في جبهة الاقتصاد؟
يحقق الروس انتصارات ملموسة على الجبهة العسكرية في أوكرانيا، في حين يهدد الغرب دوما بأن مكاسب موسكو ستتحول لخسائر على جبهة الاقتصاد.
منذ اليوم الأول للحرب الروسية الأوكرانية، أدى الأوربيون أدوارا خفية على الجبهة العسكرية عبر نقل العتاد والسلاح، لكن وجودهم الصارخ والأقوى كان على ميدان الاقتصاد.
- روسيا تستبق استبعادها وتنسحب من منظمة السياحة العالمية
- أوروبا تخضع للروبل بعد أول صفعة من موسكو.. الغاز ينصر بوتين
في ساحة المال، انطلقت عقوبات الغرب متتالية مستهدفة تكسير أذرع روسيا ونسف أعمدتها الاقتصادية وقطع طرق تواصلها تجاريا مع العالم وإجبارها على التراجع في ساحة الحرب.
روسيا على جبهة الاقتصاد.. من الدفاع إلى الهجوم
من جهتها، أبدت موسكو تكتيكيات دفاعية بارعة وربما "غير متوقعة" على مستوى الاقتصاد، وتمكنت من تجاوز كبوة الروبل وإعادته إلى مستوى ما قبل الحرب قبل أن تعزز موقعه بين عملات العالم.
كما عمد الروس إلى سياسات التفافية حول مضامين كل العقوبات الغربية، وحاولت التملص من كافة القيود التي استهدفت إرباكها والتأثير على قدراتها المالية الداعمة للمجهود الحربي.
والأربعاء، بدا أن هناك تحول كبير في تكتيكيات الروس من الدفاع إلى الهجوم حيث وجه الرئيس فلاديمير بوتين أول مسدس اقتصادي حقيقي إلى رأس الأوربيين عبر قطع الغاز عن دولتين من أهم حلفاء القارة العجوز.
وأوقفت روسيا إمدادات الغاز إلى بلغاريا وبولندا لرفضهما الاستجابة لطلبها بسداد قيمة الغاز بالروبل.
بوتين يوجه مسدس "الغاز" لرأس أوروبا
قد يكون سلاح قطع الغاز عن أوروبا "متوقعا" كما قال وأكد دائما البيت الأبيض، لكن الكثيرين شككوا في جدية موسكو بهذا الشأن نظرا للأثر الاقتصادي المتوقع على الطرفين.
وعلى أي حال، نفذت موسكو تهديدها وأعلنت قطع الغاز عن دولتين، بينما تشير التكهنات إلى ضحايا جديد في المستقبل.
وكان مثيرا للدهشة، رد الفعل "المليئ بالذعر" على الجانب الأوربي الذي بدا منقسما للغاية وبشكل فاق التوقع.
ووفق تسريبات نقلتها "بلومبرج" عن شركة "غازبروم" الروسية، خضع بعض الأوربيين بالفعل إلى أوامر موسكو ونفذوا عمليات لشراء الغاز الروسي مع السداد بالروبل.
وحسب المصادر، دفع 4 مشترين أوروبيين للغاز مقابل مشترياتهم بالروبل الروسي كما طلب الرئيس فلاديمير بوتين.
وأضافت المصادر أن 10 شركات أوروبية فتحت بالفعل الحسابات في Gazprombank اللازمة لتلبية مطالب الدفع الروسية.
وقالت بلومبرج أيضا إن شركة إيني الإيطالية العملاقة للغاز فتحت حسابا تمهيدا للسداد بالروبل.
الروبل "يرقص"
وفي الأثناء، قفز الروبل إلى أعلى مستوى في أكثر من عامين مقابل اليورو في تعاملات موسكو الأربعاء.
وبحلول الساعة 1540 بتوقيت جرينتش، كان الروبل مرتفعا 1.97 % عند 75.31 مقابل اليورو، وهو أقوى مستوى له منذ مارس آذار2020 .
وأمام الدولار الأمريكي، صعد الروبل حوالي 1% إلى 72.80 .
ماذا عن المستقبل.. هل تقلب موسكو معادلة الاقتصاد؟
لا يبدو هذا منطقيا حتى الآن. صحيح أن سعر الروبل ارتفع بدعم من توقعات الإقبال عليه في ظل تفعيل التهديد الروسي، لكن المستقبل ليس مضمونا.
ببساطة، تبدو حرب الغاز والروبل بين روسيا وأوروبا حرب يصارع فيها الطرفين لتكبيد بعضهما الخسارة الأكبر، في حين تظل مكاسب كل طرف "لحظية" وغير مستدامة على المدى الأطول.
بالأرقام، يتضح لنا أن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي الوفير والرخيص لتدفئة المنازل وتشغيل المصانع وتوليد الكهرباء، وبالأرقام أيضا ينكشف أن روسيا تعتمد بشكل كبير للغاية على حصيلة بيع الغاز للأوربيين في ميزانيتها.
ففي 2021، زوّدت روسيا الاتّحاد الأوروبي وبريطانيا بما نسبته 32% من إجمالي وارداتهما من الغاز، مقارنة بـ25% في 2009، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
وبالاستناد إلى أسعار السوق الحالية، تبلغ قيمة صادرات الغاز الروسي إلى الاتّحاد الأوروبي وحده 400 مليون دولار يومياً، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
وبحسب موقع "غازبروم إكسبورت" Gazprom Export، فإنّ 68% من صادرات مجموعة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" في 2020 ذهبت إلى أوروبا.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية فإنّ "الدخل الناتج من صادرات الغاز والنفط شكّل في يناير/ كانون الثاني 2022 ما نسبته 45% من الميزانية الفدرالية الروسية".
هذا وضع يتضح فيه بشدة أننا أمام طرفين يعتمدان بشدة على بعضهما البعض، ومالم يتكاملا ستظل الخسائر هي الجديد على جبهة الطرفين.
من يستسلم أولا؟
لا يشير الموقف الحالي إلى وضع مستقر. يعتمد الأوربيون على الغاز الروسي، لكن جعبتهم لاتزال مليئة بالبدائل كاستخدام المخزونات الاحتياطية وترشيد الاستهلاك وتوفير مصادر الغاز من جهات بديلة وانتظار تحسن الطقس.
أما على الجانب الروسي، فإن موسكو قد تجني مكاسب سريعة من خضوع الأوربيين للروبل، لكنها مستقبلا قد تواجه تراجعا في صادراتها وبالتالي حصيلتها ما ينعكس على اقتصادها الذي بدأ الانكماش بالفعل.
وفي جعبتها أيضا، ترتب روسيا بدائلها لمواجهة المستقبل الغامض بجهود عكسية لتوفير أسواق جديدة بوسعها استهلاك الغاز الروسي ودفع مقابله.