ذكرى الحرب الثالثة.. نظرية «اقتصاد المنشطات» تفسر صمود روسيا أمام الغرب

مع قرب الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022، تبدو آمال السلام أقرب من أي وقت مضى، لكن هذا لم يمنع جهات البحث الغربية من التفتيش فيما وراء الصمود الروسي على مدار الأعوام الثالثة، خاصة على صعيد الاقتصاد.
ومنذ اندلاع الحرب، تجاوز الاقتصاد الروسي التوقعات، حيث حقق نموا في العام الماضي بشكل أسرع من الولايات المتحدة وجميع الاقتصادات الأوروبية الكبرى.
كذلك، وبحسب تقرير لـ"CNN" فإن البطالة سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق، حتى في ظل ميزانية الدفاع المتضخمة التي قيدت الإنفاق في مجالات.
ورغم أن أرقام الاقتصاد الروسي لم تكن وردية بشكل كامل، إلا أنها لم تعاني من الدمار الكامل أيضًا، وهو ما عكس صورة القوة الاقتصادية الروسية، ودفعت للتساؤل عما إذا كانت العقوبات التي فرضها داعمو أوكرانيا، كان لها أي تأثير جوهري على الإطلاق.
وقالت إيلينا ريباكوفا، الخبيرة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن هذه الإحصائيات للاقتصاد الروسي تقدم رسالة تعكس قدرة الصمود بالنسبة لروسيا.
نظرية «اقتصاد المنشطات»
ومع ذلك، ترفض جهات بحثية غربية هذه الصورة لقوة الاقتصاد الروسي، وتقول إن المرونة والتماسك الاقتصادي الروسي مجرد "سراب" نسجه الكرملين بعناية ليجعل خصومه يعتقدون أن الاقتصاد الروسي في حالة جيدة.
ولتفسير القوة الاقتصادية لروسيا، لجأ هؤلاء المحللون إلى مصطلحات مختلفة واستخدم البعض عبارة "اقتصاد قائم على المنشطات" لوصف النمو السريع، ولكن غير الطبيعي وغير المستدام.
ووفق زعمهم، قد تشعر روسيا قريبًا بتبعيات الحرب المؤلمة بعد نهايتها خاصة مع اقتراب الوصول لحل سلام شامل، وقد حذر المسؤولون الروس الساخطون بشكل متزايد من هذه الحرب، من أن اقتصاد روسيا يتجاوز حدود ما يمكن أن ينتجه، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وتسارع التضخم العام الماضي على الرغم من رفع البنك المركزي لأسعار الفائدة إلى 21٪ في أكتوبر/تشرين الأول، وهو أعلى مستوى في عقدين من الزمان.
وأثناء توقيعه على سلسلة من الأوامر التنفيذية في أول يوم له في البيت الأبيض، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن اقتصاد روسيا كان علامة على أن البلاد كانت في "ورطة كبيرة"، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يدمر روسيا بعدم عقد صفقة" بشأن أوكرانيا.
ومن بين الأدلة على هذه المشكلة تأثير العقوبات الجديدة، ونقص العمالة المستمر، وعلامات فقاعة الائتمان.
وعلى الرغم من المكاسب الأخيرة في ساحة المعركة، يقول المحللون إن المشاكل الاقتصادية المتفاقمة التي تعاني منها روسيا قد تدفع بوتين إلى طاولة المفاوضات، وقد تجعل تخفيف العقوبات ورقة مساومة أكثر قوة بالنسبة للغرب.
ميزانية الظل
ولقد استخدم الكرملين طيلة فترة الحرب استراتيجية تعرف باسم "السيطرة الانعكاسية" على نطاق واسع، والتي تهدف إلى تشكيل تصورات الخصم بطريقة تدفع الخصم إلى اختيار الإجراءات التي تعود بالنفع على روسيا.
والأسلحة هي مثال واضح على ذلك، ففي كل مرة يفكر فيها الغرب في إرسال تكنولوجيا جديدة إلى أوكرانيا، أولا، الدبابات الحديثة، ثم الطائرات المقاتلة، ثم الأسلحة بعيدة المدى ، كان يحذر الكرملين في المقابل من العواقب الوخيمة، التي قد تنطوي على ضربة نووية، وقد أدى هذا إلى إبطاء إمداد كييف بالأسلحة، الأمر الذي أفاد موسكو.
والاقتصاد لم يكن مختلفا، حيث يريد الكرملين إقناع حلفاء أوكرانيا، وخاصة الولايات المتحدة، بالقوة الاقتصادية الروسية.
وإذا كانت روسيا قادرة على تمويل حربها لسنوات، فقد تدعم الولايات المتحدة وقف إطلاق النار الذي يصب في صالح أهداف الكرملين، ويقول المراقبون إن السيطرة على هذه التصورات أمر بالغ الأهمية.
وعلى هذا فإن التباهي بالقوة الاقتصادية الروسية يساعد في هذا، وفي مؤتمره الصحفي السنوي في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال بوتين إن الاقتصاد الروسي ينمو "على الرغم من كل شيء"، متجاوزا أوروبا والولايات المتحدة.
ووفقا لتقرير جديد أعده كريغ كينيدي، الخبير بمركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية في جامعة هارفارد، فإن روسيا تخفي التكلفة الحقيقية لحربها باستخدام "مخطط تمويل خارج الميزانية" في الظل.
الديون الخفية
وفي حين ظلت ميزانية الدفاع الروسية "الخاضعة للتدقيق الشديد" عند مستويات مستدامة، كانت هناك زيادة موازية ومتجاهلة إلى حد كبير في اقتراض الشركات، وكتب كينيدي أن هذه القروض تبدو خاصة ولكنها في الحقيقة للإنفاق الحكومي.
في 25 فبراير/شباط 2022 - اليوم الثاني من الرحب، سنت روسيا قانونًا يخول الدولة إجبار البنوك على إقراض الشركات التي تقدم السلع والخدمات للحرب بشروط تحددها الدولة.
وبين منتصف ذلك العام وأواخر عام 2024، شهدت روسيا زيادة شاذة بنسبة 71٪ في الائتمان الخاص، بما يعادل 19.4٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، وفقًا لكينيدي.
ويقدر أن ما يصل إلى 60٪ من هذه القروض (ما يصل إلى 249 مليار دولار) قد تم تقديمها لشركات مرتبطة بالحرب.
وكتب كينيدي: "هذه قروض أجبرت الدولة البنوك على تمديدها إلى شركات غير جديرة بالائتمان إلى حد كبير ومرتبطة بالحرب بشروط تفضيلية".
وهذا يعني أن روسيا تنفق على الحرب ضعف ما تشير إليه الأرقام الرسمية، كما أشار كينيدي.
وحذر من أن خطة التمويل قد تؤدي إلى أزمة ائتمانية بعيدة المدى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى فرض أعباء ديون ثقيلة على الشركات المرتبطة بالحرب والتي من المرجح أن تتخلف عن السداد بمرور الوقت، وهو ما يهدد بإغراق البنوك بـ "موجة من الديون السامة".
قلق المدخرين
ولقد أثار تحليل كينيدي مجموعة من ردود الفعل، فقد ذكر تعليق في صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن هذا التحليل أظهر أن بوتين يجلس على "قنبلة مالية موقوتة".
في حين عارض باحثين من في مركز تحليل السياسات الأوروبية، بعض النتائج التي توصل إليها كينيدي، بقولهم أن المخاوف من أزمة مصرفية في روسيا "مبالغ فيها".
وقال تيموفي ميلوفانوف، رئيس مدرسة كييف للاقتصاد ووزير الاقتصاد الأوكراني السابق، إن نتائج هذه السياسات مثيرة للقلق، ولكنها لن تكون مدمرة بالضرورة.
وقد يكون الذعر بين الروس العاديين، الذين يعرفون كيف يشعرون عندما يتم اختفاء مدخراتهم، وإذا اعتقدوا أن ودائعهم معرضة للخطر، فقد يؤدي هذا إلى إشعال شرارة هروب من البنوك.
ومنذ الخريف، انتشرت شائعات مفادها أن البنك المركزي قد يجمد ودائع العملاء، التي تضخمت مع اندفاع المدخرين للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة.
وقد وصف بنك روسيا هذه الفكرة بأنها "سخيفة"، ولكن هذا لم يفعل الكثير لطمأنة الروس، كما قال ميلوفانوف.
وفي الوقت نفسه، اقترح أليكسي نيتشايف، رئيس حزب الشعب الجديد في روسيا، قانونًا جديدًا لمنع البنك المركزي من تجميد ودائع العملاء دون موافقة مجلس النواب الروسي.