كيف يعود بوتين من أوكرانيا..ـ ستالين أم يلتسين؟
في السياسة كما في الفيزياء، لا بد أن تعبر القوة عن نفسها. وتبدو الحرب الروسية في أوكرانيا اليوم كدليل إضافي على ذلك.
لكن القوة الروسية التي نجح الرئيس فلاديمير بوتين في حشدها على مدار أعوام حكمه الأطول في تاريخ البلاد تقف أمام اختبار حاسم في أوكرانيا، البلد السوفيتي السابق الذي مال كثيرا نحو الغرب وكاد يرتمي في أحضان حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تحدٍ أمني استراتيجي طرحته كييف على بوتين ما دفعه لاحتلال المشهد السياسي على المسرح العالمي وأداء دور البطولة بعد أن كان مكتفيا بأدوار رئيسية قام بها خلال السنوات الماضية في الشرق الأوسط.
واتخذ بوتين فجر الخميس الماضي قراره الأخير بشأن مستقبله على الساحة الدولية، مطلقا عمليا روسية في أوكرانيا، لكن السؤال الآن كيف يعود بوتين من كييف؛ هل يعود في صورة الزعيم السوفيتي الأبرز جوزيف ستالين أم بوريس يلتسين الرجل الذي ارتبط اسمه بانهيار الاتحاد السوفيتي.
جوزيف ستالين
وجوزيف فيساريونوفيتش ستالين المولود في 18 ديسمبر/كانون الأول عام 1878 تولى سلطة الاتحاد السوفيتي في أعقاب القائد الأسطوري فلاديمير لينين قائد الثورة البلشفية، لكنه تجاوز صورة سلفه كمفكر وسياسي رفيع مكرسا بفعل الدعاية الغربية كذلك صورة الديكتاتور الرهيب.
وأضاف ستالين أمجادا لسلفه بنقل الاتحاد السوفيتي من المجتمع الفلاحي إلى قوة صناعية كبرى مطلقا كذلك سباق التسلح النووي.
وخلال الحرب العالمية الثانية وقع ستالين مع الزعيم الألماني أدولف هتلر اتفاق عدم اعتداء، لكن جيوش النازي شنت هجوما مباغتا على الاتحاد السوفيتي ما أفقد الجيش الأحمر توازنه في بداية المعارك، لكن لاحقا استعاد ستالين توازنه وساعدته ثلوج بلاده ليتمكن من وقف التوغل الألماني قبل هزيمة ألمانيا النازية التي دفعت به إلى مقدمة المشهد الدولي لتستعر من بعد ذلك الحرب الباردة.
وأثناء حفل عشاء ضم قادة الاتحاد السوفيتي تدهورت الحالة الصحية للزعيم الذي أسلم الروح في 5 مارس/آذار عام 1953.
بوريس يلتسين
وصل بوريس يلتسين إلى السلطة عام 1991 وسط آمال شعبية بإقامة دولة ديمقراطية جديدة تكسر عزلة طالت لنحو 7 عقود.
لكن كان على الرئيس حمل عبء أوضاع اقتصادية متردية فاتخذ إجراءات قاسية وجذرية لإصلاح الأوضاع في البلد المنهك ما أدى إلى تهاوي شعبيته.
ودخلت روسيا في عصر مظلم خلال فترتي رئاسته حيث تردت بعنف الأوضاع المعيشية وانتشرت الجريمة المنظمة وتأسست كارتيلات المافيا الروسية قبل أن يقرر الاستقالة في 1999 معترفا بفشله في تحقيق الحلم، ويسلم السلطة لخلفه الذي أوصى به.
القيصر الجديد
وبوتين ضابط الاستخبارات السوفيتي السابق تولى رئاسة روسيا من عام 2000 وحتى 2008، ثم من 2012 وحتى اليوم بعد 4 سنوات قضاها كرئيس في الظل يحرك من خلف ستار ديمتري ميدفيديف حليفه المقرب.
ويواجه بطل الجودو المخضرم العالم كله تقريبا باستثناء الصين بثقلها الدولي، لكن عازم على إسقاط ليس فقط العاصمة كييف وإنما صورة روسيا المهزومة والمدجنة داخل عالم تحكمه واشنطن.
عبء ثقيل يغامر بحمله الرئيس المولد في 1952 في لينينغراد، لكن بوتين الذي اعتاد على الظهور في صقيع روسيا عار الصدر في رحلات صيد طويلة يملك من الدهاء السياسي بحث يصعب الاعتقاد بأنه سقط في الفخ الأمريكي في أوكرانيا.
وما خسره الرئيس الروسي على مؤشر الديمقراطية طوال سنوات حكمه راكمه كنجاحات في ميدان الاقتصاد خلال فترة رئاسته الأولى، نما الاقتصاد الروسي لمدة ثماني سنوات متتالية، وزاد الناتج المحلي الإجمالي المقاس بالقوة الشرائية بنسبة 72%.
ولا يخشى بوتين، الذي درس القانون في جامعة ولاية لينينغراد (الآن جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية) وتخرج فيها عام 1975، بأطروحة حول "مبدأ التجارة بين الدولة الأكثر رعاية في القانون الدولي"، من السلاح الغربي بقدر ما يخشى من تأثير العقوبات القاسية المفروضة على بلاده.
ويدرك الرئيس الروسي على ما يبدو بأنه في معركة وجودية مرددا على الأرجح صرخة هاملت شكسبير "أكون أو لا أكون".
وأمس الأحد قد أظهر جانبا من هذا الإدراك بإعلانه وضع قوة الردع الاستراتيجي في حالة تأهب قصوى، ما يعني التلويح بحرب عالمية ثالثة بين القوى النووية الكبرى.
ويبقي السياسي المخضرم أوراقه جميعها على الطاولة فبينما وفده للتفاوض ينتظر في غرفة على حدود أوكرنيا وبيلاروسيا، تحلق طائراته في سماء كييف وتقصف أهدافا في شتى محاور القتال.
لكن الحبر الذي سيكتب به نهاية المشهد في أوكرانيا سواء بتوقيع اتفاق سياسي أو إعلان استسلام كييف سيرسم واقعا دوليا جديدا، فنتائج الصراع الأوكراني يقود إلى عالم متعدد الأقطاب يزاحم في بوتين رئيسي الولايات المتحدة والصين.
ويترقب العالم كاتما أنفاسه الصورة التي سيعود بها بوتين من أوكرانيا كستالين أم يلتسين وبين النموذجين المحتملين قد ينزلق العالم إلى هاوية جحيم نووي بفعل خطأ بسيط في الحسابات.