نبوءة رحيل بوتين.. وأثر جناح الفراشة
عاصفة أثارتها تقارير غربية نقلاً عن حوار تم حذفه من موقع روسي، حول تنحي بوتين عن رئاسة روسيا، تبدو تأكيداً لنظرية "أثر جناح الفراشة".
يمكن منح المحلل السياسي الروسي فاليري سولوفي، لقب نوستراداموس القرن الحادي والعشرين، بعد أن أطلق مزاعمه حول تنحي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ورغم وجود اختلافين بين الأكاديمي الروسي المرموق، والمهرطق الفرنسي الأشهر، الأول أن سولوفي اعتمد على ما قال إنها "معلومات غير مؤكدة،" أما الاختلاف الثاني فيتمثل في أن الصيدلاني الفرنسي منح نفسه فسحة من الوقت قبل أن يختبر العالم صدقه، فيما غامر سولوفي بالحديث عن أسابيع معدودة.
العاصفة التي أثارتها تقارير غربية نقلاً عن حوار تم حذفه من موقع روسي، تبدو تأكيداً لنظرية "أثر جناح الفراشة"، فثرثرة الأكاديمي الروسي غير المؤكدة تضخمت بفعل ثقل صحيفة "واشنطن بوست" وغيرها من المؤسسات الإعلامية التي تلقفت القصة، للنيل من الغريم الأبرز على الساحة الدولية.
وقالت الصحيفة الأميركية، إن الأكاديمي المقرب من الكرملين توقع أن يتنحى الرئيس بوتين عن الحكم عام 2017 بسبب ما اعتبرها "مشاكل" ستبعده عن الرئاسة لبضعة أشهر.
القصة التي اهتمت بها ديلي ميل ونشرتها صحيفة "Moskovskij Komsomolets" الروسية على موقعها الإلكتروني الخميس الماضي، حملت عنوان "عاصفة رعدية في 2017.. بوتين يتنحى خلال أشهر". حيث نقلت الصحيفة على لسان سولوفي، البروفسور المعروف في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، قوله إن الكرملين قد "يعلن انتخابات مبكرة عام 2017، أي قبل عام من انتهاء ولاية بوتين، بسبب ابتعاد الأخير عن الحكم".
وتوقع سولوفي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في عام 2017، وذلك قبل عام من انتهاء المدة المقررة لولاية بوتين الحالية. وعندما سئل الأكاديمي المقرب من كواليس الكرملين عما إذا كانت المشاكل التي سيواجهها بوتين تتعلق بصحته، أجاب "لن أقول أكثر من ذلك، لقد قلت ما يكفي"، وعزز توقعاته بتحقق نبوءات سابقة له.
وحذفت الصحيفة حوارها مع سولوفي بعد ساعات قليلة من نشره، وبينما قال مالك ورئيس تحرير الصحيفة الروسية، إن الحوار حذف بسبب "أخطاء في الحقائق" المذكورة، لافتاً إلى أنه سيعيد النشر بعد التصحيح خلال أيام، وفق ما نقلته صحيفة موسكو تايمز، أشارت إذاعة أوروبا الحرة في تقرير لها حول القصة نقلاً عن مصادر مقربة من سولوفي إلى أن الأخير "غادر موسكو فور انتهاء المقابلة الصحفية إلى جهة غير معلومة".
لم يكتفِ سولوفي بإطلاق إعصار تنحي بوتين لكنه أشار أيضاً إلى اسمين محتملين كبديل لبوتين، وهما؛ رئيس الوزراء الحالي ديمتري ميدفيدف، الذي سبق تبادل الأدوار مع القيصر بوتين، وأليكسي ديمين الذي يبلغ من العمر 44 عاماً، وهو الحارس الشخصي السابق لبوتين ونائب وزير الدفاع السابق، والذي يرى المراقبون أنه يتم إعداده لمهمة أكبر. دون أن ينسى أيضاً التلميح بوجود صراع مرير على السلطة يقوده البيروقراطيون الأمنيون من ذوي النفوذ والذين يعارضون تولي ميدفيديف للسلطة مجدداً.
وفيما ينتظر العالم اختبار صحة نبوءة سولوفي، يقف الروس أمام سؤال ملح وهو هل تبدو قباب الكرملين الذهبية أقل بريقاً في غيبة القيصر؟ وهل بات لاعب الجودو المغمور أكبر من بلده؟
فضابط الاستخبارات السابق، الذي لمع نجمه فجأة في سماء روسيا المنكفئة على أزماتها الداخلية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أعاد بلاده إلى الساحة الدولية كفاعل رئيسي، دون أعباء الأيدولوجيا.
خلال سنوات حكمه الأولى منذ انتخابه في مطلع الألفية تجنب بوتين الاصطدام بمجموعات الضغط السياسية والمالية المتنفذة، لكنه عمل بدأب لضمان تولي أنصاره رئاسة الأقاليم الفيدرالية، وعزز القيصر إحكامه على مقاليد السلطة بعد أن شكل ما بات يعرف بـ"مجموعة بطرسبورغ" التي تضم شخصيات خدمت معه في وقت سابق في جهاز الاستخبارات الروسي "كي جي بي"، ودفع بهم إلى مفاصل الأجهزة والمؤسسات الحكومية.
وفيما كان القيصر يبني برجاله حصنه الجديد، سعى بوتين أيضاً إلى ضمان ولاء أوسع قاعدة شعبية ممكنة، دون أن يدفع في مقابل ذلك الكثير؛ إذ كلفه الأمر فقط اعتماد النشيد السوفيتي نشيداً وطنياً، وإلزام الجيش برفع الرايات الحمر مجدداً، مع رفض قاطع لدفن جثمان لينين المسجى في الساحة الحمراء مستجيباً بذلك لمطالب ملايين الروس، لكن على صعيد آخر مضى بقوة في تعزيز اقتصادات السوق في روسيا، وأقدم على خصخصة المؤسسات الحكومية، وقاد سياسة للتقارب مع الغرب.
- بوتين يشترط: اتفاق مينسك أساس حل أزمة أوكرانيا
- بوتين: لا نسعى للصدام مع أمريكا ونأمل في تحسن العلاقات
ودفع الشعور بالخطر مناوئو بوتين إلى التحرك من أجل إقصائه، لكن بوتين الذي لم يستعد بعد للمعركة ضد تحالف رجال الأعمال الأكثر نفوذاً نجح في القضاء عليهم بإعلانه الحرب عليهم تحت شعار أخاذ؛ "الحرب على الفساد"، الأمر الذي زاده شعبية في الأوساط الروسية.
تبدو روسية القيصرية اليوم أكثر قوة من أي وقت مضى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي رسمياً عام 1991. روسيا بوتين التي احتلت بالقوة شبه جزيرة القرم، تحت سمع العالم وبصره، ودفعت بجنودها إلى أتون الصراع العالمي في سوريا، كيف يمكن أن تكون مع غيابه.. سؤال سيظل مطروحاً سواء صدقت نبوءة سولوفي أو لم تصدق.