كيف سينجو بوتين؟.. القيصر تعلم من فوضى السوفيت
يحلم كثير من السياسيين في الغرب بانتهاء أزمة أوكرانيا، لا بانتصار كييف بل انهيار نظام فلاديمير بوتين على غرار الاتحاد السوفيتي.
تشير مجلة فورين أفيرز الأمريكية، إلى أن هذا الأمل يتجلى في العديد من المقالات والخطب التي تقارن بين الحرب الكارثية التي شنها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والعملية الروسية العسكرية ضد لأوكرانيا.
ويعتقد مروجو هذه النظرية أن الحرب ستضعف الدعم الشعبي للكرملين نتيجة لتزايد الخسائر والعقوبات المدمرة للاقتصاد الروسي، وفقا للمجلة الأمريكية.
وبسبب انقطاع الوصول إلى السلع والأسواق والثقافة الغربية، فستميل كل من النخبة والروس العاديين للنأي بشكل متزايد عن بوتين، وربما يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بمستقبل أفضل. وفي نهاية المطاف، قد يتم تنحية بوتين ونظامه جانبًا إما عبر انقلاب أو موجة من الاحتجاجات الجماهيرية.
ويرى التقرير أن هذا التفكير يقوم على قراءة خاطئة للتاريخ، فالاتحاد السوفيتي لم ينهار للأسباب التي يحب الغربيون الإشارة إليها: هزيمة مذلة في أفغانستان والضغط العسكري من الولايات المتحدة وأوروبا والتوترات القومية في الجمهوريات المكونة له.
وحقيقة الأمر أن السياسات الاقتصادية السوفيتية وسلسلة الزلات السياسية التي ارتكبها الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف هي التي تسببت في سقوط الاتحاد السوفيتي، وفق "فورين أفيرز".
كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعلم الكثير من الانهيار السوفيتي، وتمكن من تجنب الفوضى المالية التي تسببت في سقوط الدولة السوفيتية على الرغم من العقوبات الشديدة، حيث تتميز موسكو اليوم بمزيج مختلف تمامًا من المرونة أكثر مما كانت عليه إبان الاتحاد السوفياتي في أواخر العصر.. وهذا التاريخ مهم لأنه عند التفكير في الحرب في أوكرانيا وعواقبها، يجب على الغرب تجنب إسقاط مفاهيمه الخاطئة حول الانهيار السوفياتي على روسيا الحالية.
نظام بوتين مستقر
تقرير مجلة فورين أفيرز الأمريكية أن نظام بوتين أكثر استقرارًا مما كان عليه نظام جورباتشوف، ولكن إذا تمكن الغرب من الحفاظ على وحدته، فقد يظل قادرًا على تقويض سلطة الرئيس الروسي رويدا رويدا.
واعتبرت أن خطأ بوتين الفادح بالتوغل في أوكرانيا، تسبب في كشف نقاط ضعف النظام - وهو اقتصاد أكثر ارتباطًا بالاقتصادات الغربية مما كان عليه سلفه السوفييتي ونظام سياسي شديد التركيز يفتقر إلى أدوات الحشد السياسي والعسكري التي كان يمتلكها الحزب الشيوعي.
وفي حال تواصلت الحرب الأوكرانية، ستصبح روسيا لاعباً دولياً أقل نفوذا. وقد تؤدي العملية العسكرية الروسية المطولة إلى نوع من الفوضى التي أسقطت الاتحاد السوفيتي، لكن لا يمكن للزعماء الغربيين أن يأملوا في مثل هذا النصر السريع والحاسم. وسيتعين عليهم التعامل مع روسيا، مهما كانت ضعيفة، في المستقبل المنظور.
ويرى التقرير أن بوتين درس هذا التاريخ بعمق، حيث أعلن ذات مرة أن "زوال الاتحاد السوفيتي كان أعظم كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين، وقد بنى نظامه لتجنب نفس المصير.
وأضاف: "لقد أدرك بوتين أن ماركس ولينين كانا مخطئين فيما يتعلق بالاقتصاد، وعمل بجد لمعرفة كيف يمكن لروسيا البقاء والازدهار في ظل الرأسمالية العالمية، فجلب الاقتصاديين الأكفاء وجعل استقرار الاقتصاد الكلي والحصول على ميزانية متوازنة من بين أولوياته القصوى".
وخلال العقد الأول من حكمه، أسهمت أسعار النفط المرتفعة في اكتظاظ خزائن روسيا، وسرعان ما انتهى بوتين من سداد الدين البالغ 130 مليار دولار المستحق للبنوك الغربية.
"لقد أبقى الديون المستقبلية عند الحد الأدنى، وبدأت حكومته في تكديس الاحتياطيات من العملات الأجنبية والذهب. وقد آتت هذه الاحتياطات ثمارها خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما كانت روسيا قادرة بشكل مريح على إنقاذ الشركات الحيوية لاقتصادها"، بحسب المجلة الأمريكية.
إنجازات رغم العقوبات
بعد أن ضم فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم في عام 2014، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على النفط الروسي والصناعات الأخرى، وانخفضت أسعار النفط بالقدر الذي كانت عليه في عهد جورباتشوف.
لكن الحكومة الروسية ردت بمهارة، فتحت قيادة رئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا ووزير المالية أنطون سيلوانوف، سمحت موسكو بتخفيض قيمة الروبل، واستعادة استقرار الاقتصاد الكلي.
وبعد تراجع قصير، انتعش الاقتصاد الروسي. وحتى خلال جائحة كوفيد، حافظت البلاد على انضباط مالي صارم، ففي الوقت الذي طبعت فيه الدول الغربية تريليونات الدولارات لدعم اقتصاداتها، زادت روسيا فائض ميزانيتها.
ومضت المجلة في تحليلها: "خلال السنوات العشر الماضية، لم يكن هناك بلد في العالم كان سيتبع مثل هذه السياسة المتسقة والمحافظة والمتشددة المبنية على نموذج ليبرالي للاقتصاد الكلي".
وبحلول عام 2022، بلغ إجمالي الاحتياطي الروسي أكثر من 600 مليار دولار، والذي يشكل واحدا من أكبر الاحتياطيات في العالم.
ولذا خلص التقرير إلى أنه ينبغي لصانعي السياسة في الغرب الاستعداد للتعامل مع روسيا الضعيفة التي أرهقتها الحرب بدلا من الخيالات بانهيار موسكو.
aXA6IDUyLjE1LjEzNi4yMjMg جزيرة ام اند امز