سخرة وإذلال.. انتهاكات حقوق العمال تحاصر مونديال قطر 2022
علامات استفهام عديدة تحاصر دولة قطر، لا سيما في الجانب الخاص بحقوق العمال القائمين على تشييد ملاعب ومنشآت مونديال 2022.
الدوحة تتورط بشكل دائم في انتهاكات حقوق العمال على الأصعدة كافة، ماديا وإنسانيا وصحيا، وسط مطالبات من جهات عديدة بضرورة التدخل وإنقاذ الأرواح البشرية، وسحب تنظيم كأس العالم من قطر.
الأمر لم يقتصر على مجرد رواتب هزيلة فحسب، بل امتد لتأخر سداد المستحقات لكافة العاملين، وهو ما أثر بالسلب على الحالة المعنوية السائدة بينهم على مدار الأشهر الماضية، بجانب الفشل الذريع في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد، وغيرهما من الملفات الشائكة.
رواتب هزيلة
صحيفة "ميرور" البريطانية، كشفت في أبريل/ نيسان الماضي الأوضاع الكارثية التي يعاني منها العاملون في بناء ملاعب كأس العالم 2022، وحصولهم على رواتب هزيلة لا تتوافق مع الأعمال الشاقة التي يقومون بها في ظل ظروف قاسية.
وذكرت الصحيفة أن كل عامل من إجمالي 28 ألف فرد يعملون في بناء ملاعب المونديال يحصل شهريا على 158 جنيها إسترلينيا فقط، رغم العمل في ظروف غير آدمية، أبرزها بذل مجهود شاق في درجات حرارة عالية تصل إلى 49 درجة مئوية في الصيف.
وأشارت الصحيفة إلى أن كل العاملين الوافدين من دول بنجلاديش وسريلانكا والفلبين ونيبال، يحصلون على أجور غير كافية.
وقال أحد العمال في تصريحات نقلتها الصحيفة البريطانية: "أقوم بعملين داخل أحد الملاعب، ولا أحصل شهريا إلا على 900 ريال قطري فقط، أي ما يوازي 190 جنيها إسترلينيا".
وفي الإطار نفسه قال عامل آخر: "في كثير من الأحيان لا نتقاضى أجورا على العمل الإضافي، وحين ينتهي الدوام يكون علينا الانتظار لوقت طويل جدا كي تأتي الحافلة، وهذا يزيد من ساعات العمل".
وكانت الدوحة وضعت نظاما في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، يحصل من خلاله العامل على 750 ريالا قطريا، وهو مبلغ يقل كثيرا عما طالبت به حكومات عدة دول ينتمي لها العاملين، وعلى رأسها نيبال.
تأخير الأجور
لم تكتفِ الدوحة بتحديد أجور هزيلة لا تكفي العمال حاجاتهم الأساسية، وسلكت طريقا إجراميا آخر، بعدم منح العمال أجورهم، أو تأخيرها عليهم في أفضل الأحوال.
وفي أغسطس/آب الماضي، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، تقريرا صادما في 106 ورقات، يتناول وضع عمال منشآت مونديال 2022، في الوقت الذي تحاول فيه قطر السيطرة على التأخر الملحوظ في الانتهاء من التزاماتها لتنظيم البطولة.
التقرير جاء بعنوان "كيف نعمل بدون أجور؟"، ووثق انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها العاملون في ملاعب المونديال، فضلا عن تشغيلهم بنظام السخرة.
وأشارت التقرير إلى وجود انتهاكات مستمرة من قبل 60 صاحب عمل وشركة على الأقل في قطر، وأن جهود السلطات القطرية لحماية حق العمال الوافدين غير ناجحة.
قطر لم تنفذ التزامها أمام منظمة العمل الدولية في 2017 بحماية العمال الوافدين من انتهاكات الأجور، وإلغاء النظام الذي يربط تأشيرات العمال الأجانب بأصحاب العمل.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش" معاناة العاملين في وظائف عدة منها الحراس والأمن، وعمال المطاعم والمقاهي، وحراس النوادي الليلية، وعمال التنظيف، وعمال البناء، من عدم الحصول على أجورهم.
إذلال وسخرة
وأثبتت وثائق حصلت عليها صحيفة "جارديان" البريطانية من سفارة نيبال في الدوحة، وجود أدلة دامغة على إجبار العمال النيباليين على العمل في ظروف غير آدمية تصل لحد "السخرة" في منشآت كأس العالم.
وأكد العمال أن السبب الرئيسي وراء عدم حصولهم على رواتبهم لعدة شهور هو الاحتفاظ بها لمنعهم من الهرب من الأوضاع القاسية، فيما قال البعض إن أرباب العمل يصادرون جوازات السفر الخاصة بهم ويرفضون إصدار بطاقات هوية لهم.
بال باهادور تامانج، رئيس رابطة وكالات التوظيف الأجنبية في نيبال، قال في وقت سابق: "عقدنا اجتماعا مع وزارة العمل، وأصدرت الحكومة الآن تعليمات للسفارة في قطر لبدء محادثات مع الحكومة هناك من أجل حماية حقوق العمال المهاجرين النيباليين".
وأضاف: "سنطالب الحكومة القطرية بالبحث فى المعاملة التي يلقاها عمالنا هناك، وإغلاق الشركات التي لا توفر حتى المتطلبات الأساسية مثل الغذاء والمأوى أو الأجور".
بناء على الأدلة التي حصلت عليها وسائل إعلام عالمية وعدة منظمات حقوقية، تأكد أن قطر تمارس "عبودة حديثة" تجاه العاملين في مشاريع المونديال، ما دعا مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية لمناشدة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"ل سحب تنظيم البطولة من الدوحة.
وقال إيدين ماكواد مدير المؤسسة الدولية لمكافحة الرق في وقت سابق: "الأدلة تؤكد أن ما يحدث لليد العاملة بشكل قسري في قطر وظروف العمل القاسية هناك، بجانب عدد الوفيات من العمال المستضعفين، يشير إلى أننا أمام أجواء العبودية القديمة، وأن المونديال سيشيد على أنقاض العمل القسري".
حالات وفاة
كنتيجة طبيعية للانتهاكات المستمرة في حق العمال وتجاهل أبسط حقوقهم، لقي مئات العمال في مشاريع مونديال 2022 حتفهم بسبب الظروف القاسية.
وشهدت مواقع تشييد ملاعب جديدة لاحتضان بطولة كأس العالم 2022 العديد من حالات وفاة العمال لأسباب مختلفة تتعلق بالإهمال ونقص الرعاية الصحية وسوء ظروف العمل وغيرها، وهو الأمر الذي اعتاد النظام القطري إنكاره.
وفي عام 2018، لقي عامل في مكان العمل باستاد "الجنوب" بعدما سقط من مكان مرتفع، وهو نفس المكان الذي تم الإبلاغ عن 10 وفيات أخرى فيه بنفس الفترة أيضا، كذلك لقي 3 عمال مصرعهم، علاوة على إصابة 11 آخرين في حادث تصادم حافلة بعام 2019، بحسب لجنة رعاية العمال.
وتوفي نجار تركي بأزمة قلبية في فبراير/شباط من نفس العام، وآخر من نيبال بعمر 27 عاما، بسبب أزمة في الجهاز التنفسي، في حين توفي آخر بعمر 20 عاما من نفس البلد قد لقي مصرعه في أكتوبر 2019 أيضا، بعد 5 أيام فقط من وصوله إلى قطر.
وربطت دراسة نشرت في يوليو/تموز الماضي، بين أمراض القلب والأوعية الدموية ووفاة أكثر من 1300 عامل نيبالي بقطر في الفترة ما بين 2009 إلى 2017.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، توفي عامل كهرباء هندي بعمر 54 عاما، إثر أزمة قلبية، ولم يمر سوى شهر حتى توفي آخر من نيبال بعمر 35 عاما، بمرض السل، وبعدها بشهرين لقي عاملا هنديا عمره 21 عاما مصرعه، لتتواصل أزمة وفاة العمال.
فريسة كورونا
بعد كل ما اقترفته الدوحة في حق ضيوفها من العمال الأجانب، لم يكن صعبا عليها تركهم فريسة لفيروس كورونا، الذي تسبب في حالة ذعر في جميع أنحاء العالم/ منذ تفشيه قبيل نهاية العام الماضي.
وكشفت منظمة العفو الدولية في مارس/آذار الماضي، عن إصابة أعداد هائلة من العمال في قطر بفيروس كورونا، وأن السلطات القطرية رفضت علاجهم، ووضعت أعدادا كبيرة منهم في مستشفيات غير مؤهلة.
قطر ضربت عرض الحائط بمطالب منظمة الصحة العالمية، بإجراء كشف دوري على العمالة المشاركة في بناء مشروعات المونديال، للتحقق من إصابتهم بالفيروس.
كما رفضت الدوحة تعليمات منظمات عالمية لعلاج العمالة بتجهيز مستشفى طبي كامل، إضافة إلى رفضها عودتهم للعلاج في بلادهم، وهددت من يحاول السفر، فضلا عن رفضها وجود تأمين صحي للعاملين في مشروعات كأس العالم.
ممارسات النظام القطري تسببت في تظاهر عدد كبير من العمال في شوارع الدوحة، احتجاجا على تركهم فريسة للوباء.