بعد الإعلان عن تعزيز العلاقة القطرية الإيرانية، لم تعد الدوحة «مجبرة» على إكمال مسيرتها مع مجلس التعاون
بعد الإعلان عن تعزيز العلاقة القطرية الإيرانية، لم تعد الدوحة «مُجبرة» على إكمال مسيرتها مع مجلس التعاون، لم تعد «مجبرة مثلما أقرت أن تتواجه مع عملاء إيران في الخليج العربي، سواء حين دخلت البحرين باثنين من قواتها واعتذرت منهم وقالت إنها كانت مجبرة، أو حين شاركت في عاصفة الحزم لإعادة الشريعة ومواجهة عملاء إيران وأقرت أنها كانت مجبرة، الآن أصبح البيت (القطري الإيراني) متوحداً سراً وعلانية، ولم تعد مجبرة على مشاركتنا في أي من قراراتنا!
نلعب على المكشوف الآن، فقطر وإيران توحدا في كل موقع مولا فيه الجماعات المتقاتلة، فحين دعمت قطر «القاعدة» وجبهة النصرة في سوريا فإنها قاتلت الوحدات السورية الشعبية أكثر من قتالها للنظام السوري، وإيران كذلك حين دعمت حزب الله والميليشيات الشيعية في سوريا فإنها قاتلت الوحدات السورية الشعبية، البيت القطري الإيراني متوحد إذن في سوريا وليس متعارضاً.
قطر دعمت «القاعدة» في اليمن وإيران دعمت الحوثيين، والاثنان يقاتلان الشرعية ولا يتقاتلان، البيت القطري الإيراني متوحد إذن في اليمن.
الإعلان عن النية «لتعزيز» و«تقوية» العلاقة بينهما أمر طبيعي في هذه الحالة، يتماشى مع السياق العام لوحدة الهدف عند الاثنين، وليس الأمر ردة فعل على مقاطعة دول التحالف لقطر، بل هو تأطير وإعلان لعلاقة قديمة تمتد منذ تولي حمد بن خليفة الحكم الذي وحّد القُطرين، تماماً مثل مينا الفرعون الذي وحّد القُطرين في مصر، نجح حمد بن خليفة أن يوحّد القُطرين إيران وقطر، تميم أخرج العلاقة من السرّ إلى العلن لا أكثر ولا أقل، وبدلاً من مسرحيات القطع والإعادة للسفراء ومسرحية المشاركة في درع الجزيرة، اضطر الاثنان لإبراز وثيقة الزواج العرفي كي يتمكنا من ممارسة علاقتهما علناً أمام الناس دون خجل، والأهم كي يسهل لقطر فك ارتباطها بمجلس التعاون الخليجي!
علاقة قطر وهي تحت حكم الحمدين مع مجلس التعاون باتت مستحيلة، فقطر قد تغولت في الخصومة والعداوة وارتضت أن تمتطيها إيران لتصبح بغلاً طروادياً تحاول أن تقتحم به حصن مجلس التعاون، وذلك ما لن يقبله أي خليجي رأسه يشم الهوا
أما سحب السفير القطري من طهران عام 2016 تضامناً مع السعودية ودول مجلس التعاون بعد الهجوم والاعتداء على السفارة السعودية، فهو قرار أُجبرت عليه قطر، كما أُجبرت على المشاركة في جميع القرارات الخليجية السابقة، بما فيها المارشال الخليجي الذي وافقت عليه ولم تنفذه! النظام القطري الآن أصبح منسجماً مع نفسه وهو في الأحضان الإيرانية.
ما يجمع بين قطر وإيران ليس حقل الغاز الشمالي فحسب، الاثنان تجمعهما خصومة المملكة العربية السعودية، وخصومة دول الخليج العربي، ورغبة الاثنين في إسقاط نظم الحكم فيها وتفكيك المجلس، كما قال حمد بن خليفة للقذافي، المكالمة التي تمت بعد أن لمس حمد عداوة القذافي للملك عبد الله ففتح له قلبه وأخرج مكنونه، فقطر طوال العشرين عاماً الماضية تبحث عن شركاء لها لهدم المجلس وتخريبه ولم تجد أفضل من إيران ضالة لها.
الاثنان شركاء والروابط بينهما أكبر بكثير من الروابط بين قطر وبين دول الخليج العربي، (إيران وقطر) هما «بيت التمويل المتوحد» يمولان أخطر مشروع في تاريخ الشرق الأوسط؛ يهدف لإسقاط دوله، قطر تبرعت لتمويل الجماعات الإرهابية السنية، وإيران تبرعت لتمويل الجماعات الإرهابية الشيعية، والاثنان دفعا تلك الجماعات ليتقاتلا على الأراضي العربية، للعمل على تقويض أسس الدولة العربية، وبعد أن كان التمويل سرياً وانكشف وانفضح، فإن الاثنين اليوم سيوحّدان الصف التمويلي العلني، ويقفان صفاً واحداً أمام أغبى الجماعات العربية على الإطلاق، السنية منها والشيعية، أتباع الولي الفقيه أو أتباع المرشد العام، هل لك أن تتخيل المفارقة؟!! هل لك أن تتخيل ممول النصرة مع ممول حزب الله يتعانقان؟ ممول «القاعدة» مع ممول الحوثيين يعلنان عن علاقة وثيقة بينهما؟
المفارقة الأكبر هي كيف ستلوي الحكومة القطرية واقعاً لا يمكن تطويعه بسهولة، فإن كان للشعب القطري رأي في الموضوع - أو في أي موضوع آخر على العموم - فإننا نتساءل ماذا سيكون رأيه في (مسرحة) العلاقة بينه والإيرانيين وجعلها طبيعية، ستبدو مضحكة جداً، حين ترى قطرياً سلفي العقيدة والفكر، بدوي العرق والأصل والمنشأ، يعانق إيرانياً ويذم سعودياً! سيكون الأمر كوميدياً فعلاً، نحن في شوق لمتابعة قدرات قناة «الجزيرة» الدرامية هذه المرة.
الخلاصة هي، وإن كانت علاقة نظام الحمدين بإيران مسألة طبيعية جداً، إلا أن علاقة الشعب القطري بالإيراني على حساب علاقته بإخوته الخليجيين تبدو مستحيلة، تلك ليست شوفينية ولا تعصباً طائفياً أو إثنياً إنما نتحدث هنا عن فطرة وعلاقات دم لا تداخلها سياسة ولا تداخلها روابط قسرية، وانتزاع الشعب القطري من أسرته الطبيعية، وإقناعه بأن زوج أمه الإيراني أفضل من أبيه الخليجي سيكون مستحيلاً!!
الخلاصة الثانية هي، وإن كانت علاقة قطر مع إيران طبيعية، إنما علاقة قطر وهي تحت حكم الحمدين مع مجلس التعاون باتت مستحيلة، فقطر قد تغولت في الخصومة والعداوة وارتضت أن تمتطيها إيران لتصبح بغلاً طروادياً، تحاول أن تقتحم به حصن مجلس التعاون، وذلك ما لن يقبله أي خليجي رأسه يشم الهوا!!
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة