تبدو خطوات منظمة الأوبك وحلفائها نحو السيطرة على فائض عرض النفط الخام في الأسواق أكثر ثقة بمرور الوقت، مع ظهور مؤشرات جادة
تبدو خطوات منظمة الأوبك وحلفائها نحو السيطرة على فائض عرض النفط الخام في الأسواق أكثر ثقة بمرور الوقت، مع ظهور مؤشرات جادة تشير إلى نجاح نسبي في جهودها لتحقيق هذا الهدف. فقد مرت خلال الأسبوع الثاني من شهر أغسطس الحالي عدة أيام تميزت بالقلق وعدم اليقين حول خطط التحرك في المستقبل، وهو ما عززته تصريحات بعض المسئولين داخل الأوبك وخارجها بعدم وجود اتفاق واضح حول ما إذا كان سيتم تمديد العمل بخطة خفض الإنتاج أم لا. إلا أنه سرعان ما عادت لجنة الرقابة الوزارية المشتركة لمنظمة الأوبك والمنتجين المستقلين يوم الخميس الماضي للقول بأنها على ثقة من أن السوق تتحرك في الاتجاه الصحيح، وأن كل الخيارات مطروحة، بما في ذلك تمديد اتفاق خفض المعروض النفطي لما بعد نهاية شهر مارس القادم للتأكد من استقرار السوق. إلى جانب ذلك تم الاتفاق على عقد الاجتماع التالي للجنة يوم 22 سبتمبر القادم في فيينا، مع دعوة كل من ليبيا ونيجيريا المعفيتين من خفض الإنتاج لهذا الاجتماع.
ويأتي هذا التحرك في وقته تماما لتأكيد العوامل التي تعزز من الثقة في كون السوق تسير بخطى حثيثة نحو التوازن. وربما من أكثر التطورات أهمية في هذا الصدد ما تشهده المخزونات التجارية من النفط الخام في الولايات المتحدة (أكبر مستهلك في العالم) من انخفاض مستمر منذ شهر إبريل الماضي. والأكثر أهمية هو تسارع هذا الانخفاض منذ يوليو، وهو ما يتفق مع توقعات سابقة لوزير الطاقة في المملكة السعودية بأن المخزونات ستشهد انخفاضا كبيرا خلال النصف الثاني من العام الحالي. فبعد أن شهدت المخزونات التجارية ارتفاعا خلال الربع الأول من العام بنحو 34.5 مليون برميل شهدت انخفاضا بنحو 52.4 مليون برميل خلال الفترة من إبريل إلى يوليو، مع تحقيق أكبر انخفاض في يوليو بمقدار 21 مليون برميل، واستمرار الانخفاض بمعدلات مرتفعة نسبيا خلال النصف الأول من شهر أغسطس الحالي بما يزيد على 12 مليون برميل.
أيضا من المنتظر أن يسهم في خفض المخزون تنفيذ الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي ببيع نحو نصف المخزون الاستراتيجي من النفط الخام على مدى عشر سنوات (ما يقدر بنحو 34.5 مليون برميل سنويا في المتوسط)، وذلك بهدف خفض مستوى العجز الفيدرالي.
الالتزام القوي بخفض الإنتاج سيدعم من فرص سرعة عودة السوق لحالة التوازن، خاصة في ظل إعلان التزام أقوى من قبل أعضاء أوبك الأكثر تأثيرا كالمملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والعراق.
ومن المهم الإشارة أيضا إلى تحقق انخفاض كبير في المخزون الأمريكي الإجمالي من النفط الخام (شاملا في ذلك المخزون التجاري والاستراتيجي) والمخزون من المنتجات بنحو 61 مليون برميل خلال الفترة من نهاية فبراير وحتى منتصف أغسطس. وفي حال استمر انخفاض المخزون بنفس الوتيرة حتى موعد التقيد باتفاق خفض الإنتاج (أي حتى نهاية مارس القادم) فسوف يبلغ هذا المخزون نحو 1922 مليون برميل، وهو ما يغطي 93 يوما تقريبا من الاستهلاك الأمريكي وفقا لمعدلات الاستهلاك الراهنة (نحو 20.6 مليون برميل يوميا). وقد يكون من الأفضل تحقيقا للتوازن في الأسواق العمل على خفض هذا المخزون لما يكفي 90 يوما من الاستهلاك فقط، وهو ما يعني خفضه بمقدار 61 مليون برميل أخرى، ويقتضي ذلك من منظمة الأوبك وحلفائها تمديد اتفاق خفض الإنتاج لمدة ستة أشهر أخرى على الأقل. هذا بالطبع في ظل افتراض بقاء كافة الأمور على حالها بحيث تستمر وتيرة خفض المخزون على حالها لتحقيق النتائج المرجوة.
ومع الإقرار بصعوبة بقاء الأشياء على حالها وتوفر أسباب كثيرة لتوفر عدم اليقين حول المستقبل، إلا أنه يمكن القول إن ذلك يشمل كلا من جانبي العرض والطلب، بحيث يُرجح في المتوسط استمرار انخفاض المخزون بوتيرة مقاربة لما شهدناه خلال الثلاثة أشهر ونصف السابقة. فمن بين العوامل الإيجابية زيادة مستوى الاستهلاك في الدول المستهلكة الكبيرة مثل الولايات المتحدة والصين والهند وبلدان أوروبا الموحدة مع توقع تحقيق معدلات نمو اقتصادي أكثر ارتفاعا عن التقديرات السابقة وهو ما يقوي جانب الطلب. وذكرت وكالة الطاقة الدولية التي تضم أهم الدول المستهلكة للنفط في العالم أن زيادة الطلب العالمي على النفط خلال العام الحالي قد تبلغ 1.5 مليون برميل يوميا، بعد أن كان تقديرها لهذه الزيادة لا يزيد على 1.2 مليون برميل فقط خلال العام السابق.
ومن جهة أخرى يميل المراقبون إلى توقع عدم قدرة الولايات المتحدة على زيادة إنتاجها من الخام بنفس الوتيرة التي حققتها خلال الأشهر الأخيرة، مع بلوغ هذا الإنتاج نحو 9.53 مليون برميل يوميا في منتصف أغسطس الحالي، وهو أعلى مستوى منذ يوليو 2015.
وتظل هناك في كافة الأحوال، بالطبع، تأثيرات لا يمكن التنبؤ بها للأحداث الطارئة التي قد تشهدها الدول المنتجة أو المستهكلة، وخاصة تلك الرئيسية منها.
ويظل مقدار الطاقة الإنتاجية ومدى استقرارها في كل من ليبيا ونيجيريا من أكثر العوامل أثرا في بث حالة عدم اليقين. وقد برهن على ذلك مجددا ما شهدته ليبيا مؤخرا، إذ بعد أن ارتفع الإنتاج لما يزيد على مليون برميل يوميا أدت بعض الأحداث إلى إغلاق حقل الشرارة، وهو واحد من أكبر الحقول وتبلغ طاقته الإنتاجية 280 ألف برميل يوميا. ومن هنا تأتي أهمية دعوة عضوي الأوبك ليبيا ونيجيريا للاجتماع القادم للجنة المراقبة الوزارية للتأكيد من جديد على وجود تفاهم حول سقف ولو ضمني لإنتاج البلدين، وهو ما يرسل برسالة واضحة للأسواق بأن خطة خفض الإنتاج تمضي في ظل تفاهم تام داخل الأوبك. ولا جدال أن الالتزام القوي بخفض الإنتاج سيدعم من فرص سرعة عودة السوق لحالة التوازن، خاصة في ظل إعلان التزام أقوى من قبل أعضاء أوبك الأكثر تأثيرا كالمملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والعراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة