الأمر المهم بالنسبة لمنطقتنا هو أن "هارفي" مثَّل أسوأ إعصار يصيب ولايات مهمة في صناعة النفط والتكرير الأمريكية مثل تكساس ولويزيانا
أدى هبوب الإعصار "هارفي" إلى خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة في الولايات المتحدة، حيث يُقدر حجم الخسائر المادية بما يتراوح بين 70-90 مليار دولار، كما ذهب ضحية للإعصار حتى الآن 40 فرداً.
والأمر المهم بالنسبة لمنطقتنا هو أن "هارفي" مثَّل أسوأ إعصار يصيب ولايات مهمة في صناعة النفط والتكرير الأمريكية مثل تكساس ولويزيانا منذ أكثر من خمسين عاماً. وقد ترتّب على هارفي حالة من الارتباك في أسواق النفط، حيث بتنا نشهد تفاوتا واسعا في الآراء وتقديرات المواقف حول تأثير الإعصار على أسعار النفط حاليا ومستقبلا. وليس أدلَّ على الارتباك من انخفاض أسعار خام برنت بنسبة 2.2% يوم الأربعاء الماضي، لترتفع بنحو 3% في اليوم التالي، لتعود للانخفاض مجدداً يوم الجمعة.
تأثر أسعار النفط الخام سيكون محدودا لعدة أسباب، أهمها انخفاض مستوى الطلب في الولايات المتحدة بتأثير الإعصار ذاته وانخفاض طلب المصافي على النفط الخام. علاوة على أن طاقة إنتاج النفط الخام لم تنخفض سوى بما نسبته 13.5% لتأثر بعض الحقول في خليج المكسيك
ويرى عدد من المحللين أن الآثار ستكون أكثر على أسعار المنتجات وليس على أسعار النفط الخام، ويعزون ذلك إلى تأثر طاقة التكرير في الولايات المتحدة أكثر من طاقة إنتاج النفط. فقد ترتب على الإعصار إغلاق طاقة تكرير تبلغ نحو 4.4 ملايين برميل يومياً أو ما يناهز 24% من الطاقة الإجمالية لتصفية النفط والتي تبلغ ما يقرب من 19 مليون برميل يوميا.
وقد انعكس ذلك في ارتفاع كبير في سعر البنزين حتى بلغ سعر الجالون أكثر من دولارين (قبل أن يعود للهبوط يوم الجمعة) وبارتفاع نسبي يبلغ نحو 28% بعد هبوب الإعصار، وهو أعلى سعر منذ أكثر من عامين. ناهيك عن اضطراب الإمدادات عموماً، خاصة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة وبلوغ الأمر حد انتهاء المخزون في بعض محطات الوقود، وانتظار المواطنين لأكثر من ساعتين في بعض الولايات حتى يمكنهم تزويد سياراتهم بالوقود.
ونشير هنا إلى إعلان مصادر عاملة في صناعة النفط أن بعض المصافي قد تظل عاطلة عن العمل لأكثر من أسبوعين ، ومن بينها مصفاة "بورت آرثر" التي تُعد أكبر مصفاة في الولايات المتحدة بطاقة تبلغ أكثر من 600 ألف برميل يوميا، وهي مصفاة كانت شركة أرامكو قد اشترت حصة شركة شل فيها والبالغة 50% في شهر مايو الماضي.
في المقابل يشير البعض إلى أن تأثر أسعار النفط الخام ستكون محدودة لعدة أسباب، أهمها انخفاض مستوى الطلب في الولايات المتحدة بتأثير الإعصار ذاته، وانخفاض طلب المصافي على النفط الخام. علاوة على أن طاقة إنتاج النفط الخام لم تنخفض سوى بما نسبته 13.5% لتأثر بعض الحقول في خليج المكسيك.
ويشير هؤلاء إلى أنه كان قد تم إغلاق 11 ميناء خلال الأيام الخمسة التي عبر خلالها إعصار "هارفي" لمنطقة ساحل تكساس، وهو ما أدى إلى بقاء 28 ناقلة نفط تحمل أكثر من 18 مليون برميل من النفط الخام المستورد منتظرة في عرض خليج المكسيك حتى مساء يوم الأربعاء. وستكون هذه الناقلات جاهزة لتفريغ شحنتها بمجرد استعادة الأوضاع الطبيعية في هذه المنطقة.
ولكن يظل التذبذب اليومي الواسع في الأسعار، خاصة خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، مؤشراً على عدم وجود اتفاق واسع حول فكرة عدم تأثر أسعار النفط الخام. والواقع أن الأمر الذي يغفله البعض ربما عن عمد هو أنه حتى لو أغلقت نحو ربع طاقة التكرير الأمريكية، فإن الطلب سيعود للارتفاع في الولايات المتحدة ومن ثم قد ينقلب الحال إلى استيراد الولايات المتحدة للمزيد من المنتجات المكررة بدلا من النفط الخام خلال الشهر الحالي على الأقل.
وتصل الأوضاع إلى ترديد ترهات حقيقية بالقول إن التأثر الحقيقي سيكون للصادرات الأمريكية مع تحول الولايات المتحدة لدولة مصدرة للنفط الخام والمنتجات، وهي مغالطة رددتها وكالة أنباء شهيرة مثل رويترز. فالولايات المتحدة مستورد صافي للنفط ومنتجاته منذ نحو خمسة عقود. وتشير البيانات الأخيرة التي أعلنتها هيئة معلومات الطاقة الأمريكية، إلى أن البلاد مستورد صاف للنفط بنحو 7 ملايين برميل يوميا، حيث تصدر ما بين 900 ألف إلى مليون برميل بينما تبلغ وارداتها نحو 8 ملايين برميل.
أما في مجال المنتجات، فالحال ينقلب حيث هي مصدر صافي، إذ تصدر الولايات المتحدة نحو 4.5 ملايين برميل يوميا، وتستورد نحو 2.5 مليون برميل يوميا. في الإجمال إذا تُعدُّ الولايات المتحدة مستورداً صافياً لكل من الخام والمنتجات بمستوى يزيد على 5 ملايين برميل يوميا. وبالتالي ستتأثر حتما قدرة الولايات المتحدة على تصدير المنتجات، بل وستتزايد حاجتها لاستيرادها خلال فترة الشهر الحالي على الأقل.
ويعني ذلك ببساطة أن على المصافي الأجنبية العمل بطاقة أعلى مما كانت تعمل به خلال الفترة القصيرة الماضية، لتعويض السوق العالمي عن الانخفاض في المنتجات الأمريكية، وسيعني هذا قطعا زيادة الطلب في بلدان أخرى بخلاف الولايات المتحدة على النفط الخام لزيادة صادراتها من المنتجات.
كما أنه ربما قلل من الآثار السلبية على الولايات المتحدة خلال فترة الإعصار أن المخزون من بعض المنتجات وخاصة من البنزين كان عند أعلى مستوياته التاريخية، لأن المصافي الأمريكية كانت تعمل بأكثر من 97% من طاقتها الإنتاجية القصوى، ولا جدال أن هذا المخزون سيُستنزَف جزء كبير منه لتغطية الطلب حتى تعود المصافي المتوقفة للعمل مرة أخرى.
ومن المؤكد أن هذا الوضع سيدفع المصافي للعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة للوصول من جديد إلى مستوى مناسب للمخزون من المنتجات، وعلى رأسها البنزين وهو ما يعني تزايد طلب المصافي على النفط الخام بعد عودة المصافي المتوقفة للعمل من جديد.
ما يتردد إذاً عن تأثر أسعار المنتجات وعدم تأثر أسعار النفط الخام هي فكرة تروّجها دوائر بعينها، وتحاول الاستفادة من الوضع الراهن بقدر ما تستطيع. ومن المؤكد أنه إذا ما مضت الأوبك وحلفاؤها في الالتزام القوي بخطة خفض مستوى الإنتاج، واستمرار انخفاض إنتاج بعض الدول غير المُقيّدة بهذه الخطة مثل ليبيا قد نرى ارتفاعاً ملموساً لأسعار النفط الخام قريبا.
وتزيد فرص تحقق ذلك إذا ما أتى اجتماع لجنه مراقبة الإنتاج، الذي سيُعقد يوم 22 سبتمبر، معززا للتضامن بين منظمة الأوبك والمنتجين المستقلين، ومبيناً للتمسك بخفض الإنتاج بمستوى 1.8 مليون برميل يوميا المتفق عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة