يُعد اجتماع لجنة مراقبة الإنتاج بين ممثلين لمنظمة أوبك وممثلين للدول الأخرى الأطراف في اتفاق خفض سقف إنتاج النفط، والذي عُقد بمدينة سان بطرسبرج الروسية، يوم الإثنين الماضي، واحدًا من أنجح الاجتماعات التي تمَّت بهدف العمل على دفع أسعار النفط نحو الارتفاع.
يُعد اجتماع لجنة مراقبة الإنتاج بين ممثلين لمنظمة أوبك وممثلين للدول الأخرى الأطراف في اتفاق خفض سقف إنتاج النفط، والذي عُقد بمدينة سان بطرسبرج الروسية، يوم الإثنين الماضي، واحدًا من أنجح الاجتماعات التي تمَّت بهدف العمل على دفع أسعار النفط نحو الارتفاع.
ويعد هذا النجاح نتيجة لعدد من المواقف التي شهدها هذا الاجتماع، وربما يكون من بين أكثر المواقف أهمية هو عدم تجاهل أي تطور يعتد به في السوق، وانتفاء أي محاولة للمداراة على أي قصور انتاب العمل بالاتفاق منذ تم التوصل إليه في نهاية نوفمبر الماضي.
ويتمثل ذلك أولًا وقبل أي شيء آخر في إدراك المشكلة التي ترافقت مع هذا الاتفاق، ألا وهي إعفاء بعض البلدان من خفض إنتاجها نتيجة لمرورها بمشكلات سياسية وأمنية منعتها من إمكانية الإنتاج عند المستويات التاريخية المسجلة سابقًا. ويأتي على رأس تلك البلدان كل من ليبيا ونيجيريا؛ إذ كان التعافي في إنتاجهما خلال الفترة الماضية -أي منذ بداية تطبيق الاتفاق فعليًا في بداية شهر يناير- سريعًا وكبيرًا للغاية؛ حيث نجح البلدان في زيادة إنتاجهما بما يتراوح بين 700 ألف إلى 800 ألف وهو ما يعني فعليًا نحو ثلثي المطلوب خفضه من إنتاج كل بلدان الأوبك والمقدر بـ1.2 مليون برميل يوميًا. وكما دعونا في مقال سابق، فإنه رغم أن لجنة مراقبة الإنتاج غير مخولة باتخاذ قرارات، إلا أننا طالبنا بموقف واضح من تلك المشكلة تحديدًا حتى وإن كان موقفًا غير معلن، وقد اتجهت اللجنة إلى ذلك بالفعل مع إعلان نيجيريا أنها إذا ما حافظت على مستوى إنتاجها عند 1.8 مليون برميل يوميًا لمدة 90 يومًا، فإنها ستثبت مستوى الإنتاج، أي أن السوق باتت فعليًا تعرف أن هذه ستكون الحصة الفعلية لها، ومن ثم يصعب المضاربة على استمرار ارتفاع الإنتاج النيجيري بما يدفع نحو انخفاض الأسعار.
شهد الاجتماع التوافق على إمكانية مد العمل باتفاق خفض الإنتاج لما بعد التاريخ المحدد مسبقًا (مارس 2018)، وهو ما يشير إلى صلابة وتفاهم قويَّين بين أطراف الجبهة التي تقف وراء الاتفاق سواء من أعضاء منظمة أوبك أو المنتجين الآخرين غير الأعضاء بها
وينطبق الأمر نفسه وإن بشكل مختلف نسبيًا على ليبيا؛ حيث نجحت مؤخرًا في إنتاج نحو مليون برميل يوميًا وهو أعلى مستوى للإنتاج منذ أن تمت الإطاحة بحكم معمر القذافي، وربما الأهم في هذا الصدد هو إعلان ليبيا سعيها لإنتاج نحو 1.25 مليون برميل يوميًا، إلا أن هناك العديد من الإشارات إلى أنها ربما لا تستطيع المحافظة على استقرار مستوى إنتاجها حتى عند المستويات المتحققة بالفعل، لكن المهم أننا هنا أيضًا بتنا قرب الاعتراف الضمني بحصة لليبيا تبلغ نحو 1.25 مليون برميل يوميًا، ويكون هذا الموقف المعلن إذا تعاملنا بوضوح وشفافية مع ما يشكل أهم الأسباب وراء الانخفاض البالغ في الأسعار، خاصة منذ مايو الماضي حينما تم مد العمل باتفاق خفض الإنتاج حتى شهر مارس المقبل.
الأمر الثاني المهم الذي شهده الاجتماع هو التوافق على إمكانية مد العمل باتفاق خفض الإنتاج لما بعد التاريخ المحدد مسبقًا (أي مارس 2018)، وهو ما يشير إلى صلابة وتفاهم قويَّين بين أطراف الجبهة التي تقف وراء الاتفاق سواء من أعضاء منظمة أوبك أو المنتجين الآخرين غير الأعضاء بها.
التطور الثالث المهم، هو اعتراف المملكة العربية السعودية -أهم مصدر عالمي للنفط الخام- ببعض التدهور في التزام أعضاء أوبك بالحصص الإنتاجية المحددة لهم، وقد رفضت السعودية منذ زمن طويل عودتها للعب دور المنتج الموازن، حيث كانت تترك شركاءها في أوبك يقومون بتجاوز حصصهم الإنتاجية وتقوم هي في النهاية بتحمل العبء الأكبر في خفض الإنتاج بخفض حصتها، وكانت المملكة قد لعبت هذا الدور على مدار فترة طويلة لا سيما خلال النصف الثاني من ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، ومع ذلك أعلنت المملكة في الاجتماع عن إدراكها لأهمية الموقف المعلن من قبلها بشأن الالتزام بحصص الإنتاج؛ إذ صرَّحت المملكة بأنها ستعود لخفض صادراتها إلى ما لا يتجاوز 6.6 مليون برميل يوميًا خلال الشهر القادم، وبانخفاض يبلغ نحو مليون برميل يوميًا عن مستوى صادراتها في هذا الوقت نفسه من العام الماضي، وربما يعني هذا الموقف من الزاوية العملية تحمل بعض أعباء ارتفاع إنتاج وصادرات كل من ليبيا ونيجيريا ولو لفترة من الوقت.
التطور المهم الرابع، هو إشارة أمين عام منظمة أوبك إلى الاعتقاد بأن التوازن في السوق العالمية ربما يكون أسرع خلال النصف الثاني من هذا العام، وهو ما يؤيده نسبيًا الانخفاض السريع في مستوى المخزون العالمي من النفط الخام، وكذلك الإشارة إلى التوقعات بأن الطلب العالمي ربما يرتفع بمقدار 1.6 مليون برميل على الأقل خلال العام القادم، وهو ما يؤيده أيضًا ارتفاع كبير في الطلب الصيني مع تسجيل تعافي كبير في النمو الصناعي، وكذا توقعات أكثر إيجابية بشأن النمو في أوروبا، وبوسع هذا الارتفاع في الطلب العالمي أن يمتص أي زيادة منتظرة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي خلال العام القادم؛ إذ يقدر أن تلك الزيادة لن تتجاوز بأي حال عن 600 ألف برميل يوميًا، كما بوسع هذه الزيادة امتصاص أي زيادة في إنتاج الدول الأخرى خارج أوبك (غير الأعضاء) في اتفاق خفض الإنتاج، وهو ما قد يعمل على ارتفاع ملحوظ في الأسعار.
ولكن يبقى، بالطبع، في نهاية المطاف تحقق أية نتائج إيجابية على جبهة الأسعار، رهنًا بمدى الالتزام الفعلي باتفاق خفض الإنتاج العالمي بين أطراف هذا الاتفاق أنفسهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة