من الواضح أنَّ هناك مراجعات حقيقية تجري داخل الأسرة الحاكمة في قطر ترتبط بالمرحلة الراهنة من إدارة الأزمة مع الدول الأربع المقاطعة، وهو ما سينعكس على شكل وإطار الأزمة في جميع المستويات، وسترتبط بطبيعة الحال بكيفية تفكير قطر في التعامل مع تبعات الأزمة بصرف
من الواضح أنَّ هناك مراجعات حقيقية تجري داخل الأسرة الحاكمة في قطر ترتبط بالمرحلة الراهنة من إدارة الأزمة مع الدول الأربع المقاطعة، وهو ما سينعكس على شكل وإطار الأزمة في جميع المستويات، وسترتبط بطبيعة الحال بكيفية تفكير قطر في التعامل مع تبعات الأزمة بصرف النظر عما تفضي إليه من وقائع حقيقية.
1- ثناء الشيخ تميم المبالغ فيه في خطابه الأخير يوشي بأن تيار الأمير الوالد ما زال في واجهة الأحداث وإن فضّل التواري مؤقتًا وطيلة الـ50 يومًا السابقة منذ بدء الأزمة، وهو ما يمكن تفسيره بأن هناك تصعيدا حذرا من قبل قطر يرتبط بتقديم التنازلات التي ستبدأ من الآن فصاعدًا بصرف النظر عن شكلها، خاصة مع تمسك قطر بالوساطة الكويتية والتي لم تتوقف، وإن ظلت بعيدة عن دوائر الإعلام لحسابات مفهومة، وربما التحقت بها أطراف أخرى دون أن تعلن.
2- إنَّ الدول الأربع المقاطِعة باتت تنقل رسائل استراتيجية بعضها معلن، وبعضها غير معلن سواء من خلال الحضور الخليجي البارز في مصر مؤخرًا أثناء افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، والتنسيق المصري الخليجي في إدارة الأزمة على مستويات عدة، وهو ما يؤكد بالفعل على أنَّ الرسائل الاستراتيجية تستبق الرسائل السياسية للدول العربية المقاطعة، وهو ما قد يؤدي لدور مصري مباشر بالتنسيق مع الأشقاء في الخليج يتجاوز ما يتردد بتشكيل قوة عسكرية مشتركة مقيمة إلى تنسيق أشمل ومتكامل يمكن أن يكون مدخلًا لتعاون كامل في المجال الاستراتيجي، خاصة أنَّ التدريبات والمناورات المصرية الخليجية تمت في الفترة الماضية وبكفاءة كاملة، والمعني أنَّ تحالفًا استراتيجيًّا مصريًّا خليجيًّا يتشكل بصمت، بعيدًا عن الإعلام كرسالة ليس لقطر فقط وإنما إلى إيران وتركيا أيضًا.
نزول قطر من قمة الشجرة التي صعدتها بنفسها سيتطلب خيارات حقيقية ليست مراوغة، خاصةً أنَّها لا تملك أي بديل للتعامل مع الأزمة، وستخسر أكثر في حال الاستمرار في عناد الدول المُقاطِعة التي تملك جميع وسائل الضغط
3- لم يعد أمام قطر رفاهة الاختيار كما يتصور البعض، وهو ما قد يؤدي لجملة من التوقعات؛ منها قيام قطر بالتحرك على مسارات دفع تكلفة التراجع، والنزول من أعلى الشجرة التي صعدت إلى قمتها، ومن ثم فإنَّ العودة للوساطة الكويتية هو المدخل لتفكيك عناصر الأزمة مع البدء في خطوات تتعلق بإدارة المفاوضات الخاصة بالتراجع في ظل الخسائر الشاملة التي لحقت بالإمارة، ولن تستطيع الاستمرار فيها، ومن ثم فإنَّ الرهانات القطرية على تحريك الطرف التركي لممارسة دور للتهدئة سيفشل لعدم وجود محفزات حقيقية لذلك، بما في ذلك الحصول على تعهدات قطرية كاملة في الملفات الأمنية والاستراتيجية مع وضع نظام شامل لمراقبة الأنشطة القطرية كبداية جادة ومنطقية للتقابل على أرضية جديدة، ودون ذلك ستستمر الأزمة في سياقاتها العامة ولن تتراجع الدول الأربع المقاطعة التي بات موقفها راسخًا ومتماسكًا وقويًّا وهو ما برز مؤخرًا بإصدار القائمة الثانية للكيانات والشخصيات الإرهابية، وسواء عاد الجانب الأمريكي لممارسة وساطة جديدة، أو بدأ الرئيس الأمريكي مسارًا منفردًا للتعامل مع الأزمة القطرية وفقًا لرؤية تميل لرفع الدعم المستتر عن الجانب القطري، والذي يتحرك في مسارات جديدة لشراء الموقف الأمريكي بصورة واضحة عبر سلسلة اتفاقات تسليح جديدة حيث بدأ اللوبي القطري في الكونجرس التحرك لإتمام بعض الاتفاقيات الخاصة بالسلاح وإن كان الأمر سيأخذ بعض الوقت في الكونجرس، وهو ما يؤكد على استمرار التحركات القطرية في كل الاتجاهات.
4- سوف يزعج التقارب الاستراتيجي الخليجي المصري ليس قطر بمفردها وإنَّما الأطراف الإقليمية العابثة بأمن المنطقة، وسيرسل برسائل قوية في كل الاتجاهات، خاصة أنَّ الجانب الإيراني يتحسب جيدًا لعودة مصر القوية لأشقائها في الخليج وهو أمر طبيعي، وتعلية الخيار العربي في مواجهة الخيار الإيراني الذي يتحرك ليس في الملف القطري وإنما في سوريا والعراق واليمن، وحضور مصر إلى جوار أشقائها -وهو أمر طبيعي- سيؤكد على أن التنسيق المصري الخليجي هو الحل في مواجهة كل التحديات والمخاطر التي يمكن أن تواجه الجميع في المرحلة المقبلة، خاصة أنَّ إطالة أمد الأزمة ظلَّ هدفًا قطريًّا ولكن في الوقت الراهن تتجه قطر إلى إعادة النظر في المشهد السياسي بأكمله، وهو ما سيتطلب منها إعادة ترتيب حساباتها السياسية والاستراتيجية بعد أن تيقنت من أن موقف الدول الأربع قوي ومتماسك، ولن يتغير مما سيتطلب التعامل مع تطورات الأزمة خاصة مع التخوف من التضرر الكبير من تبعاتها اقتصاديًّا، وهو ما تدركه قطر رغم استعداداتها التي قامت بها مؤخرًا، وإن كانت التداعيات المتوقعة ستقدر ماليًّا واقتصاديًّا بعد أسابيع؛ حيث تدرك قطر خيارات الوقت، ومن ثم فإنَّ قطر ستعمد إلى إعادة تدوير الدور الأمريكي ودفعه لممارسة دور جديد، وإبقاء الدور التركي رهينًا لتطورات قد تحدث في الفترة المقبلة في حال بدايات القبول القطري بتنازلات حقيقية تقبلها الدول الأربع المقاطِعة، ولا تناور فيها قطر كعهدها السابق حيث تدرك أن العودة لتعهدات الأزمة السابقة لن تقبل دون التزامات وتعهدات حقيقية وكاملة ووجود مراقبة دولية لكل الأنشطة، والتحركات القطرية في الإقليم وخارجه، ودون ذلك سيستمر الموقف العربي المقاطع على صموده وثباته، وبصرف النظر عن دخول وسطاء جدد أو عودة بعض الوسطاء السابقين للتعامل مع الأزمة، ومن ثم فإن نزول قطر من قمة الشجرة التي صعدت إليها بنفسها سيتطلب خيارات حقيقية وليست خيارات مراوغة، خاصة أنَّها لا تملك أي بديل إزاء التعامل مع المشهد الراهن، وستخسر أكثر في حال الاستمرار في العناد، خاصة أن الدول الأربع المقاطِعة لديها كل وسائل الضغط التي يمكن أن تتَّبعها ضد قطر بما في ذلك الرسائل الاستراتيجية، والتي كان آخرها الذي خرج من قاعدة محمد نجيب مؤخرًا، ولم يشمل قطر وحدها، إنَّما كل القوى الأخرى التي تستقوي بها قطر إقليميًّا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة