حتى الآن ما زالت الأيدي ممدودة إلى الحوار ، للحفاظ على الشعب القطري من نظام يحاول بناء مشروع وهمي من عناصر القوة والنفوذ والحضور
واهمة قطر اذا كانت تظن أنها قادرة على إدارة الأزمة من منظورها وتحريك كل أو بعض قواعد اللعبة مع الدول الأربع المقاطعة، والتي ثبت بعد لقاء المنامة أنها لا تزال ترفع شعار الحوار، وأنها تمد يدها لإمارة قطر للبدء في التفاوض حول أسس وتعهدات جديدة بدلًا من الاستمرار في لعبة المناكفات السياسية المفتوحة، والتي كان آخرها المطالبة بتدويل الحج وإعطائه بُعدًا سياسيًا مثلما طالبت إيران في مراحل معينة، وبرغم تراجعها رسميًا كعهدها إلا أن الفكرة وصلت لمن يهمه الأمر، وهو ما تكرر في منظمة الطيران الدولية، وسيتكرر في وكالات ومنظمات إقليمية عديدة في الفترة المقبلة، والسؤال كيف نجبر قطر علي تقديم تنازلات حقيقية، وبصورة مباشرة وهل هناك حدود لحركة الدول الأربع المقاطعة، وما استراتيجيتها في التعامل مع الحالة القطرية الراهنة؟
ليس صحيحًا أن الدول الأربع تتحرك في دائرة محدودة للتعامل مع قطر، وأننا سنتعايش مع الأزمة أصلًا، أو الانتظار إلى حين أن تبادر قطر، وتقبل بالشروط العربية لحل الأزمة، والصحيح أن الدول العربية قادرة على تحريك الأزمة القطرية في اتجاهين كاملين؛ الأول خليجيًا، وفي مجلس التعاون الخليجي، وبدون اتباع أنصاف حلول خاصة وأن قطر لن تجرؤ على الأقل في الوقت الراهن على المبادرة بالخروج مثلما لوّحت من قبل، وفي حال الانتظار عن إعلان قطري صريح بإنشاء مجلس التعاون الإقليمي الذي قد تفكر فيه قطر وإيران وتركيا فإننا مطالبون بنقل رسائل لتركيا وإيران بأن الدخول في مواجهات دبلوماسية وإعلامية كاملة شيء وتشكيل مجلس أو محور جديد شيء آخر، وبرغم ذلك فقد يكون هذا واردًا وبقوة في حال الإقدام القطري على هذا التوجه الصفري والأخير في إطار الخيارات الموضوعة التي ما تزال تدرس في الدوحة، ويشارك في وضع معالمها مفاوضون إيرانيون وأمريكيون يعرفون كيف يدورون الطرح القطري، ومن خلفه الجانب الإيراني -وهو الأصل- في ظل رهانات حقيقية على البدائل الأخرى، الثاني؛ التحرك صوب الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديدًا وعبر دبلوماسية مصرية مدروسة، وهو ما يعني أن قطر قد تدخل في دائرة ضيقة دوليًا حيث لن يفيد اللوبي القطري المشكل من عشرات من الشخصيات الدولية الداعمة لقطر من خلال تمويل سخي وكبير تحركه شركات كبري في الاتحاد الأوربي من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر في إدارة الأزمة من منظور قطري.
تستطيع الدول العربية -إن أحسنت تقدير عنصر الوقت- أن تتحرك وبدون أية مراجعات في المواقف أو التوجهات لبدء هذه الخطوة وعدم الانتظار لانفتاح المشهد السياسي إلى ثلاثة أو أربعة أشهر قادمة أو الرهان على تضرر إمارة قطر من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت ولكن بشكل محدد قد يؤتي ثماره بعد حين، ومن ثم فإن الموقف العربي المتماسك سيطرح رؤية مغايرة تمامًا في الاتجاه لسياسة الإجبار والضغط السياسي الفاعل والمباشر على الجانب القطري في الفترة المقبلة، خاصة وأن قطر قد تراهن على أن الدول الأربع المقاطعة لا تريد أن تخسر معركتها السياسية بل على العكس فقد نجحت من لقاء القاهرة إلى جدة وأخيرًا في الدوحة في تطوير وتنمية دورها، والانتقال من إدارة الأزمة والسعي للتوصل لحل بشأنها إلى بدائل قد تكون مطروحة ومؤثرة، وهذا ما تخطط فيه الدول الأربع في حال استمرار هذه المناكفات القطرية صوب كل دولة على حدة مثلما جرى في التعامل مع السعودية ودعوتها لتسييس الحج، وبالتالي فإن المطلوب الدخول قدمًا في وسائل ضاغطة ومباشرة وفعالة ومدروسة لإرغام قطر على تقديم التنازلات تباعًا، ليس عن طريق تصدير الأزمة الموجودة في داخل قطر فحسب بل من خلال خطة محكمة، ومتعددة المسارات ووفق مخطط زمني محدد، وهو ما قد يؤتي ثماره بصورة مباشرة، وهو أيضًا ما يتطلب الانتقال من إدارة الأزمة من سياقها الأمني والاستراتيجي لنمط آخر من المواجهة الفعالة المتدرجة التي يمكن أن تنقل المواجهة إلى داخل قطر من خلال إعلام موثق وحركة إعلامية في الخارج وعبر اللوبي العربي الكبير في الخارج، والدخول في مساحة من الحركة المقابلة للجانب القطري الذي يتوهم أن يكسب المواجهة التدريجية، وأنه سينجح في تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية على حساب المواقف العربية التي تملك من الأدلة والبراهين التي يمكن أن تحصر الخيارات القطرية في دائرة محددة، وتطوق كل الخيارات التي يعمل عليها الجانب القطري ومن ورائه الموقفان التركي والإيراني، وبعض مؤسسات صنع القرار الأمريكي التي تتحرك من منطلق حساباتها ومصالحها التي تتضرر من استمرار المشهد الراهن.
نعم تملك الدول الأربع خيارات متعددة المسارات والاتجاهات، ولكن حتى الآن ما زالت الأيدي ممدودة إلى الحوار والدعوة إليه بصورة مباشرة ودون التفاف أو دوران، ومن منطق الدعوة المباشر لحماية الشعب القطري الذي يئن من وطأة وممارسات النظام القطري الذي يحاول بناء مشروع وهمي من عناصر القوة والنفوذ والحضور وفي ظل الخلل الجسيم في تركيبة النظام الدولي، وانحراف القياسات على النظام الإقليمي الذي ما زال يعاني من حالة السيولة السياسية والتي لم تستقر بعد، مما يؤكد أن قطر التي حاولت لعب دور قيادي في المنطقة لم تستطع أن تقيس مقدراتها وحساباتها في ظل وجود قوة مركزية كبيرة في الخليج، وعلى رأسها السعودية ودولة الإمارات العربية بما يملكانه من تأثير بات واضحًا في إدارة الملفات العربية والإقليمية ليس في منطقة الخليج العربي بل في مناطق أخرى من خلال دور رشيد ومحسوب ومقدر، وهو ما يزعج قطر التي تريد مناكفة الجميع وليس الخليج ودوله، وإنما أي قوة أخرى بما فيها مصر التي تحملت مناكفات قطر لسنوات طويلة.
الرسالة الأخيرة هي أنه على قطر ألَّا تتوهم بأنها ستنجح في الاستمرار في نهجها الراهن، وأنها قادرة على التواصل مع مشروعها الوهمي بكل أبعاده الشيطانية، وأن عليها العودة إلى الخيار العربي، والكفّ عن ممارساتها غير المشروعة حيث لا تزال الدول العربية المقاطعة تمد يدها بالحوار، ولعل قطر تدرك أنها قد تكون الدعوة الأخيرة قبل المؤتمر التنسيقي القادم بين الدول الأربع المقاطعة لاتخاذ قراراتها الأخيرة الحازمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة