فساد نظام قطر عابر للحدود.. وآلام الضحايا تفضح رؤوسه
رغم محاولات النظام القطري إخفاء جرائم الفساد، فإنه لم ينجح في التغطية على شبكة الفساد والإفساد الكبرى المرتبطة مباشرة به.
بالترهيب تارة وبالخداع تارة أخرى حاول النظام القطري التغطية على ملفات فساده، في إطار الخداع، أعلن عن جائزة لمكافحة الفساد، وفي إطار الترهيب قام بالتنكيل بضحايا الفساد.
ضحايا الفساد
وثمة 3 نماذج تكشف مكافحة الفساد علي الطريقة القطرية، رصدتها "العين الإخبارية" تم خلالها البطش بالضحايا والتنكيل بهم وتدمير حياتهم، حتي يكونوا عبرة لكل من يتجرأ علي فتح ملفات الفساد في قطر.النموذج الأول هو عبد الله أحمد المهندي رجل أعمال قطري انتقد الفساد الحكومي، وبالاخص في وزارة الداخلية، وغياب سيادة القانون؛ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتم حبسه لفترة، وتجميد أمواله، ومنعه من السفر منذ ١٣ عاما وحتي اليوم... قصة المهندي بتفاصيلها المؤلمة كشفتها منظمة العفو الدولية في تقري لها أغسطس /آب الماضي، وأعادت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان بتسليط الضوء عليها مجددا قبل أيام، مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل.
النموذج الثاني هو لحدان بن راشد آل ربيعة الكواري مواطن قطري شكا من فساد الأسرة الحاكمة عبر فيديو بثه علي مواقع التواصل واتهم وزير الداخلية الأسبق خالد بن حمد آل ثاني بالاستيلاء على بيوت والده وعمه رغما عنهما لزيادة مساحة مزرعته.. وبدلا من أن يتم التحقيق في شكواه، تم اعتقاله قبل شهر بزعم إثارة النعرات القبلية بين أبناء المجتمع.
النموذج الثالث يعود لـ 4 لاجئين سوريين رفعوا دعوى قضائية في بريطانيا ضد بنك الدوحة، الذي يمتلك فروعا في لندن، يكشفون فساده وتورطه في تمويلات مشبوهة لجماعات إرهابية في سوريا، فقام مسولون قطريون بتهديدهم وتحريض مسلحين وملثمين لترهيبهم... القصة كشفتها صحيفة "الجارديان" البريطانية، الشهر الماضي، وبالفعل فتحت شرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا تحقيقا في التهديدات القطرية للشهود.
شبكة فساد كبرى
ورغم ما تقوم به قطر لترهيب ضحايا الفساد من الشكوى وفضح جرائم النظام، لم تنجح في التغطية على شبكة الفساد والإفساد الكبرى المرتبطة مباشرة بالنظام القطري والمتورط فيها مستثمرون ومسؤلون سابقون و حاليون في هرم السلطة، ومن بينهم مسؤول مكافحة الفساد بقطر.من أبرز الأسماء في تلك الشبكة ناصر الخليفي (مالك قنوات بي إن سبورت القطرية وصديق أمير قطر تميم بن حمد)، وحمد بن جاسم ( رئيس وزراء قطر الأسبق)، وخالد آل ثاني ( رئيس وزراء قطر الحالي)، وعلي بن فطيس المري ( النائب العام القطري)، وأحمد الرميحي (مستثمر قطري).
ناصر الخليفي
دائما ما تلاحقه اتهامات بالفساد، ومؤخرا تم محاكمته بتهم التحريض على ارتكاب أعمال فساد ودفع رشى للفرنسي جيروم فالكه الأمين العام السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لحصول قنواته على حق إذاعة مباريات كأس العالم عامي 2026 و2030.ورغم أن المحكمة الفيدرالية الجنائية السويسرية برأته في ٣٠ اكتوبر الماضي، إلا أنه تلاحقه وقنواته قضايا في دول أخرى.
وبرأته المحكمة السويسرية رغم الحكم على فالكة بالحبس 120 يوما مع إيقاف التنفيذ، وغرامة 1.75 مليون يورو، في براءة بصك الادانة.
وانتقدت صحيفة "تريبيون دي جينيف" السويسرية العريقة الحكم، وقالت في هذا الصدد: "المحاكمة الأولى التي احتضنتها سويسرا بخصوص فساد أكبر هيكل رياضي في العالم انتهت بإدانة بسيطة للغاية".
وتابعت: "حكم المحكمة الجنائية الفيدرالية شكل خيبة أمل كبيرة للنيابة العمومية"، خاصة أن "المحكمة اعترفت بأن خطوة الخليفي بوضع فيلا بيانكا على ذمة جيروم فالكه تعتبر رشوة".
وأضافت: "المحكمة أكدت أن الخليفي أراد التأثير على فالكه من أجل ضمان الفوز بحقوق بث مونديالي 2026 و2030 بالشرق الأوسط، كما أقرت بأن المسؤول الفرنسي أراد استغلال منصبه من أجل الحصول على منافع مادية غير مبررة".
واستطردت: "في نهاية المطاف، فإن المحكمة ذاتها رفضت إدانة ناصر الخليفي، وقامت بتوقيع عقوبة خفيفة على فالكه، بحجة أن هذه التجاوزات لم تؤثر على المصالح المادية للاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي غنم مبالغ مادية قياسية من عملية بيعه حقوق بث مونديالي 2026 و2030 لشبكة "بي إن سبورتس".
ولد ناصر الخليفي في 12 نوفمبر/كانون ثاني عام 1973 في قطر، وبعد مسيرة غير ناجحة استمرت عدة سنوات كلاعب تنس، دخل الخليفي عالم الإعلام كمدير لإدارة حقوق البث في الجزيرة الرياضية منذ انطلاقتها عام 2003، ثم تولى منصب المدير العام للقناة عام 2008.
ومع توجه قطر لتعزيز قوتها الناعمة في مجال الرياضة، للتغطية على سياساتها، تم الدفع بناصر الخليفي كواجهة لاستثمارات قطر الرياضية في أوروبا، بعد حصولها على حق تنظيم مونديال 2022، والتشكيك في طريق الحصول على هذا الحق.
وبعد أن استحوذت شركة قطر للاستثمارات على ملكية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، عام 2011، تسلم حينها الخليفي منصب رئيس النادي، رغم صغر سنه.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2013، قاد الخليفي عملية تحول الجزيرة الرياضية إلى شبكة beIN SPORTS، وأصبح رئيساً لمجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة beIN الإعلامية.
وعقب ذلك، قاد الخليفي بي إن سبورتس إلى احتكار العديد من البطولات الرياضية العالمية عبر أساليب أخرى غير شرعية بدأت بالتكشف شيئاً فشيئاً.
وبدأت تهم الفساد والرشاوى تتهاوى على مجموعة قنوات بي إن سبورتس، ولاحقته عدة قضايا فساد مالي وإداري، في 3 دول هي مصر وفرنسا وسويسرا.
وتتنوع التهم الجنائية التي تلاحق الخليفي من تقديم رشاوي، والتحريض على الفساد، وتزوير الوثائق، والفساد المستتر وسوء الإدارة الجزائية المشددة، إلى جانب مخالفة قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
كما أن قضايا رشاوى الخليفي التي تم كشفها، والتحقيق بها حتى الآن في فرنسا وسويسرا فقط تبلغ 5 قضايا، من بينها رشوة قدرها 2 مليون يورو لوكيل اللاعب الأرجنتيني خافيير باستوري من أجل تسهيل انتقاله إلى باريس سان جيرمان.
فضلا عن إيداع فوري بقيمة 3.5 مليون دولار لشركة بابا ماساتا دياك، وهو ابن رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وشراء حقوق البث مقابل تسهيل فوز قطر بتنظيم البطولة.
بالإضافة إلى الأحكام غير الجنائية الصادرة عن القضاء المصري والتي غرمت مجموعة "بي إن سبورت" القطرية بمبلغ 400 مليون جنيه عام 2018، بسبب مخالفتها المادة الثامنة من قانون حماية المنافسة.
أحمد الرميحي
مستثمر قطري اقترن اسمه بأكثر من قضية فساد تشهدها المحاكم الأمريكية، قبل أن يفر من الولايات المتحدة، ثم تعود صورته لتتصدر المشهد مع فتح ملف قضية جديدة مايو/ أيار الماضي استهدفت تدمير الرياضة الأمريكية.
بنظرة خاطفة على سجل الجرائم والفضائح التي تورط فيها الرميحي، يمكن اكتشاف أنه لم يكن مجرد سمسار لقطر فحسب، أو واجهة لأنشطتها غير المشروعة، بل شبكة فساد وإفساد وتخريب كبرى، استهدفت مجالات عدة في أمريكا بدءا من السياسة، مرورا بالاقتصاد، ولم تكن نهايتها عند بوابة الرياضة.
ظهر اسم الرميحي للمرة الأولى، على خلفية اتهامات برشوة كبار مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب فوزه بالرئاسة نهاية عام 2016 كمحاولة للتأثير على قرارات البيت الأبيض.
وشهد أبريل/ نيسان 2018، رفع دعوى قضائية ضد الرميحي بقيمة 1.2 مليار دولار من قبل اتحاد كرة السلة الأمريكي (Big 3)، الذي أسسه الممثل والفنان آيس كيوب وشريكه جيف كواتينيتز يتهمه فيها بالتخلي عن التزاماته وعدم دفع أموال تعهد بها بموجب عقد شراكة، ضمن مؤامرة قطرية للسيطرة على الاتحاد.
وفي العام نفسه، اتهمه رجل الأعمال الأمريكي، إليوت برويدي، أحد أبرز المسؤولين عن جمع التبرعات في حملة ترامب الانتخابية، بالمشاركة في قرصنة بريده الإلكتروني وتسريب رسائل منه وتزييفها وإخراجها من سياقها.
وعلى خلفية تلك الدعاوى القضائية، فر المستثمر القطري من أمريكا في مايو/أيار 2018، قبل أن تمنحه الدوحة حصانة دبلوماسية نهاية العام نفسه، لحمايته من المثول أمام المحاكم الأمريكية.
ومع تكشف معطيات جديدة في قضايا الرميحي القديمة، رفع اتحاد كرة السلة الأمريكي، مايو/ أيار الماضي، دعوى قضائية ضد مكتب محاماة أمريكي يعمل وكيلا للأسرة الحاكمة في قطر، بعد أن تبين له أنه كان شريكا في المؤامرة التي كانت تحاك ضده عام 2017.
خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني
رئيس وزراء قطر الحالي، متورط مع الخليفي في قضية رشوة.. تفاصيل تلك الفضيحة سبق أن كشفها موقع "ميديا بارت" الفرنسي وصحيفة "الجارديان" الإنجليزية.
وأكدا على أن خالد بن خليفة حينما كان رئيس ديوان تميم بن حمد، أمير قطر، تورط في قضايا فساد رياضية، منها شراء حقوق بثّ بطولات ألعاب العالم للقوى، مقابل منح الدوحة تنظيم نسخة العام الماضي.
وتم اتهام ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان، بتحويل مبالغ مالية إلى شركة بابا ماساتا دياك نجل لامين دياك، رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، لشراء حقوق بث المسابقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مقابل حصول قطر على التنظيم.
وأظهرت رسائل بين بابا ماساتا وخالد آل ثاني، حينما كان رئيس الديوان الأميري، بشأن تحويل مبلغ يقارب 5 ملايين دولار، يحصل منها بابا ماساتا على 440 ألف دولار أمريكي نقداً.
وحولت شركة Oryx QSI المملوكة لناصر الخليفي وأخيه 3.5 مليون دولار إلى حساب شركة في السنغال تعود ملكيتها إلى بابا ماساتا دياك.
حمد بن جاسم
رئيس وزراء قطر الأسبق، دبلوماسي ورئيس وزراء بدرجة سمسار في صفقات الفساد، استغل مناصبه ونفوذه وثروات القطريين في الحصول على عمولات من صفقات السلاح والصفقات التجارية، وكان من آخر عمولاته وهو في السلطة 400 مليون دولار في صفقة شراء متاجر هارودز في لندن، و200 مليون دولار عن مشروع جسر لم يرَ النور بين قطر والبحرين. إضافة إلى ظهور اسمه في فضيحة عمولات بنك باركليز البريطاني.
فساد بن جاسم وشرهه للمال بأي وسيلة، جعله هدفا لملاحقات قضائية عدة، كان أبرزها الدعوى القضائية التي رفعها ضده الناطق الأسبق باسم وزارة الخارجية القطرية، فواز العطية، يتهمه فيها بتعذيبه والاستيلاء على أرضه..
وبحسب فواز العطية فإن: "2 تريليون دولار ذهبت أدراج الرياح خلال قيادة حمد بن جاسم لدولة قطر"، مضيفا أن بلاده خسرت "2 تريليون دولار بسبب فساد ومغامرات وتبذير وفشل حمد بن جاسم الاستثماري".
كون بن جاسم ثروات هائلة من أموال وجيوب القطريين، قدرت بنحو 12 مليار دولار أمريكي عندما استقال من منصبه كرئيس لوزراء قطر ووزير خارجيتها في يونيو/حزيران عام 2013.
علي بن فطيس المري
كشف تحقيق استقصائي نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية عام 2018 عن الثروة الهائلة التي يمتلكها النائب العام القطري ورئيس جهاز مكافحة الفساد علي بن فطيس المري، مؤكدة أن لديه ثروة هائلة مترامية الأطراف.وتساءلت المجلة، في تقريرها، "هل المدعي العام القطري علي بن فطيس المري فوق مستوى الشبهات؟".
وأشارت المجلة إلى أن المري يدير منظمة تدعى مكافحة الفساد بكل أشكاله إلا أنه يعتبر "كبير الفاسدين".
وتساءلت المجلة الفرنسية عن القدرة المالية لرئيس جهاز مكافحة الفساد بقطر حتى يتسنى له شراء عقارات بملايين الدولارات منها جزء من فندق مكون من 3 طوابق في 86 شارع "إينا" الرئيسي بباريس ويقع على بعد خطوات من "قوس النصر" وذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2013، بمبلغ 9.6 مليون يورو.
وبحسب ما ذكر الكاتب الفرنسي، إيمانويل رزافي، في كتابه "قطر الحقائق المحظورة"، تساءلت المجلة من أين تلك الثروة الهائلة لذلك الموظف القطري؟.
وكانت "لوبوان" طرحت هذا التساؤل على المري خلال رسالة بريدية، إلا أنه رفض الإجابة عن هذا السؤال.