محاولة الانتحار التي أقدم عليها النظام القطري لم تؤدِ إلى وفاته، بل تسببت له بإصابات خطيره وعاهات مستديمة في جسده
للبيوت حرمتها وللأعراض شرفها، لكن النظام القطري تجاوز تلك الأعراف وتخطى الحدود، باقترافه الجرم المشهود والذي تمثل في الاقتحام المسلح لقصر الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني، ومصادرة المقتنيات والأرشيف التاريخي للشيخ سحيم بن حمد آل ثاني وزير الخارجية الأسبق، والذي يشكِّل ثروة سياسية لا يمكن التفريط بها.
كما تطاولت قوات الأمن القطرية على خصوصيات الشيخة منى الدوسري، أرملة الشيخ سحيم ووالدة الشيخ سلطان آل ثاني، وهو ما يعد سابقة في تاريخ المنطقة، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم التعدي على خصوصيات النساء، ومصادرة صورهن وممتلكاتهن دون حق أو أمر قضائي أو سند قانوني.
وقد سبق هذا الاقتحام المسلح تجميد الأموال الخاصة كذلك بالشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، والشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني، دون سبب إلا لأنهما أعلنا عن عدم رضاهما عن المواقف التي اتخذها "تنظيم الحمدين" بمعاداة الأشقاء واستجلاب القوات الأجنبية والمرتزقة، الذين أطلق عليهم الشيخ سلطان بن سحيم لقب "المستعمرين"،
ونحن نتحدى أن يظهر لنا الإعلام القطري وأبواقه التي تسبّح بحمده ليل نهار، وأن تأتينا بقرار قضائي سمح للنظام القطري باقتحام قصر الشيخ سلطان أو بتجميد أمواله أو أموال الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني.
اختار النظام القطري الانتحار والتضحية بسمعة قطر والقطريين، وارتمى في الأحضان التركية والإيرانية، وسلّم مصير الوطن إلى القوى الخارجية المتمثلة في جماعات الإسلام السياسي، وأولئك المرتزقة الذين طمعوا في استنزاف خيرات هذا البلد ومقدرات الأجيال القادمة من شعبه
لقد تمادى النظام القطري في تجاوزاته ضد شيوخ قطر ووجهائها ورموز القبائل فيها، وشرّد الأسر وأسقط عنها حق المواطنة دون أي اعتبار لحالات إنسانية، أو أعراف اجتماعية أو قيم عربية أصيلة توقّر الكبير وتحنو على الصغير وتحفظ للإنسان كرامته، فأسقط الجنسية عن أهل قطر من القبائل العربية الأصيلة التي ضربت جذورها في أعماق الأرض القطرية، وسطرت بتضحياتها وبطولاتها تاريخ الشهامة والإباء ومقاومة المحتل ودحره من قطر، ولم يسلم من بطش النظام القطري شعوب ليبيا ومصر واليمن وسوريا والعراق، فطال بطشه أقرب الأقرباء من الأسرة الحاكمة ورجال القبائل والحجاج القطريين.
لقد أثبتت لنا مسارات الأزمة القطرية أن "نظام الحمدين" قد سلّم نفسه للجماعة، وأخد بفتوى القرضاوي التي قال فيها إن "الجماعة هي التي ترى أنها في حاجة إلى أن يفجّر الشخص نفسه في الآخرين، وأن الجماعة تدبّر له ذلك بأقل الخسائر الممكنة، ولا يترك ذلك للأفراد وحدهم، لا بد أن تسلم نفسك للجماعة لتصرّف الأفراد حسب حاجاتها وحسب المطالب"، فآمن النظام القطري بهذه الفتوى وارتدى حزام الخيانة الناسف أملاً في أن يفجّر نفسه في جيرانه وأشقائه، بعد أن ارتأت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية أن هذا الفعل متوافق مع حاجاتها وتطلعاتها في زرع الفتنة بين الأشقاء، أملاً في استعادة ما فقدته من مصداقية ونفوذ بعد افتضاح أمرها وفشل مخططها فيما سمّي بـ"الربيع العربي".
لكن محاولة الانتحار التي أقدم عليها النظام القطري لم تؤدِ إلى وفاته، بل تسببت له بإصابات خطيره وعاهات مستديمة في جسده المثقل أصلاً بالأمراض والأوبئة التي انتشرت بسبب تلك الطفيليات التي تغذت على ذلك الجسد، الذي يعاني أصلاً من السمنة المفرطة التي جعلته غير مبال بما تتغذى عليه الطفيليات من دهون وشحوم زادت عن حاجة هذا الجسد.
إلا أن الأشقاء تمسّكوا في الأمل بشفاء جسد شقيقهم المعتل، وإدخاله العناية المركزة في محاولة لإنعاش ذلك القلب المتوقف واستعادة الإحساس المفقود، وتحريك دم الحمية والغيرة في جسد شقيقهم، إلّا أن الجسد العليل أبى أن يستجيب لكل محاولات الأشقاء بسبب مقاومة تلك الطفيليات التي تمكنت من شقيقهم، وبالتالي باتت مُسيطرة على عقله وقلبه وأحاسيسه، وقاومت كل المضادات والأدوية والتدخلات الجراحية، التي كانت تهدف إلى علاج تلك الأضرار التي طالت جسد الشقيق.
لقد أيقن الشعب القطري والشعوب الخليجية الأخرى حجم الإفلاس الأخلاقي والسقوط السياسي لـ"تنظيم الحمدين"، وهو يرى ذلك التناقض الذي ظهر به الإعلام الرسمي القطري الذي تغنّى قبل عامين بمشاركة قطر في التحالف العربي، واليوم يتمنى الهزيمة لدول التحالف في اليمن.
وقد تناسى هذا الإعلام المأجور أن دول التحالف العربي في اليمن ليست فقط السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فهناك الكويت والسودان والأردن والمغرب وغيرهم، كيف لا يصدم الشعب القطري وهو يري بأم عينيه أن نظامه الذي كان يتغنى بنصرة الشعب السوري، وينشر التقارير والتحقيقات الإعلامية عن جرائم إيران مدعيا محاربتها، هو ذات النظام الذي يقسم اليوم بأغلظ الأيمان أن إيران "دولة شريفة"؟، كيف لا يصدم الشعب القطري وهو يرى كيف أن هذا النظام قد ضحّى بعلاقته بأشقائه من دول الجوار، مفضلاً عليهم حفنة من المرتزقة والإرهابيين؟.
هذا بالفعل ما حصل في الأزمة القطرية، فقد اختار النظام القطري الانتحار والتضحية بسمعة قطر والقطريين، وارتمى في الأحضان التركية والإيرانية، وسلّم مصير الوطن إلى القوى الخارجية المتمثلة في جماعات الإسلام السياسي، وأولئك المرتزقة الذين طمعوا في استنزاف خيرات هذا البلد ومقدرات الأجيال القادمة من شعبه.
فها هو الصندوق السيادي القطري الذي يحتل المركز التاسع عالميا تُستنزف منه نحو ٤٠ مليار دولار خلال 120 يوماً منذ بداية الأزمة، وها هي قضايا الفساد تلاحق كل قطري في أي محفل دولي ثقافياً كان أو رياضياً أو اقتصادياً أو حتى اجتماعياً، فلم يبقَ هناك مجال لذرة ثقة بأي شيء له علاقة بقطر، فالتحقيقات استدعت الملفات والوثائق من على الأرفف لنبش كل ما له علاقة بقطر، من فعاليات ومؤتمرات ووساطات سياسية، وتحرير رهائن وبطولات رياضية وغيرها الكثير.
وها هي القيادات القطرية والشخصيات الرسمية تتبرأ من كل المواقف التي قد اتخذتها في إطار القرار الواحد والمصير المشترك مع أشقائها في دول المجلس، وتناست تعهداتها في مواثيق مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجامعة العربية.
وها هو وزير دفاع النظام القطري يدعي بكل وقاحة أن مشاركتهم في التحالف العربي كانت "غصباً عن خشومهم"، معترفاً بأن الشهيد القطري الذي سقط في عملية "إعادة الأمل"، قد تمت التضحية به بسبب قرار أُجبِر النظام على اتخاذه، مؤكداً بوعي منه أو دون وعي أن قادته لا يملكون قرارهم ولا حق تقرير مصير بلدهم، إلى درجة أنهم فتحوا أبواب وخزائن النائب العام القطري للمخابرات الأجنبية، وهو ذات النائب الذي توعّد بالقصاص من "القراصنة" الذين اخترقوا وكالة الأنباء القطرية، وما زال القطريون قبل غيرهم بانتظار كشف ملابسات تلك المسرحية الهزلية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة