عجلة التغيير في قطر دارت ولن تتوقف، وقد يكون التغيير القادم من داخل الأسرة الحاكمة
لا يمكن إنكار أن تصاعد مد المعارضة القطرية قد بدأ، بصرف النظر عن تقييم خطوات تأثيرها في هذا التوقيت، وهل يمكن بالفعل أن تؤثر في المدى المنظور؟ خاصة أن الشخصيات التي أعلنت تحفظاتها كبيرة ومهمة، وتمثل مراكز ثقل حقيقي داخل وخارج الأسرة الحاكمة، ومن ثم فإن أحد أهم الرهانات التي يمكن التأكيد عليها تتم من منطلقات عدة.
الأول: أن الأسماء القطرية التي أعلنت رفضها لنهج الأسرة الحاكمة وطريقة ونمط الشيخ تميم في الحكم كبيرة وبارزة، وليست مجرد أسماء عادية، ومن ثم فإن الرهان على التغيير وارد من داخل الأسرة في حالة تصاعد مد المعارضة، وامتداد ذلك لأسماء أخرى قد تنضم في المدى المنظور، والرسالة أن المعارضة في تصاعد، وسوف تتسع رقعة الرفض لما هو قائم بصرف النظر عن تمكن الشيخ تميم من الحكم في إمارة تواجه أزمات متنامية وستتصاعد في الأفق.
ومن ثم فإن الاستقرار السياسي الذي ينشده البعض من داخل الأسرة سيكون غائبا، ولن يستمر برغم كل الإجراءات التي اتبعتها الإمارة سياسيا وأمنيا دون أن يتم الكشف عن تفاصيلها، ونذكر بأن قطر قد شهدت في عهد الشيخ حمد 3 محاولات انقلابية فاشلة، منها واحدة عام 1996، والتي استهدفت إعادة الشيخ خليفة إلى الحكم واتهم فيها نحو 110 أشخاص، كما اتهم فيها نجله من زوجته الأولى الشيخ فهد، الذي انحاز إلى جده.
"انعقاد مؤتمر لندن للمعارضة القطرية مؤخرا، وبصرف النظر عن قراراته، فإنه مؤشر حقيقي على ما سوف يواجه نظام الحكم في قطر من الآن فصاعدا، خاصة أن عجلة التغيير دارت لصالح الشعب القطري الذي ما زال يتابع ما يجري وغير معلوم ما هي مؤشرات الرفض والقبول لما يجري"
الثاني: أن انعقاد مؤتمر لندن للمعارضة القطرية مؤخرا، وبصرف النظر عن قراراته، فإنه مؤشر حقيقي على ما سوف يواجه نظام الحكم في قطر من الآن فصاعدا، خاصة أن عجلة التغيير دارت لصالح الشعب القطري الذي ما زال يتابع ما يجري، وغير معلوم ما هي مؤشرات الرفض والقبول لما يجري، وإن كان من المؤكد أن الستار الحديدي المفروض على الداخل هو الذي يمنع تناول أية معطيات جديدة على الأرض تخص أي تغيير للواقع القطري الراهن، خاصة أن تعدد مراكز المعارضة من الخارج وفي عواصم أخرى غير لندن وارد ومحتمل، ولن تستطيع قطر تطويق حركة المعارضة بل ستفشل في مواجهة إعصار الرفض للسياسات القطرية الحالية.
الثالث: مازالت دول المقاطعة تفتح أبواب الحوار الجاد أمام قطر للبدء في مرحلة جديدة بدلا من الثرثرة التي يقوم بها الشيخ تميم ووزير خارجيته في إدارة الأزمة من منطق عبثي، مركزا على إطلاق التصريحات السياسية العامة والمطلقة من القبول بالحوار والجلوس على مائدة التفاوض دون تحفظات أو إملاءات، مما يعود بالأزمة إلى مراحلها الأولى، ويشي بأنه لا توجد فرصة للحل من داخل الأسرة أو من خلال بعض المؤثرين في مراكز صنع القرار، خاصة مع حرص الشيخ تميم ووالده على الإمساك بكل تفاصيل الأزمة، وفي دائرة محددة ومن خلال شخصيات معينة، مع تداول التصريحات بصورة حرفية على لسان المسؤولين القطريين في الوكالات والمكاتب الدبلوماسية، وفي الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، في إشارة لا تغيب عن الذهن من أن هناك من يحدد ويرسم ويخطط، ويضع الإطار العام للسياسات، ويطلقها كل مسؤول في موقعه بنفس الألفاظ تقريبا.
الرابع: ليس من المستبعد أن تتعدد مراكز المعارضة القطرية خاصة مع وجود حالات سابقة للإقدام على التغيير من الداخل، ولعلنا نشير إلى ما جري في فبراير 2011، عندما قام نحو 30 ضابطا من الجيش بمحاولة انقلابية فاشلة، وجرى اعتقال 5 من الحرس الأميري، ووضع 16 شخصية من شيوخ عائلة آل ثاني يشغلون مناصب رفيعة في الجيش تحت الإقامة الجبرية، كما ترددت في نوفمبر 2014 معلومات عن اعتقال جهاز الحراسات الخاص بالأمير تميم لنحو 17 شخصا من أبناء عائلة آل ثاني بتهمة الإعداد لتنفيذ انقلاب والإطاحة به، وأن الأمير استعان بأبناء عشيرة المسند للتصدي لمحاولة الانقلاب التي حاكها أقرباؤه من طرف والده غير المرتاحين لتوليه الحكم.
الخامس: سيظل تيار الإخوان هو الأقوى داخل الأسرة الحاكمة، مع استمرار تبني هذا التيار لدعم الأنشطة الجهادية والإرهابية لعدد من التنظيمات في المنطقة العربية وخارجها، وهناك مشايخ من الأسرة ذوو توجه جهادي، بالإضافة لوجود تيار محافظ قوي داخل الأسرة الحاكمة، كما لا تشكل التوجهات الليبرالية في قطر توجها قويا قادرا على مواجهة التوجه الإسلاموي، وإزاء أن الأمير تميم لم يعين بعد وليا لعهده، لكنه عين أخاه غير الشقيق من زوجة والده الأميرة نورة، الشيخ عبدالله بن حمد آل ثاني -29 عاما) نائبا له في 2013، وذلك اتساقا مع بنود الدستور الذي أقر في 2003، وبالنظر إلى أنه ليس لتميم سوى ابنين أكبرهما الشيخ حمد الذي ما زال في سن السابعة، فإن تعيينه لشقيقه هو مجرد حفظ للمنصب لا أكثر، وهو ما سيتغير في المرحلة المقبلة.
السادس: سيكون الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني هو صاحب المبادرة في تصحيح المسار، وللشيخ عبد الله بن علي آل ثاني شعبية كبيرة منذ الثمانينيات، وكان الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني قد أصدر بيانا دعا فيه إلى اجتماع عائلي ووطني لبحث أزمة قطر وإعادة الأمور إلى نصابها، إضافة إلى عدد من الشخصيات القطرية الأخرى والتي تتسم بالرمزية، ومن ثم فإن الرهانات المستقبلية ستتم في دوائر محددة يدركها البعض بصرف النظر عن طبيعة التغيير المحتمل، والذي سيقترب بالتأكيد من شراكة حكم بين جناح حمد بن خليفة وعشيرة المسند، وهي شراكة مصاهرة وسياسة، ومن ثم يضمن تميم دعم عشيرة آل المسند لحكمه، في ظل أية مواجهات أو صراعات أجنحة داخل الأسرة، ويشار في هذا إلى البيان الذي صدر عام 2013 ووقعت عليه 65 شخصية من أسرة آل ثاني وكبار الأسر القطرية، والذين بايعوا فيه الأمير عبد العزيز بن خليفة آل ثاني (عم تميم) أميرا على قطر، وتتمثل أبرز المآخذ التي أوردها البيان وقتها على نظام الحكم، في حالة اللامبالاة في مصادرة الهوية والوطن، والفساد ونهب المال العام، وملفات الحقوق والحريات وهو ما يتكرر الآن وبصورة كبيرة.
إن عجلة التغيير في قطر دارت ولن تتوقف، وقد يكون التغيير القادم من داخل الأسرة الحاكمة؛ كأحد السيناريوهات المطروحة لمواجهة ما يجري ويمس حياة الشعب القطري الشقيق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة