التعنت القطري الذي يشبه تعنت الطفل المريض من تناول الدواء المُر الذي فيه شفاؤه، عبر رفض قبول مطالب الدول المقاطعة
التعنت القطري الذي يشبه تعنت الطفل المريض من تناول الدواء المُر الذي فيه شفاؤه، عبر رفض قبول مطالب الدول المقاطعة المتمثلة في الحلف الرباعي (السعودية، مصر، البحرين، والامارات) للدول الداعية لمكافحة الارهاب أو حتى في الدخول في حوار جاد وصادق مع دول المقاطعة، يوحي بأن قطر تتجه نحو تصعيد الأزمة وتمديد أجلها، وهو ما كان جلياً منذ اليوم الثاني للأزمة قبل شهرين عندما بادرت قطر سريعاً لتفعيل اتفاقية التعاون العسكري مع تركيا، والتي على إثرها تم الشروع في بناء قاعدة عسكرية تركية في قطر يتوقع عند انتهائها في العام 2018 من أن تكون بحجم "لواء عسكري" كامل قوامها 3000 جندي تركي وملحق بها مطار وميناء عسكريين. هذه الخطوة القطرية السريعة مع تركيا التي تمثلت في الاتفاق على توافد دفعات الجنود الأتراك لقطر وبناء قاعدة عسكرية تركية فيها، تُفهم حينها بأنها خطوة مرتبكة يائسة جاءت كردة فعل على إثر تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن أمريكا قد تنقل قاعدتها العسكرية "العديد" من قطر إلى مكان آخر. وفي المقابل كانت فرصة تركية سانحة للولوج بأطماعها من "باب قطر" إلى داخل منطقة الخليج العربي.
أعقب ذلك خطوات قطرية مستمرة نحو "عسكرة" الأزمة عبر محاولة فرض أولاً، مصطلحات مغلوطة كمثل "حصار قطر"، بينما في واقع العلاقات الدولية والاستراتيجية مارست دول المقاطعة من جهة أسلوب "القوة الذكية – Smart power"، عبر التدرج باستخدام الجانب الودي المتمثل في توقيع قطر على تعهد ملزم أمام قادة دول مجلس التعاون الخليجي عبر اتفاقي عامي 2013 و 2014، بكف تدخلاتها في شؤون الدول الشقيقة ودعمها للإرهاب وكياناته، وهو التعهد الذي نكثت به قطر، فاستدعى على إثره استخدام الجانب الخشن في مفهوم القوة الذكية، ألا وهو سحب السفراء ومن ثم المقاطعة الكلية اليوم. في جهة أخرى، تتذرع قطر اليوم بأن بنود مطالب الدول المقاطعة تتضمن "انتهاكاً" لسيادتها وطلب تعويضات مادية مجحفة، متغافلة بذلك توقيعها على تعهدات ملزمة قبلاً تدخل ضمن مواثيق منظمة "فوق قومية – Supranational"، تتعدى الحدود الوطنية كمثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي قطر عضو فيه، وأقرب مثال للتدليل هنا – مع فارق المقاربة – إلزام المملكة المتحدة من قبل الاتحاد الأوروبي بدفع مليارات اليورو كتعويضات بموجب مواثيق الاتحاد على إثر خروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد أو ما يعرف بـ"بريكست – Brexit". المفارقة هنا بأننا لم نجد بعدها تصريحاً رسمياً عن المملكة المتحدة يعتبر فيه إجراء الاتحاد الأوروبي انتهاكاً للسيادة أو طلب الاتحاد لتعويضات مجحفة!
ثانياً، تسعى قطر إلى "عسكرة" الأزمة وتصعيدها عبر ما شهدناه: أولاً: من مناورات بحرية عسكرية في الفترة الأخيرة مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا. وثانياً: عقدت قطر خلال الأزمة الخليجية صفقات شراء أسلحة مع أمريكا بقيمة 12 مليار دولار أمريكي، وأخرى بالأمس القريب مع إيطاليا بقيمة 6 مليار دولار أمريكي. ومثل هذه المناورات أو الصفقات العسكرية لا تعكس "قوة" موقف قطر الدولي في الأزمة الخليجية، بل على النقيض من ذلك فإنها تعكس ضعفاً ويأساً قطرياً بمقابل ما يشبه "الابتزاز" الغربي، فمن المعلوم عسكرياً واستراتيجياً بأن مثل هذه الصفقات العسكرية تفوق الحاجة الاستيعابية للجيش القطري، بل وتفوق أيضاً قدرات أفراده على أقل تقدير في المدى القريب والمتوسط. نستطيع أن نجزم بأن قيمة الصفقتين العسكريتين الأمريكية والإيطالية بقيمة إجمالية بلغت 18 مليار دولار، كان القصد القطري من ورائهما هو الحصول على تصريحين صحافيين عابرين من وزيري خارجية أمريكا وإيطاليا فيهما نوعاً من الدعم المعنوي لقطر اليائسة بمقابل 18 مليار دولار أمريكي! كما تكمن المفارقة هنا، بأنه وبعد جلب قطر لقوات عسكرية من شرق الأرض وغربها لتسرح وتمرح في الدوحة، فإنها وبكل صفاقة لم تزل تصف "المقاطعة" بـ"الحصار"، وتزعم بأن عدم قبول مطالب دول المقاطعة يأتي بسبب "انتهاكها" للسيادة القطرية!
تعاني قطر اليوم من غرورها وتعنتها في قبول مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، لما يشبه الهروب إلى الأمام ومحاولة تمديد أجل الأزمة كون قطر ترى في القبول في مطالب دول المقاطعة اعترافاً رسمياً منها بواقع دعمها للإرهاب وكياناته (كمثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة)، وتدخلاتها في شؤون الدول الشقيقة وخاصة في فترة ما يسمى بـ"الربيع العربي". يقابل ذلك حملات تقارب إقليمي ودولي مع قطر هي أقرب إلى "الابتزاز"، وتجعلنا ختاماً نطرح ثلاثة أسئلة:
- هل ستتنازل دول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا عن الجدية في محاربة الإرهاب كمثل جدية التحالف الرباعي للدول الداعية لمكافحة الارهاب، في سبيل مصالح هذه الدول الاقتصادية مع قطر؟
- هل اتجاه قطر نحو "عسكرة" الأزمة وتصعيدها جاء بإملاء إيراني، بحيث إن إيران تريد أن تبتز قطر وتجعلها أداة عبث بالوكالة عنها في منطقة الخليج العربي، بمعنى أن تصبح قطر دولة في شكل "حزب الله" آخر؟
- هل اتجاه قطر نحو "عسكرة" الأزمة وتصعيدها جاء بإملاء تركي، وتركيا معروفة بأطماعها منذ القدم في منطقة الخليج العربي؟
الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في ثبات موقف الحلف الرباعي للدول الداعية لمكافحة الإرهاب إزاء قطر، فقطر تدرك جيداً بأن مثل المملكة العربية السعودية وحلفائها لن يخضعوا لأي نوع من "الابتزازات" أو الاستفزازات الإقليمية أو الدولية، والشاهد القريب هنا هو عندما رفضت المملكة العربية السعودية – متمثلة بشخص الملك الراحل/ عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله - بصرامة دعم الرئيس الأمريكي حينها "باراك أوباما" على إبقاء "تنظيم الإخوان" – المدعوم حتى اليوم قطرياً – في سدة الحكم في مصر، مما استدعى أمريكا ورئيسها للخضوع للرفض السعودي. ونشهد اليوم ثباتاً أقوى من السعودية وباقي حلفائها عبر الموقف الموحد الذي فيه رسالة للحليف الأمريكي وباقي الحلفاء الغربيين بأنه لا تنازل تحت أي ظرف، وأن على قطر أن تخضع لمطالب دول المقاطعة، وأنه يتوجب على الغرب فيما إذا كان صادقاً في محاربته للإرهاب أن يقف بقوة وحزم ضد قطر الداعمة للإرهاب وكياناته حول العالم، لا أن يقوم بتسليحها أو إجراء المناورات العسكرية معها.
رسالة أخيرة بمنطق تاريخي إلى "تميم قطر".. لن تكون "إياس بن قبيصة" آخر، فلا "كسرى بعد كسرى".. ولكن قطعاً هناك تحالفا عربيا "ذي قاري" اليوم أنت ودولتك خارجه!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة