افتتاح الشيخ محمد بن راشد لمكتبته يُعدُّ إنجازًا حضاريًّا وفكريًّا ورقمًا عالميًّا لدبي وللإمارات
يُقدِّر البعض قيمة الأمم بما تملكه من أسلحة وقوى نووية لتحظى بتدمير العالم بها، والبعض يرى أنها ترقى بالمالِ وأن المالَ هو القوة الفعلية لها، رُبَّما هذه قناعة لدى القيادات التي تغلب عليها روح الشر والعنف وحب السيطرة لإشباع رغباتها المُدمرة للإنسانية والخير، وهو ما يُعدُّ إساءةً للحضارة.
في حين قلة هم القادة الذين يرتقون بتفكيرهم لتعزيز وتشجيع الإبداع وتشغيل العقول وتطوير الأفكار من أجل دعم استراتيجيات القيادة الناجحة، حيث إنَّ الممارسات السليمة للدول الناجحة في بناء الأوطان تبدأ من بناء الإنسان وتطوير عقله وخلق نواة الابتكار والمعرفة، وهذا ما يدعو إليه قادتنا حفظهم الله، وإنَّ الخطوة التي خطاها نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تعتبر من الخطوات الناجحة التي تُضاف إلى سابقاتها اللواتي ساهمن في نهضة الوطن، وافتتاح سُموه لمكتبة محمد بن راشد يُعدُّ إنجازًا حضاريًّا وفكريًّا ورقمًا عالميًّا لدبي وللإمارات، فهذه المكتبة بمثابة الصَّرح العلمي والفكري لبناء الإنسان ونمو عقله، مُحطّمًا بذلك الرقم القياسي للاستثمار الثقافي والعلمي للبلاد.
إنَّ اختيار سُموّه بناء المكتبة في أجمل مكان في المدينة وهو خور دبي وإطلالتها الرائعة على صروح حضارتها من أبراج وصلت العالميَّة، يعتبر دليلًا على البُعد الثقافي والحضاري لسُموِّه، وهذا الاختيار هو نموذج للنظرة الاستراتيجية لبناء جيل واعٍ يتحدّى كل صعوبات العصر الحديث، حيث ستُساهم المكتبة في تفعيل أدوار الشباب وتحسين جودة المنافسة العالميَّة لتذليل الصعوبات في مواجهة التحدِّيات القائمة على البُعد الثقافي للشعوب المختلفة، وتعتبر هذه المكتبة بمثابة المنارة التي يرتقي منها الإنسان ويُتقن أساليب العلم والمعرفة فيها بما يتناسب مع التطور العلمي، كما أنَّ المكتبةَ تهدف إلى غرس حب الاطِّلاع وكسب العلوم بصورة حضارية راقية، لا سيَّما أنَّ دولة الإمارات سبق وأن خصصّت عامًا للقراءة كنموذج عالمي يهدف لتوفير ملتقىً للثقافات وحُبًّا للغة العربية، والحفاظ عليها باعتبارها لغة القرآن الكريم، وتعتبر هذه المكتبة من أكبر المكتبات في الوطن العربي بل في الشرق الأوسط، وهي تجربة رائدة عالميًّا تهدف لاحتضان جميع الفعاليات التي ستُقام في المناسبات الثقافية والفكرية والعلمية، بسبب توفيرها للمحتوى الإلكتروني، وذلك للوصول إلى أكبر شريحة من مُحبّي القراءة والعلم حول العالم، بمختلف اللغات والثقافات، وهذا ما تسعى إليه استراتيجية الدولة، مُعتبرةً هذه المكتبة ملتقى أدبيا وثقافيا ومنارة حُرّة لتوفير بيئة شاملة لجميع أنواع العلم مثل أبرز الترجمات والبحوث لطلاب العلم والأدباء والمترجمين، ويعتبر هذا الإنجاز ثمرة من الثمار التي يقطفها الوطن في ظل وجود قيادة تتوافر فيها كل مقومات الاستراتيجية الناضجة والخطوات المدروسة، والتي تتناول كل جوانب الحياة، حيث إنَّ الشعوب التي تطمح إلى العلم والإبداع وطرق كسب المعرفة هي شعوب ناجحة فكريًّا وأخلاقيًّا وعلى هذا النهج تسير دولة الإمارات بُخطى ثابتة بفضل القيادة الحكيمة.
ولقد ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن عقل الإنسان هو محور التنمية وأن الكتاب هو أداة تجديدٍ لهذا العقل، إذ إنَّه لا يمكن لأي أمَّةٍ أن تنمو بدون عقل مُجدَّد الفكر والمعرفة، فلا بُدَّ من خلق روح التجديد الدائم له ليكون على قيد الحياة ويستمر في الإبداع والابتكار، فمثل هذا التفكير الذي يقود العقل إلى التجديد والتأمل يصبح صاحبه ذا حضارةٍ ورسالةٍ هادفةٍ وثقافةٍ تتخطّى حدود روح المعرفة، وعبَّر الشيخ محمد بن راشد بأسلوب جميل في وصف المكتبة بقوله: ( نريدها مكتبةً حيةً تصل إليك قبل أن تصل إليها وتزورك قبل أن تزورها وتُشجّعك على القراءة منذ الصغر وتدعمك عالمًا وباحثًا ومُتخصّصًا عند الكبر).
بهذه الكلمات يكون للكتاب قيمة وللقراءة هدف، ووجود صرح أدبي كهذه المكتبة تقدير كبير من القادة لأهمية العلم وجهودهم المبذولة في سبيل الوصول بالدولة إلى أعلى مكانة علميًّا وفكريًّا وحضاريًّا، وهذا هو الذي يرفع قدر الأُمم، لا بالحروب وانتشار الفوضى والقرارات الخاطئة، إنها رؤىً استثنائية لدولة الإمارات عندما تمتزج سياسة الكلمة بسياسة القرار يكون الهدف ذا نتيجة مُشرّفة ترتقي بها عالميًّا وتحظى بمكانتها لدى الدول وتُنافس كوكبة العلماء والأدباء شرقًا وغربًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة