منذ أن رفع إبراهيم صوته مناديا بالحج لبيت الله المحرم الذي بناه بوادٍ غير ذي زرع، وجموع الناس تتوافد إلى هذا المكان الطاهر
منذ أن رفع إبراهيم صوته منادياً بالحج لبيت الله المحرم الذي بناه بوادٍ غير ذي زرع، وجموع الناس تتوافد إلى هذا المكان الطاهر الذي أكرم الله بكة وأهلها عبر الزمن بوجوده فيها وباستضافة حجاجه الذين يقدمون إليه من كل مكان.
تعاقب على رعاية هذا البيت منذ أبونا ابراهيم الكثير من الدول ومن القبائل التي كانت تخدم زواره وتحميهم وتطعمهم وتسقيهم من أموالهم وجهدهم، ولهذا كان الناس عبر الزمان يكرمون خدام البيت الحرام بالتقدير لجميل صنعهم وما أكرمهم الله به من التشريف، لذلك كانت العرب قبل الإسلام يتسابقون لوفادة الحجاج إجلالاً لله ولبيته المعظم، ولم تكن دعوة الإسلام ظهرت فيهم بعد ولكن كانت شهامة العرب أن يحترموا ويجلوا من خدم بيت الله وكأنه كرم متسلسل أن أكرم الله قريشاً بأن جعل البيت الحرام تحت رعايتهم فأكرمهم العرب بهذه الفضيلة التي تتوارها الأجيال بعد الأجيال.
ولأن الله قد وعد بحماية هذا البيت فقد كانت الأيادي الأمينة تتعاقب على رعايته ويسهل الله أمرهم ليكونوا بقربه وفي خدمته، تعاقبت الأمم والدول على هذا وفي هذا التشريف العظيم حتى آل أمر بيته الحرام إلى المملكة العربية السعودية هذه الدولة التي أكرمها الله عز وجل بتوحدها وإعلانها في العام 1932م، لتكون دولة مستقلة موحدة بسيادتها على أراضيها التي قدر الله أن يكون بيته تحت رعايتها وفي كتفها.
وقد استشعر الملك عبدالعزيز أهمية أن تكون أراضي المسلمين المقدسة في أرض دولته الجديدة وتحت رعايتها ومقدار المسؤولية التي أنيطت به، وهو الذي تقدم من نجد إلى منطقة الحجاز بعد تضرر عدد من الحجاج وهم في طريقهم للأماكن المقدسة، مستشعراً عظمة المكان وكبر المسؤولية.
للحرمين الشريفين مكانة عظيمة في قلب الحكومة السعودية الثالثة منذ 1925م وحتى الآن آمنة مطمئنة تخدمها دولة سخرت كل إمكاناتها لخدمة حجاج بيت الله وهم ضيوف الرحمن الذين جاؤوا لأداء واجباتهم الدينية ومناسكهم.
بذلت المملكة العربية السعودية الكثير من موازناتها ومن جهد أبنائها لخدمة بيته الحرام ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان شرفاً لهم كرمهم الله به ولم يتذمروا يوماً من هذا الشرف ولم يجعلوه وسيلة لتسول الأموال والاستعطاف الاجتماعي والسياسي، بل شمروا سواعدهم وقاموا ببناء الحرم المكي ومسجد رسول الله على طراز معماري حديث يراعى في تصميمه وبنائه راحة الحجاج والمعتمرين والزائرين، وسخروا قطاعاتهم الأمنية والصحية والخدمية لخدمتهم ولم تعلن حتى الآن مجموع ما صرف عليهما ولن تجدونها في أي مصدر، لأن حكومة المملكة العربية السعودية لا تريد مزايدة على خدمتها له.
ومنذ أن وصلت الثورة الخمينية إلى طهران وهي تذكي كل نار للفتنة وتشعل الطائفية البغيضة وتسخر كل مقدراتها لتصدير مفهوم ولاية الفقيه المتكئة على مذهبية منحرفة اتخذت من أسماء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سلماً ترتقي به كل كارثة تحل بالإسلام، فاصطدمت بالمسلمين الذين تصدوا لمشروعهم الذي يسعون من خلاله لقومية تجاوزها الزمان، فكان لزاماً عليها فصل هذه المجتمعات الإسلامية عن ارتباطاتها الدينية بالمكان المقدس حتى يكون سهلاً لهم التحكم بهذه المجتمعات بعد فصلها وإلحاقها بمشروعهم القومي المغلف بالطائفية، فكانت بداية صراعاتهم لإفساد شعائر المسلمين بالتخريب في كل موسم حج وافتعال الأزمات السياسية والأمنية، ثم تبدأ بالصراخ بعدم قدرة المملكة العربية السعودية على إدارة الحج والتحكم في شؤونه، فكان هذا ديدنهم في كل عام وحكومة المملكة العربية السعودية تتجاوز وتغض الطرف عقب كل حادثة، حفاظاً على أواصر أخوة المسلمين وتحقيق سلامة قاصدي المشاعر المقدسة، وكان أشهر تلك العبثيات الإيرانية إدخال 50 كجم من المتفجرات من مادة C4 عبر مطار الملك عبدالعزيز في جدة مخبأة بعناية في حقائب الحجاج الإيرانيين، ثم حادثة حج 1987م والتي قتل فيها أكثر من 400 حاج بعد أن استخدم الحجاج الإيرانيون السكاكين والخناجر والعصي في الاعتداء على ضيوف الله في مكة وفي الشهر الحرام تحت غطاء محبة آل البيت في كل مرة، والحادثة الشهيرة بتفجير بجوار البيت الحرام في مكة المكرمة من قبل حزب الله الكويتي، فأي دين يتبعونه وهم يفجرون بجوار بيته العتيق؟ كل هذا والحكومة السعودية تتفنن في ضبط النفس لسلامة الحجاج والحفاظ على سلامتهم وأمنهم وسلاسة أداء مناسكهم وتستمر بتلبس حالة المظلومية المعتادة مطالبة بتدويل الحرمين الشريفين، لتشكيكها في قدرة الحكومة السعودية على الحفاظ على الحجاج الذين تسعى إيران لقتلهم وهذا ديدنهم، في كل حالة لا يهمهم الدين بقدر ما يهمهم الإفساد في الأرض، وإلا كيف للخميني وخامنئي أن يتحدثا عن شعائر الحج ويبديا حرصهما عليه وهم لم يحجا مطلقاً، رحل الخميني ورحلت مطالباته وبقيت السعودية شامخة معتزة بخدمة الحرمين الشريفين والحفاظ على أمن قاصديه.
تولى بعدهما حمل راية تدويل الحرمين الشريفين الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي منع حجاج ليبيا من التوجه للحرم الشريف في العام 1993م وموصيهم بأن يتجهوا للقدس الشريف وتناسى أن الحج ركن من أركان الإسلام وليس وجهة سياحية يمكن تغييرها إلى بلد آخر، رحل القذافي ورحلت خزعبلاته وبقيت المملكة العربية السعودية مهوى أفئدة المسلمين وخادمة لمشاعر المسلمين المباركة حيث شعائرهم وعباداتهم.
أخيراً تولى الحليف الوفي لكل من الخميني والقذافي قيادة هذه الحملة الهوجاء في المطالبة بتدويل الحرمين وتسييس شعائر المسلمين، هذه المرة لم تأتِ طعنة المسلمين في مشاعرهم من بعيد أو عدو بل من تلبس لبوس الأخوة وصبغ مشاعره بمشاعر القربى إنها دولة قطر يا سادة، والتي دعت في خطاب وجهته للأمم المتحده تحت مسمى حقوق الإنسان، وأي حقوق للإنسان تجعلك تقوض أمن واستقرار دول آمنة مطمئنة وتهيج غوغائييها، ليعم القتل والدمار بلدانهم، فأي دماء معلقة برقاب حكومة قطر وأي حقوق للإنسان تدعيها.
لقد استفزت قطر مشاعر جميع المسلمين بطلبها هذا الذي سيرحل كسابقاته ولكنه سيبقى العار متوشحاً حكومة قطر، لتندرج تحت شطر من قصيدة شاعرهم (هذي عوايدها قطر).
لمحة:
لم يستهدف أحد الحرمين الشريفين إلا خسر.
مقال: حمود الرويس @rouwais
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة