قطر ستبقى قطر، في انحرافها نحو سياسات خاطئة واتباع أساليب متهورة، فقد باعت كل مصالحها، وركضت نحو المستقبل الغامض
عندما قرأت عن مشروع البحر الأحمر الذي يخاطب الخيال السعودي وخيال الجيل الجديد، هذا المشروع شبه الأسطوري، الذي يُحاكي طموحًا وثقةً غير مسبوقين، يُعتبر دليلًا جديدًا على أن السعودية قادمة للتغيير، وأن الاقتصاد السعودي قوي ويسعى لتنويع موارده، حيث إنَّ السياحة تعتبر جزءًا من هذه الموارد، وفي الوقت ذاته تذكرت حال الاقتصاد القطري الذي يسير نحو الانتحار والإفلاس!
لو كنت مواطنًا قطريًّا لشعرت بالقلق الشديد، لأنَّ الأزمة أصبحت تسير في منحى اقتصادي خطير، فمن المهم أن يتفكر المواطنون القطريون قليلًا ويتأملون المشهد من جميع زواياه، وليس كما يحاول مرتزقة الإعلام تضليلهم عنه، حتى يَرَوْا الصورة بكل تفاصيلها ومن جميع جوانبها، ليدركوا أين الحق وأين الباطل وإلى أين يسير تنظيم الحمدين بهم وباقتصادهم.
مرضى العظمة الزائفة، يعميهم دائمًا جنونها عن قراءة الواقع قراءةً سليمة، فتأتي قراراتهم متأخرة جدًا بعد أن تتهاوى عروشهم على رؤوسهم، فيأتي تفاعلهم بعد انتهاء الأزمة، عندما يزول غطاء التكبر والتجبر، وللأسف العواصف لا تجرفهم وحدهم وإنما تجرف شعوبهم الذين لا حول لهم ولا قوة ولا يد لهم في شيء سوى أنهم ضحية سياسة رجل أهوج عنيد ومريض يتصرف بلا ضابط.
يبدو أن دولة قطر وشيوخها لم يستوعبوا بعد الدروس والعبر من هذه الأزمة، ولم يتعاملوا معها بحسب أهميتها وخطورتها، واعتقدوا أنها سحابة صيف ما تلبث أن تزول، ولم يحسبوا حسابًا لتصميم الدول الأربع على المقاطعة حتى بلوغ الأهداف التي على قطر أن تقبل بها، أو أن تواجه مصيرها المحتوم.
إن المتأمل لأزمة قطر يجد أنها لا تمثل تطورات جديدة في الحالة القطرية، ولا تعد تغيرًا غير طبيعي استجد في السياسة لدولة قطر، ومن يعتقد غير ذلك فهو كمن لا يتابع مجريات الأمور والأحداث، فهذه السياسات التي تدار بها الدولة هي ذاتها منذ عشرين عامًا، فدولة قطر حاولت أن تحيط سياساتها بالغموض والتقلبات، ثم بالقفز على كل الثوابت والتقاليد في تعاملها وتعاونها مع جيرانها، لقد كان من الطبيعي أن يحدث هذا، لمن يعرف الخلفية التاريخية للسياسة العدوانية القطرية.
لقد كان لدى قطر لتنفيذ مخططاتها كل ما تحتاج إليه، وهو المال لتصرف منه بسخاء لتنفيذ خططها ومؤامراتها، فهو الذي كان يدير هذه السياسة الفاسدة التي حافظت من خلاله على نمطها، وظلت تعطي ظهرها للأشقاء، وتتجه نحو الأعداء من دول ومنظمات وكيانات وأفراد.
قطر ستبقى قطر، في انحرافها نحو سياسات خاطئة واتباع أساليب متهورة، فقد باعت كل مصالحها، وركضت نحو المستقبل الغامض، وتمسكت بالعدو المتآمر، ونكثت الوعد والعهد، فقد أعطت قطر نفسها حجمًا أكبر من حجمها، وذلك من خلال صوتها ولسانها المسلط قناة الجزيرة.
لهذا أصدق قول يمكن أن يقال عن دولة قطر وفق سياساتها إنها تقتل نفسها، وتسيء إلى مصالحها، وتعرّض مستقبلها للخطر، ببعض العنتريات حتى توهمت بأنها أصبحت كبيرة، وأنها ليست بحاجة للغير بل الغير في حاجة إليها، وهنا بدأت قطر تتصرف على نحو يمكن وصفه بأنها تؤذي نفسها به، بدلًا من أن تحمي مصالحها، بالتعاون والتفاهم مع محيطها حسب الأعراف والمُثل.
الأمثلة كَثِيرَة على ذلك ومتاحة للكل، تظهر من خلال سعيها المستمر لتدويل الأزمة، ومن خلال شكاوى المظلومية الفاشلة للمنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية أو منظمة الطيران الدولية (إيكاو) أو بمحاولة تدويل الحج، لكن الأسوأ هو السعي لانهيار الاقتصاد القطري من أجل تحقيق أوهام مجنونة وغير سوية، أوهام سياسية فارغة للسلطة، حالمة بأدوار تفوق حجمها التاريخي والجغرافي، ولم ينتج عنه في أغلب الأحوال إلا الدمار والانزلاق في المهالك.
التجربة القطرية في تبديد المال على أوهام مشروع ساذج هدفه بناء إمبراطورية وهمية على حساب اقتصادها الذي تكبد منذ المقاطعة العديد من الخسائر الاقتصادية، وفى مقدمة هذه الخسائر هبوط مستوى سعر الريال القطري أمام الدولار الأمريكي، وهى المرة الأولى منذ 12 عامًا، كما عانى من معدلات كبيرة من التضخم ونقص في السيولة وعدم الاستقرار، مع نقص في الودائع الأجنبية في البنوك القطرية، كما ارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية لخمس سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ مطلع أبريل، حيث أكدت وكالة (موديز) للتصنيف الائتماني في تقرير لها على "أنَّ الأزمة قد تؤثر سلبًا على التصنيف الائتماني لقطر إذا أدت إلى تعطل حركة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال" ، حيث قامت بتخفيض التصنيف الائتماني لدولة قطر إلى مستوى Aa3، رابع أعلى درجة استثمارية، مما يشير إلى التشكيك في مستقبل نمو الاقتصاد القطري، مع توقع تعثر قطاع الإنشاءات القطري، والخطوط القطرية.
وبحسب تحليل، فقد قفز حجم الدين الخارجي لدولة قطر، خلال العام الحالي إلى نحو 601 مليار ريال قطري، تعادل نحو 165 مليار دولار أمريكي، وهي قيمة ضخمة وفقًا للمقارنات الدولية بهذا الصدد، وتعد الأعلى على الإطلاق إقليميَّا بالنسبة إلى حجم الاقتصاد، ويقدر حجم ديون قطر الداخلية بنحو 25.8 مليار ريال قطري، تعادل أكثر من 7 مليارات دولار، لتشكل كل الديون نحو 172 مليار دولار أمريكي، وتشكل الديون الخارجية عبئًا ملحًّا، لكونها متصلة باستثمارات ضخمة توسعت بها قطر، لكن الدين الداخلي يعبر عن اقتراض الدولة من البنوك من أجل السيطرة على ضبط النظام المصرفي، وتحديدًا أسعار الفائدة، والحصول على سيولة للدولة من البنوك والمؤسسات المالية، وهو رقم كبير بالنسبة لقطر، وينطوي على مخاطر تؤثر على التصنيف الائتماني، كذلك إجمالي صندوق الثروة السيادي القطري قرابة 300 مليار دولار قبل الأزمة وحاليًا هو 260 مليار دولار، وهو ما ينذر بعدم قدرة قطر على مواصلة النمو الاقتصادي بنفس الوتيرة، وأنها مقبلة على عدة مخاطر اقتصادية قصيرة وطويلة الأجل في حال استمرار تعنتها، وفي ظل دخول أمريكا وبعض الدول العربية بقوة في تصدير الغاز المسال إلى آسيا وأوروبا وقريبًا السعودية، قد يسبب هذا هبوطًا في أسعار الغاز، مما ينعكس بالسلب على الاقتصاد القطري.
لقد تعددت مجالات إنفاق الدوحة بهدف إبراز اسم قطر عالميًا، لعل ذلك يخفف من الضغوط عليها، فبالإضافة إلى المبلغ الضخم الذي دُفع في صفقة نيمار دفعت قطر المليارات في صفقات أسلحة مع الولايات المتحدة وتركيا وإيطاليا، كما دفعت مبالغ أخرى في تعاقدات مع شركات قانونية وشركات ضغط لتحسين صورتها في واشنطن، وتم تدشين حملات إعلامية مدفوعة كتلك اللافتات التي حملتها سيارات أجرة في لندن والتي قال الإعلام القطري عليها إنها حملة تضامن من السائقين مع قطر.
إنَّ صفقة اللاعب البرازيلي نيمار كانت بالتأكيد من أجل هدف ومغزى سياسي واضح، لتسييس الرياضة، لأنها تسعى إلى إظهار نفسها بالدولة التي لم تتأثر بالمقاطعة التجارية والدبلوماسية التي فرضتها عليها الدول الأربع، باستغلال الرياضة لتحقيق مكاسب سياسية واستغلال النفوذ السياسي للتلاعب بالرياضة، حيث إنَّ المبالغ الطائلة التي دفعتها قطر بطريقة غير مسبوقة كانت في ظل تراجع الاقتصاد لتحسين صورتها منذ اندلاع أزمتها مع دول الجوار على خلفية اتهامها بتمويل ودعم الإرهاب واستضافة الإرهابيين.
هذه الأساليب التي تتبعها الحكومة القطرية تعتبر مهزلة ما بعدها مهزلة، تخبط وَصَلَ إلى حدِّ ما يوصف بأنَّه من المضحكات المبكيات، يجعلها وكأنها تتعمد إلحاق الضرر بمصالحها على نحو ما هو مُشاهد وملموس الآن.
وهو ما يؤكد على أن الحكومة القطرية لم تستوعب التداعيات الاقتصادية المتوقع حدوثها، حيث كان عليها أن تبتعد عن المغامرة بمكتسبات الشعب القطري وأن توقف صفقات الدعاية وعلاقات المليارات لتحسين صورتها، وتعود لجادة الصواب بما يحمي أمنها واستقرارها واقتصادها قبل أن يسبق السيف العذل، وربما يتعلم الساسة القطريون الدرس بعد أن يفقدوا كل شيء، وبعد فوات الأوان.
قطر بتصرفاتها تعطي للجميع الدليل على أنها تسعى للإفلاس ولإيذاء نفسها، بالتهور والارتباك والتناقض وسوء التصرف واستعداء الآخرين، وما إلى ذلك من الأعمال التي تضعها كمن يتعمد الانتحار، مع أن البدائل والحلول لمشاكلها متاحة، وميسرة، وسهل الوصول إليها وتطبيقها، وبالتالي التخلص من هذه التراكمات المضرة بها.
نحن لا نقبل أن يُمس مواطنوها بأذى، ونقول هذا لأننا لا نقبل بأن تكون قطر حديقة خلفية لإيذائنا، ولأن دولنا تحملت الكثير من نزواتها، وهادنت، وحاورت، ووسطت، على أمل أن تفيق ولكن دون جدوى.
فقطر إذًا لا تعمل شيئًا لصالحها، وإنما تذبح نفسها، وتخسر الصديق والشقيق والجار، وتفرّط بمصالحها، وتضع نفسها كما هي الآن، لأنها لا تريد أن تتعافى من التطرف، وتتخلص من الإرهاب.
قطر ترى في ترديد وتداول اسمها في وسائل الإعلام، دليلًا على أنها دولة عظمى، فيحسب الآخرون لها ألف حساب، وهذا ضيق أفق، وجهل، وتهور، وعمل لا يقدم عليه إلا من هو في عقلية دولة قطر! وهو ما جعلنا نتأكد أن دولة قطر تتعمد وعن سابق إصرار، على إيذاء وقتل نفسها، وتعريض مصالحها للخطر، وإلا كيف لها أن تفعل ما تفعله الآن من تصرفات وممارسات لا يفعلها إلا من يريد الانتحار؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة