هذه الحادثة تؤكد أن النظام القطري تحكمه حالة من عدم الثقة والريبة والشك حتى ممن هم محسوبون على النظام أو جزء منه
لم تكن الصراعات داخل الأسرة الحاكمة وليدة المرحلة، بل تعد متجذرة في تاريخ الإمارة القطرية التي تأسست وسارت على نمط واحد من الانقلابات، وهو ما يؤكد غياب وسيلة تحكم انتقال السلطة في الإمارة القطرية، وتؤكد أن مسألة الانقلابات تعد إحدى أدوات الصراع داخل الأسرة الحاكمة منذ تأسيس الإمارة وحتى عام 1995، عندما انقلب حمد بن خليفة على والده، والذي سبق الانقلاب حالة من التمرد من قبل حمد على سياسات وقرارات والده خليفة، وهو ما أوقع والده في حرج كبير أمام الدول الخليجية، خاصة في ظل محاولات حمد للتآمر على الدول الخليجية ومحاولة التصعيد فيما يخص قضايا الحدود خاصة مع البحرين، والتصعيد إلى محكمة العدل الدولية.
هذه الحادثة تؤكد أن النظام القطري تحكمه حالة من عدم الثقة والريبة والشك حتى ممن هم محسوبون على النظام أو جزء منه، وبالتالي يسعى النظام إلى التجسس على هذه الشخصيات في مجالسها الخاصة
وبالتالي، يمكن القول إن الإمارة القطرية شهدت طوال فترة تاريخها ما يمكن تسميتها بحالة من المد والجذر فيما يتعلق بعلاقة الأسرة الحاكمة ببعضها وحتى داخل الفرع الواحد من الأسرة الحاكمة، وعلى سبيل المثال يمكن النظر للحادثة المشهورة بأنها تعد مثالا على ذلك عندما قام حمد بن خليفة بسجن الابن الأكبر له مشعل بن حمد 20 عاماً، عندما رفض ما قام به والده من الانقلاب على جده خليفة بن حمد.
جاءت الأزمة القطرية والعزلة التي تعيشها الدوحة بسبب المقاطعة الرباعية لتكون كاشفة لكثير من الصراعات، فهي عملت على إخراج الصراعات داخل الأسرة الحاكمة إلى السطح وسعت لكشف حالة الحقد والكراهية لدى الفرع الحاكم من العائلة على بقية فروع عائلة آل ثاني، وذلك عندما سعى النظام القطري في التعاطي مع حالة المعارضة داخل الأسرة الحاكمة تجاه سياسات النظام بالعمل على تجميد الحسابات البنكية وحالة الإقامة الجبرية بالجملة لعدد من الشخصيات داخل أسرة آل ثاني، وهي بالتالي تكشف حالة من التفكك داخل الأسرة المالكة بسبب سياسات النظام لسنوات طويلة من التفرد والهيمنة والإقصاء والتهميش.
لم يكن إعفاء عبدالله بن ناصر آل ثاني من رئاسة مجلس الوزراء تشكيلاً حكومياً طبيعياً، وإنما جاء الإعفاء عقب حديث له في مجلسه الخاص منتقداً وجود تركيا العسكري في الدوحة وفق التسريبات التي أكدت ذلك، وبالتالي فهذا الإعفاء يأتي في سياق استمرارية سياسة تكميم الأفواه التي انتهجها النظام ووضع الكثير من القيود والخطوط الحمراء تجاه الأسرة المالكة، خاصة ممن هم محسوبون على النظام، فهذه الحادثة تؤكد أن النظام القطري تحكمه حالة من عدم الثقة والريبة والشك حتى ممن هم محسوبون على النظام أو جزء منه وبالتالي يسعى النظام إلى التجسس على هذه الشخصيات في مجالسهم الخاصة.
يمكن القول إن إعفاء عبدالله بن ناصر آل ثاني ووضعه قيد الإقامة عقب انتقاده الوجود العسكري التركي في الدوحة بأن رأس النظام في الدوحة أراد أن يبعث برسالة للجميع بأن الوجود العسكري التركي في الدوحة يعد مسألة ذات حصانة، وفوق مستوى النقد أو مجرد الحديث عنه، أو محاولة إبداء استياء من التصرفات التركية في الدوحة، والتي تنتهك هذه التحركات بشكل فاضح السيادة القطرية.
عندما ننظر إلى وضع الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني ودوره في النظام القطري نجد أن الدور المرسوم له هو "شكليا فقط" لا يحرك ساكناً، وبالتالي نجد أن هذا ما أثار غضب عبدالله بن ناصر وجعله يتحدث وينتقد الوجود التركي في قطر، وبالتالي فإن هذه الخطوة من قبل عبدالله بن ناصر آل ثاني هي محاولة للخروج من الدور المرسوم له شكليا، ويبدو أن هذا الدور وحالة الركود والجمود بدأت تضيق على عبدالله آل ثاني، وهو ما قاده بالتالي إلى محاولة أن يكون له دور فعلي، وأن يتخلى عن الدور الشكلي، وهذا ما قاد بالتالي لأن يكون بمثابة "ورقة محروقة" لا فائدة منها، وبالتالي تم العمل على إعفائه.
إن محاولة الانقلاب من قبل رأس النظام في قطر على الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني وعدم الاكتفاء فقط بإعفائه من منصبه، بل وضعه قيد الإقامة الجبرية، والتي تأتي هذه الخطوة استمرارية من قبل رأس النظام القطري لسياسة تكميم الأفواه، لا شك سيكون لها تأثير على حالة الصراع المتصاعد داخل الأسرة الحاكمة، والتي ترى أن النظام القطري فشل في إيجاد حل للأزمة التي تعيشها قطر، وأيضا مستمر في سياسات تفكيك الأسرة الحاكمة، وبالتالي فإن هذه الخطوة التي ستقود إلى مزيد من التصدع داخل الأسرة الحاكمة ربما تفرض تحركا في ظل وجود قناعات داخل العائلة الحاكمة، لأن النظام ليس جادا في الذهاب نحو التغيير، ليس فقط على مستوى الأزمة التي يعيشها بسبب المقاطعة الرباعية، وإنما أيضا على صعيد علاقته ببقية فروع أسرة آل ثاني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة