الدوحة كانت -ولا تزال- بوابة عبور لكل تصرف قبيح، الاعتداءات، وتشجيع الثورات، والتآمر على الأنظمة
كانت الدوحة -ولا تزال- بوابة عبور لكل تصرف قبيح، الاعتداءات، وتشجيع الثورات، والتآمر على الأنظمة، والترويج للدولة الإسلامية (داعش) ودولة الإخوان المسلمين، وكل ما يمس استقرار الدول، فقطر جاهزة للدعم، والتمويل، وتقديم الخدمات اللوجستية، وعلى استعداد لأن تضع يدها بأيدي كل معتدٍ وغاشم وصاحب نوايا خبيثة، فالسياسة القطرية تعتمد على هذا التوجه، دون أن تفكر بمصالحها، أو مصالح غيرها من الدول الشقيقة، لا فرق بين أن يكون خليجياً، أو عربياً، من المشرق العربي، أو مغربه، فقد وصل عدوانها إلى كل الدول التي اختارتها لإحداث الفتنة والخراب والفوضى، وكانت نسبة النجاح في تنفيذ جرائمها عالية ومؤثرة، بما لا تستطيع -وإن نفت- أن تتبرأ من كل ما كانت سبباً أو شريكاً فيه، من الدمار، أو الأبرياء الذين قتلوا.
* *
ففي ليبيا لها موقع قدم علاماته القتل بدم بارد منذ سقوط صديقها معمر القذافي، وفي سوريا هي شريك مع إيران وحزب الله اللبناني في كل الجرائم التي ارتكبت بحق المعارضة السورية الشريفة، وفي مصر ستجد أن كل هذه الاغتيالات والتحريض، والدعم لمن يتمرد على النظام يأتي بتوجيه ودعم من الدوحة المحروسة، ولا ننسى دورها في الفترات التي عصفت باستقلال وأمن البحرين، دعماً منها للشيعة الموالين لإيران هناك كما تفعل إيران وحزب الله، وإن نسينا فلا يمكن أن نتجاهل أيضاً دعمها للحوثيين ضد التحالف العربي، مع أنها شريك بقوات رمزية في هذا التحالف لإخفاء دورها المشبوه في الموقف المساند للحوثيين والمخلوع صالح في اليمن، وإذا أردنا أن نزيد، فهي فاعلة في دعم ما يسمَّى بالمعارضة السعودية، ومثلها الإماراتية، بل هي شريك مهم في التآمر على نظامي الحكم في الدولتين، وقد تم توثيقه بالصوت والصورة والوثائق الأخرى، فنحن بهذا أمام حالة غير سوية، وبين تصرفات من مسؤولين لا يدركون هذا المسّ الجنوني الذي دفع بهم للقيام بمثل ما قاموا به من جرائم حتى الآن.
* *
فإذا كان هذا بعض ما تم اكتشافه، والإعلان عنه، فماذا عن البعض الآخر، وماذا عن الأعمال العدوانية الأخرى التي إما أنها لم يكشف عنها بعد، أو أنها في مرحلة المتابعة والتحليل والقراءة والسماع للشهود ليتم الإعلان عنها فيما بعد!! أظن أن قطر غارقة بكثير من الأدوار التي لعبتها شريكاً مع آخرين لهز الأمن في المنطقة، وجعل دولنا تفقد القدرة في السيطرة على النظام، وهي التي يضرب بها المثل في الأمن والاستقرار والتمتع بالعيش الكريم، فهل لصوت وطني وقومي مخلص يمكن له أن يتعامل مع الأزمة القطرية بعدم المبالاة، والصمت المطبق، فضلاً عن أن يلتمس العذر لقطر في كل جرائمها الموثقة، وما هو موقف أولئك الذين يرون أن في الحوار فرصة لتجنب المزيد من تعقيدات الأزمة، أمام إصرار الدوحة على عدم الذهاب إلى الحوار، ما لم تسحب الدول الأربع المطالب الثلاثة عشر أولاً، وكل ما ترتب عليها من إجراءات لاحقة، وهي أساساً مطالب لإيقاف أي عمل يشم منه الإرهاب، والتطرف، والتحريض.
* *
لا شك أن قطر مزدحمة بالمشاكل، وليس بحركة المرور أو كثافة السكان، أو حتى في مساحة الأرض الصغيرة التي تضم الشقيقة الصغرى، والمشاكل التي نعنيها، ما ترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية معها، وما لحق ذلك من إقفال الحدود البرية والجوية والبحرية بينها وبين الدول الأربع، فإلى جانب أن مخططاتها العدوانية قد تم تعطيلها، فلم يعد بمقدورها الآن أن يصل ذراعها الارهابي بنفس الحجم إلى هذه الدول، فإن الضائقة التي يعاني منها المواطن القطري والمقيم في قطر في الحصول على متطلبات حياته اليومية، جعلته في حالة قلق وتخوف وتأثر من التطورات المتسارعة في البلاد، دون أن تواجه الدوحة ذلك بالتعامل العقلاني مع الدول الشقيقة لقطر، بل إن المطبقين على السلطات في قطر لجأوا إلى التصعيد بدلاً من التهدئة، وإلى الامتناع عن قبول طلبات الدول الشقيقة المتضررة لمعالجة الأزمة القطرية على قاعدة لا ضرر ولا إضرار، أي بالتزام قطر بتنفيذ الطلبات التي أعلنتها الدول الأربع، مع الضمانات التي تمنع قطر من تكرار جرائمها، وهنا يكون الحل.
* *
نحن نكتب عن الواقع ومن الواقع، ونشخص الحالة القطرية، بحسب ما هو متاح للجميع من معلومات تدين قطر، ويأتي ما نكتبه لتذكير القطريين وشعوب دول منطقتنا بما آل إليه الوضع في قطر، بوصفها الدولة الوحيدة المتأثرة سلباً من التصعيد في هذه الأزمة، وباعتبارها المسؤولة الأولى عن تعقيدها، وتعمدها بأن تكون هناك مسافة كبيرة بينها وبين الحلول المقترحة لها، فالقضية ليست خلافاً على حدود، وهي غالباً ما تفجّر الصراعات بين الدول، ولا على مصادر المياه، وهي أيضاً مصدر خلاف لا ينتهي بين من يتغذون من نفس المصدر، وإنما هو خلاف على تدخل قطر السافر في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وإصرارها على عدم القبول بأي مقترح يوقف عدوانها وإرهابها وتطرفها وتحريضها، بمعنى أن الحلول سهلة وميسرة ومتاحة، فقط بأن تكف عن مخططاتها العدوانية، ومؤامراتها المتكررة، وتحريض الشعوب ضد أنظمتها، وبالتأكيد أن تتوقف عن دعم الإرهاب، ومنع قناة الجزيرة من إثارة المواطنين للخروج على الأنظمة، وهي مطالب مشروعة لكل الدول، ولا استثناء في ذلك لأي دولة من الدول.
* *
لا أعرف من أقنع أمير قطر بهذه السياسة، وشجَّعه عليها، وأخذ به إلى أتون معارك وخلافات هو وبلاده في غنى عنها، ولا أدري كيف لدولة صغيرة كقطر ترهن نفسها لمن لا يريد الخير لها، وما فائدتها في تحالفاتها مع أعدائها وأعدائنا، هذا ما يحيرني، ويجعلني أتساءل عن سبب هذا الموقف القطري المريب، فما تفعله قطر خارج السياق في التعامل الحصيف بين الدول، ولا يمكن أن ينسب ذلك لقطر باعتباره من الثوابت والتقاليد لها، لولا أننا نرى رأي العين أن (قطر تميم) تتصرف بما لم نكن نعرفه عنها قبل انقلاب حمد بن خليفة على والده الشيخ خليفة آل ثاني، ولم يكن هذا مثار انتباهنا أو صدمتنا واستغرابنا فقط، وإنما كان محل استغراب كل من يقارن بين ما كانت عليه قطر، وبين ما أصبح حالها الآن، حيث التخبط والارتباك، وحيث نأت بنفسها عن كل ما يقرّبها إلى المواقف المعتدلة.
* *
فشيْطنَة دولة قطر ناشئة عن مرض أصابها في غمضة عين، وكبّلها على مدى عشرين عاماً، وجعلها أضعف من أن تواجه وتقاوم وتهزم التحديات التي تواجهها، فهي دولة مغلوبة على أمرها، وسجينة داخل هذه الجزيرة الصغيرة، وقد اختفت بشرّ أعمالها، وغابت لأنها بدت دولة معادية، تتصرف بغير مسؤولية، وتمارس السياسة بجنون العظمة، وتصدّق بما يملى عليها عن جهل، وتنشط كلما كان هناك عمل يؤذي الآخرين، ولا يظهر لها صوت أو صورة طالما كانت هناك مسافة بينها وبين إيذاء الآخرين، فنحن أمام وضع لا يكتسب أهميته إلا بالتسلّط والتنمّر والإيغال في الحقد والكراهية ضد أقرب الدول بالجوار أو الصداقة أو ممن هم أشقاء، وهذا الوضع يحتاج إلى طبيب نفساني يحلل الشخصية القطرية، ويتعرّف على أمراضها النفسية، ويعمل معها بما يوقف هذا المد القطري العدواني.
* *
وإذا كانت دولة قطر تعتقد أن سياستها العدوانية سوف تستمر اعتماداً على التواجد العسكري الأجنبي الكبير، وإذا خالجها الشعور بالقوة لأن إيران وتركيا وحتى إسرائيل معها في تكريس هذه السياسة، فنحن نقول لها بصدق وصراحة ووضوح، إنها لن تستطيع أن تقاوم مسيرة الحق، ولن يكون بمقدورها أن تنفذ بجلدها إذا ما مس الضرر أي دولة من دولنا الأربع، وكل استعراضات القوة للقوات الأجنبية التي يتوالى وصولها إلى الدوحة لتعزيز موقفها، والشد من أزرها، والثبات على مواقفها، والالتزام بسياساتها، لا يعني شيئاً كثيراً بالنسبة للدول الأربع، فالعدوان القطري أوقف بقطع العلاقات وإقفال الحدود بين قطر وأشقائها، ولا شأن لهذه الدول بقوات الحماية الأجنبية للنظام القطري، إذ ليس هناك نية أساساً للتدخل في الشؤون الداخلية لقطر، وإنما الهدف في كل الإجراءات العقابية ضد قطر، هو أن تتوقف عن تصدير الإرهاب والمال والسلاح إلى دولنا، وهذا حدث وتحقق وأنجز بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها المملكة وكل من الإمارات والبحرين ومصر.
* نقلا عن الجزيرة السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة