توسعة الإرهاب باسم «المقاطعة أو الحصار» لاتهام الدول الأربع به محاولة يائسة وغير موفقة لأن صورة الإرهاب المستمر واضحة في البرواز القطري
استوقفتني في خطاب أمير قطر جملة لافتة، وهو يتساءل أمام العالم المجتمِع في أروقة الأمم المتحدة التي تحتفل بعرسها السنوي قائلاً: «أليست المقاطعة نوعاً من الإرهاب؟». لأول مرة نسمع في أدبيات الخطاب السياسي عن انضمام المقاطعة إلى الدائرة الموسعة من قبل النظام في قطر، وهي تضع نفسها في خانة «الحصار» الذي ما زالت حسب زعمها منتصرة عليه بعد الدخول على خط الشهر الرابع منذ انطلاقة أزمة الخامس من حزيران الثانية في 2017.
رغم اختلاف العالم حول مصطلح «الإرهاب» بشكل عام إلا أن محاولة التضييق عليه وتحديده هو الخيار الأفضل حتى لا تنتفخ أوداجه ويكبر رأسه الذي أجمع العالم على كسره بأي ثمن.
ما مصلحة قطر في دفع شقيقاتها بمجلس التعاون نحو مفهومها لمصطلح الإرهاب والسعي ليشملها معنى من معاني الإرهاب وفقاً لرؤيتها، وهي التي قاطعتها بحكم السيادة التي تملكها وحفاظاً على أمنها واستقرارها؟.
لو عدنا إلى وضع الدول التي تعاني المقاطعة والحصار فعلاً منذ عقود وهي كوريا الشمالية وكوبا وإيران والسودان وعراق عهد صدام، لم يطرح أحد من زعماء هذه الدول المحاصرة بلا جدال، بأن العالم يمارس ضده إرهاباً تحت مسمى «المقاطعة أو الحصار». رغم أن هذه الدول ما زالت تناكف الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، وتوجه سهام النقد لإخراجها من وهدة الحصار والمقاطعة التي هدّت البنية الاقتصادية في تلك الدول، إلا أنها لم تطرح على مائدة البحث بأن العالم يمارس ضدها إرهاب المقاطعة أو الحصار، وإن كان جائراً في عمومه حتى يزول السبب، وتعود تلك الدول إلى خط المطالب الدولية والأممية، وكل ذلك بعيداً عن نبرة الإرهاب في وضعها المحاصر.
فقطر بهذا الطرح الذي تزعم فيه أن دول المقاطعة الأربع تمارس ضدها «إرهاباً» من نوع آخر، وهي المطالبة بطرد الإرهاب وتمويله من أرضها، حتى تعود مياهها إلى نهر الخليج العربي ومجلس التعاون على وجه الخصوص، فهو رئتها التي تنفست من خلالها لقرابة أربعة عقود من تاريخ بدء هذا المشوار الإقليمي المهم.
على قطر في هذه الأزمة أن تبتعد عن لعبة المفاهيم المختلفة والمختلقة، لأن الإشكال الفلسفي ليس مطروحاً على الإطلاق، فالمسألة أوضح أن يتم شرحها طوال هذه الفترة الممتدة من عمر الأزمة التي كانت المكالمة «الفاشلة» أقرب حل لهذا النزاع المتواصل والرياض بانتظار قطع قطر له في أسرع وقت، وأن المماطلة ليست من صالحها ولا صالح شعبها المتضرر الأول من تداعياتها.
الآن وقد أوصلت قطر «مظلوميتها» إلى العالم أجمع في تلك الكلمة التي سمعها الجميع من المنصة الأممية، فالمطلوب منها اليوم أبسط من ذلك بكثير.
فإذا كانت أمريكا الساعة مشغولة بمناورات كوريا الشمالية المتهورة والقضايا الداخلية الملحة، حتى تتخلص من كل ذلك فلا تلتفت في المنظور القريب إلى قطر، لأن سلم أولوياتها قد تغير وفقاً لبعض المحللين الذين يرون أن غضب ترامب متجه نحو كوريا الشمالية التي تحاول أن تقلب المعادلة الآسيوية على رأس أمريكا، بعد أن غيّرت أمريكا موجاتها القصيرة نحو الشرق الآسيوي وليس الأوسطي، وقطر من ضمنه في هذه الفترة من رئاسة ترامب.
ما مصلحة قطر في دفع شقيقاتها بمجلس التعاون نحو مفهومها لمصطلح الإرهاب والسعي ليشملها معنى من معاني الإرهاب وفقاً لرؤيتها، وهي التي قاطعتها بحكم السيادة التي تملكها، وحفاظاً على أمنها واستقرارها الذي لا تعيده مليارات الدولارات إن هي فرّطت فيه؟
فتوسعة الإرهاب باسم «المقاطعة أو الحصار» لاتهام الدول الأربع به محاولة يائسة وغير موفقة؛ لأن صورة الإرهاب المستمر واضحة في البرواز القطري، والمماحكات اللفظية ليست جزءاً من الدخول في طريق إنهاء الأزمة، فقطر تدرك جيداً سبل الحل السريع، والإطالة أكثر من ذلك تشمخ وجهها ليس إلا.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة