أي أمان بعد خيانة الوالد والغدر به نرتجيه من إنسان؟!
شعرت بالاستياء والقرف من تغريدة قرأتها في «تويتر» عن برنامج «ما خَفي أعظم» الذي بثته «قناة الجزيرة» عبر جزأين وفي أسبوعين متتاليين، جاء في هذه التغريدة «فيلم هندي... إخراجه جيد».
المغرد الذي أراد أن يختزل كمية المبالغات والأساطير والخيال والفبركات والتأثيرات بكافة أنواعها العاطفية، المنطقية، وحتى التقنية، اختزل ذلك كلّه بكلمة فيلم هندي أرى أنه ظلم سينما بوليود كثيراً، والتي رغم مبالغتها الكثيرة إلا أنها في النهاية سينما إنسانية من الطراز الأول؛ لا يمكن إلا أن تقدم من خلال أفلامها رسائل إنسانية تحفّز البشرية لفعل الخير الذي لا بدّ أن ينتصر يوماً، بعكس الرسالة السوداء المظلمة والجوفاء التي لم نستطع فهمها من خلال هذا البرنامج وما يهدف له؟!
«تنظيم الحمدين» الذي يحاول أن يثبت تآمر دول المقاطعة عليه عام 96 نسي أن المتآمر الحقيقي هو من استطاع أن يتآمر على والده، ويحيك ضده الخطط والمؤامرات، ويتهمه بالجنون، و يبعده عن سدة الحكم، و يدخل الدبابات في شوارع الدوحة ثم يطالب الإنتربول بجلب أبيه إلى قطر ومحاكمته!
الحقيقة أن عالم اليوم الذي تطورت فيه بشكل ملحوظ آليات التطوير الذاتي والمجتمعي علمتنا أنه من الأولويات الإنسانية أن يعي الإنسان والمجتمع أهدافه جراء الأعمال التي يقوم بها، إلا أن ما يفعله «تنظيم الحمدين» ومن يواليه يبدو لنا هشّ الأهداف من جهة وسوداوي الأهداف من جهة أخرى.
«ما خفي أعظم» كان من أقوى الأدلة على ذلك، وإلا فأي هدف سويّ أو إنساني ينتظر من برنامج يسعى ليبيّن حجم تآمر الدول الأربع المقاطعة لقطر؟!
يفبرك ويخطط وينفذ ويجند نفسه وأجهزته الأمنية والمخابراتية ويغدق المال ليقول فقط: «انظروا كم نحن أبرياء طيبون.. وكم هم جيراننا طغاة.. ظلمة.. مفسدين»!
هي محاولة بائسة وواهية لاستعطاف الشعب القطري وغيره من العالقين في حبال «تنظيم الحمدين»، هذه الحبال التي تفبرك المشهد حسب أهوائها وأغراضها وأهدافها التي أوقعت المنطقة في صراعات كلّفت الكثير خاصة على الصعيد الإنساني.
كبيرة هي وكثيرة دروس الحياة التي يمكن للمتأمل أن يلمحها فيما لا يتوقعه، فأنا لا أكتب اليوم لأردّ على هذا البرنامج تحديداً ولا على أي مما تحيكه «الجزيرة» في مطبخها العدائي، فقد انتهى وقتها من اللحظة التي انتهت فيها مصداقيتها وشرفها المهني وكشفت أهدافها، وكفّ الآخرون عن الانشغال بها وبأساطيرها عن الملف القطري برمته، لكننا هنا نتحدث عن دروس الحياة، فـ«تنظيم الحمدين» الذي يحاول أن يثبت تآمر دول المقاطعة عليه عام 96؛ نسي أن المتآمر الحقيقي هو من استطاع أن يتآمر على والده، ويحيك ضده الخطط والمؤامرات، ويتهمه بالجنون، و يبعده عن سدة الحكم، و يدخل الدبابات في شوارع الدوحة ثم يطالب الإنتربول بجلب أبيه إلى قطر ومحاكمته!
برنامج خلا من لمحات الذكاء حينما برّر للمنقلب انقلابه، وتغافل الحديث عن حق المنقلب عليه في استعادة شرعيته، لكنه برنامج وبغباء شديد ذكّر الكثيرين ممن عايشوا هذه الخيانة، وهي أكبر خيانة في العصر الحديث، ذكّرهم بصوت خليفة بن حمد آل ثاني مقهوراً وهو يصف ابنه بالعاق في حديثة ل«BBC» بعد الانقلاب مباشرة، ونعته لحمد بن جاسم بن جبر بالخائن والعقل المدبر لهذه الخيانة، ما جعل الوالد المغدور به يتفاوض مع المرتزق الفرنسي بوب دينار الذي قاد عدة انقلابات عسكرية في إفريقيا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وكاد أن يدفع له ثلاثة مليارات دولار ليقود انقلاباً يعود به إلى كرسي الحكم!
محاولات جوفاء لتبييض السياسة الكارثية لقطر، تعتمد كلها على النيل من الآخرين والإساءة لحكام ورموز الخليج دون أدنى اعتبار لحجم الإساءة التي ألحقها حمد بن خليفة بوالده، ما جعل أمه ومن مقر إقامتها في أبوظبي تصدر بياناً تتبرأ فيه من ابنها العاق لانقلابه على والده!
أي أمان بعد خيانة الوالد والغدر به نرتجيه من إنسان؟!
إنه السحر حينما ينقلب على الساحر! تستضيف «الجزيرة» ضيفاً ليساند موقف البرنامج ويبيّن خطورة المعلومات التي قدمها، فيبادر الضيف بالقول إن البرنامج تجاوز الحقيقة المهمة التي مهدّت لمثل هذا الانقلاب وهو انقلاب حمد الابن على والده، وهذا هو الأساس! تبلّد وجه المذيعة ولاذت بالفرار!
عقدة الضحية التي تمارسها هي انعكاس للتآمر الذي تآمر به الابن على الوالد وأطاح به وأهانه أمام العالم، ولم يضع اعتباراً للأبوة والبر والرحمة والإنسانية.
لذا، فهذه الحكومة تستشعر دوماً عقدة الذنب التي اقترفتها، ولكن بدلاً من معالجة هذه العقدة والتكفير عنها تسعى لإسقاط عقدتها على من حولها.
وهكذا يسعى القادة المخلصون للعمل باتجاه النور والأمل والمستقبل والإنجاز.. ويسعى نظام الدولة المجاورة للعودة إلى الوراء عشرين عاماً والمكوث في دوامات الظلام والاتهامات وحياكة العداء تجاه الجيران والأصدقاء؛ بدلاً من السير في دروب المحبة والسلام.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة