حقوقية أمريكية لـ"العين الإخبارية": واشنطن تحقق في علاقة خاشقجي بقطر
تسوكرمان تؤكد أن مصالح تركيا وقطر وإيران والإخوان التقت بالأزمة، وأنه يجب منع توجيه حكومات أجنبية للرأي العام بشراء أقلام في صحف أمريكا
قالت إيرينا تسوكرمان، الباحثة والناشطة الحقوقية الأمريكية، إن السلطات في الولايات المتحدة تحقق في العلاقة التي جمعت بين الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي بمديرة مؤسسة قطر الدولية في واشنطن.
وأكدت تسوكرمان في حوار خاص لـ"العين الإخبارية" أن قطر اعتدت على حرية الصحافة الأمريكية، بتوجيهها لخاشقجي في مقالاته، والإدارة الأمريكية تدين صحيفة "واشنطن بوست"، بشأن محاولة التأثير على الرأي العام الأمريكي من خلال مساحة لأحد كتابها.
- خاشقجي ومديرة "قطر الدولية".. القصة الكاملة
- واشنطن بوست: مسؤولة بمؤسسة قطر الدولية صاغت مقالات خاشقجي
تسوكرمان، التي تعمل محامية أيضا في مجال حقوق الإنسان والأمن القومي الأمريكي، في نيويورك، ولها عدة أبحاث عن السياسة الخارجية الأمريكية، والتهديدات الأمنية الدولية، أوضحت أن أزمة خاشقجي تم تضخيمها من جانب أنقرة والدوحة، بهدف التأثير على العلاقة المتميزة والاستراتيجية بين واشنطن والرياض، وأن تنظيم الإخوان الإرهابي، سعى أيضا لاستغلال الأزمة للتسويق لأجندته الخاصة.. وإلى نص الحوار:
إلى نص الحوار..
• كانت لكِ عدة مقالات تنتقدين فيها توصيفات خاشقجي في الإعلام الأمريكي.. وتطالبين "واشنطن بوست" بالكشف عما لديها حول علاقة خاشقجي بالحكومات الأجنبية.. فما دلائلك؟
أولا: دعني أوضح لك أن أزمة خاشقجي هي في الأساس صناعة إعلامية، وُلدت بهدف تقويض رؤية الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب لتعزيز التعاون الدفاعي مع المملكة العربية السعودية والأعضاء الآخرين في الرباعي العربي الداعي لمكافحة الإرهاب، وأيضاً لإضعاف المملكة العربية السعودية، التي هي في طليعة معارضي تمدد النفوذ الإيراني.
ثانيا: صناع الأزمة في تركيا وقطر حاولوا الترويج لأجندة سياسية عدوانية، لتمكين جماعة الإخوان الإرهابية من الهيمنة على المنطقة على أساس خطابهم الأيديولوجي.
ثالثا: إذا وضعت الأمور في سياقها الصحيح، فما كانت أن تتحول قضية خاشقجي إلى أزمة تحت أي ظرف، فمعظم الناس - حتى الصحفيين - في الولايات المتحدة والغرب بالكاد كانوا يعرفون خاشقجي قبل اختفائه، فهو لم يكن مراسلا استقصائيا؛ كان عمود واشنطن بوست المنسوب إليه، يعبر عن رأي بلا مضمون حقيقي.
فالرئيس التركي أردوغان يعتقل مئات الصحفيين، وقد احتجز مواطنين أمريكيين بمعزل عن العالم الخارجي، ولم يحرك أحد ساكنا، كما لا يزال اغتيال زعيم المعارضة الليبرالية الروسية بوريس نيمتسوف في موسكو، خلال وقت سابق، دون متهم حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى اغتيال صحفية التحقيقات الروسية "آنا بوليتكوفسكايا" التي اغتصبت وقتلت لمحاولة نشر قضية فساد.
وفي إيران، كذلك يقبع مئات الصحفيين خلف القضبان، دون جريرة إلا محاولة فضح فساد النظام الإيراني، ومع ذلك لا يوجد أي اهتمام دولي، فأين الغضب الدولي من كل هذه المآسي والقضايا التي تستحق الاهتمام؟، وهذا ما يؤكد أن أزمة خاشقجي هي أزمة مصطنعة في الأساس، حيث تعد الأزمة قضية سياسية ضد السعودية كبلد يكافح ضد التطرف والإرهاب ومن أجل رؤية أكثر اعتدالا للإسلام.
وكان خاشقجي نفسه متعاطفًا مع أيديولوجية تنظيم الإخوان، وأفكار الصحفي الراحل إذا تم إعادة صياغتها في الواقع، لم تكن لتحول المملكة العربية السعودية إلى سويسرا، بل على العكس كان يريد تحويل المملكة إلى نظام مرسي آخر (إشارة إلى الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي)، الذي حكم مصر باسم الديمقراطية للترويج إلى أجندة الإخوان.
وكانت علاقة خاشقجي مع قطر وتركيا مفيدة للطرفين. وليس من قبيل المصادفة أن خاشقجي انتقل أولاً إلى تركيا ولم يتحرك على الفور إلى الغرب، بعد مغادرته السعودية، وكان مؤيدًا قويًا لأردوغان، الذي ذبح المدنيين الأكراد، وطرد آلاف الأشخاص من الخدمة المدنية والتعليم والأكاديميين بتهم فضفاضة، وتخلص من جميع العلمانيين والمعارضين في الجيش، ورغم ذلك أيده خاشقجي بشدة.
كما لم نشاهد أي نقد من الصحفي الراحل جمال خاشقجي لأي من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها أردوغان ، ولا اختطافه أكثر من 80 من المفكرين من 18 دولة حول العالم، وبالمثل لم يكن لديه ما يقوله عن قمع قطر، وسجنها أفراد عائلة آل ثاني الذين عارضوا توجه الدوحة ضد المملكة العربية السعودية في أعقاب فرض المقاطعة على الدوحة، ولا على إيران وعنفها الموثق جيدا، وسجلها الإرهابي.
• في تقديرك.. كيف يمكن للإعلام أن يصنع أزمة بهذا الشكل؟
للأسف، الإعلام لم يعد حرا بشكل مطلق، لاسيما في الولايات المتحدة، فالمجتمع المفتوح مثل مجتمعنا، يخلق مساحات يمكن للحكومات الأجنبية أن تستغلها للتأثير على الرأي العام، فالأزمة الأخيرة لخاشقجي لم تستغلها فقط تركيا وقطر وإيران، بل في الحقيقة هم من صنعوها.
لقد قمت بعدة أبحاث وهناك العديد من الكتاب القطريين الذين نشروا في "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، وفي حين أنه من الصعب إثبات العلاقة المالية، إلا أن تيار الآراء الثابت من هيئات التحرير والأغلبية الساحقة من المساهمين التي سبقت حادثة خاشقجي، يُظهر تعاطفًا مع عرض الدوحة لعلاقتها مع دول الخليج الأخرى، الذي تريد قطر استئنافها دون تنفيذ شروط الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.
ومن خلال أبحاثي حول علاقة قطر بالصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية، فمع الإبلاغ عن خاشقجي في بادئ الأمر، لم ترسل أي من الصحف الغربية الرئيسية مراسلي التحقيقات الخاصين بهم، لمحاولة الوصول إلى الكواليس، كما هو معتاد في مثل هذه الحالات، إنما اعتمدوا بشكل كامل على تصريحات المسؤولين الحكوميين الأتراك، وعلى الشائعات التي نشرتها قناة "برس تي في" الإيرانية و"الجزيرة" القطرية، والمنافذ التركية المتنوعة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمخابرات التركية.
لم تكن هناك أسئلة موضوعية مطروحة، ولا سيما في البداية، حول فوضى الشائعات، وبالرغم أن الكثير منها تم فضحها بسرعة، مثل ما أشيع عن (ساعة أبل)، لكن حتى يومنا هذا، لا أحد يعرف ما حدث حقا، لأن الصحافة كانت مرتاحة بالاعتماد على تسريبات الحكومة التركية دون القيام بأي عمل وتضييق الأضواء، وهذه ليست صحافة حقيقية هذا نشاط سياسي.
حتى إن CNN حاولت التدخل سياسيا عندما سافر وزير الخارجية مايك بومبيو، إلى المملكة العربية السعودية لإجراء مناقشة في أعقاب أزمة خاشقجي، وهذه أيضا ليست صحافة.
• وماذا عن "واشنطن بوست".. كيف تورطت في كل هذا؟
علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا لم تكشف صحيفة واشنطن بوست على الفور عن العلاقة بين كاتب العمود الصحفي الراحل جمال خاشقجي والكيان المدعوم من قبل حكومة أجنبية "مؤسسة قطر الدولية"؟، وبمجرد الكشف عن هذا، لماذا حاولت جاهدة التقليل من شأن حقيقة مادية تضع خاشقجي في كذبة مختلفة.
وواشنطن بوست حاولت الترويج أن وفاته بمثابة اعتداء على حرية الصحافة، بينما تبين أنه كان يعمل لحساب حكومة أجنبية أخرى كعامل نفوذ، وبالتالي فإن قضية حرية الصحافة تتحول ضد مؤيديه، لأنه هم أولئك الذين يتدخلون في الصحافة الحرة عن طريق إرسال قطع قد تكون مدفوعة الأجر للترويج لأجندتهم، بينما قادت الواشنطن بوست حملة تخويف ضد جماعات الضغط المؤيدة لعلاقات قوية مع السعودية.
كما كانت "مؤسسة قطر الدولية" تشن حملة هجوم ضد السعودية، في الوقت الذي سهلت فيه واشنطن بوست هذا الهجوم السياسي إما عن علم، عن طريق خاشقجي، وإما على الأقل غضت الطرف عن علاقته مع "مؤسسة قطر الدولية"، أو كانت على دراية مباشرة بها أو تواطأت بشكل ما مع هذه الوكالة السياسية، والأمر كله بيد السلطات الآن؛ لأنه إذا ثبت تورط واشنطن بوست و"مؤسسة قطر الدولية" فإنه سيعد مخالفا للقوانين الأمريكية، لأن هذا سيعد بمثابة عمل لطرف أجنبي سياسي وليس صحافة حرة.
وبعد أن كشفت واشنطن بوست عن حقيقة علاقة خاشقجي بمؤسسة قطر الدولية، حاولت الترويج إلى أنه كان مستغلا من المؤسسة، في حين أن استغلال الدوحة له ليس دقيقا؛ لأن خاشقجي نفسه كان راغبا في هذا الترتيب، وكل ما نعرفه حتى الآن هو أنه كان على علاقة مع أحد أعضاء مؤسسة قطر الدولية، التي ترعى مختلف الأنشطة التي تفيد أهداف الدوحة حول العالم، لكن علاقة "مؤسسة قطر الدولية" بالمخابرات القطرية أو التركية فهذا أمر ستجيب عنه التحقيقات الجارية.
• في تقديرك.. كيف استفادت قطر وتركيا وإيران من أزمة خاشقجي؟
هذه الدول سعت إلى إحراج السعودية، وإضعاف العلاقة المتينة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وهذه البلدان - إيران وتركيا وقطر- عملت من خلال الأزمة على التنسيق فيما بينها للترويج لأجنداتها في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، واستخدمت صحافتها الخاصة والصحافة الغربية كورقة ضغط سياسية ضد السعودية، لإحداث صدام في الإدارة الأمريكية، والسعي لتقويض مساعدة الولايات المتحدة لتحالف دعم الشرعية في اليمن، لكن مساعي هذه الدول فشلت.
وبشكل مختصر، فإنه تم إحداث أزمة خاشقجي للتأثير على سياسات الحكومة الأمريكية والأوروبية، تجاه السعودية وتجاه القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط.
• كيف تنظرين إلى تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة؟
أظهرت واشنطن تجاوبا مع الأزمة، فالولايات المتحدة مع الأسف عرضة للاختراق من خلال حملات التأثير الأجنبي والتجسس، وفي حين حاول الرئيس ترامب تحقيق توازن عن طريق انتقاد المتهمين الحقيقيين في واقعة القتل، لم يكن لديه معلومات قوية يُعتمد عليها، بينما كان يدافع عن العلاقة مع السعودية وحافظ عليها في حين أن الأجهزة حوله كانت متخبطة، بسبب المعلومات المغلوطة الكثيرة حول الموضوع.
ولقطر سجل خبيث لمحاولة التأثير على أعضاء الكونجرس أنفسهم، لقد حاولت الإدارة الأمريكية تحقيق التوازن المطلوب، في ظل حرب المعلومات التي قادتها قطر وتركيا.
• هل كان العمل السياسي المتخذ كرد فعل على قضية خاشقجي يخدم المصالح الأمريكية في العدالة في هذه القضية؟
أشك.. وظني أن هناك أطراف أمريكية تورطت في هجوم معلومات خادع لاستهداف السعودية، ولو استجابت الإدارة الأمريكية للضغوط وبلعت الطعم، فما كان يكفي أي شيء لإصلاح الضرر من هذا القرار.
• وكيف يمكن حماية صناع القرار في واشنطن من محاولات التأثير عليهم من الحكومات الأجنبية؟
أتمنى أن تأخذ دوائر صنع القرار في واشنطن عبرة مما حدث من حرب معلومات أثناء تغطية مقتل خاشقجي، من أجل المستقبل، وضمان عدم التأثير على نزاهة قرارهم من الحكومات الأجنبية.
نحن مجتمع مفتوح كما ذكرت، ومتعدد ومتنوع، لكن يجب ألا يكون هذا بابا لعملاء الحكومات الأجنبية التي تتسلل إلى الصحافة الحرة ببلدنا، وتتلاعب بكل من الرأي العام والمسؤولين المنتخبين لخدمة أهدافهم.
aXA6IDMuMTM1LjIwNS4yNiA=
جزيرة ام اند امز