"مسألة قطر صغيرة جدا جدا".. هكذا تحدث الأمير محمد بن سلمان.
"مسألة قطر صغيرة جدا جدا".. هكذا تحدث الأمير محمد بن سلمان، "ملف الأزمة القطرية لم يعد من أولويات دول المقاطعة الأربع، وخيارات الدوحة تتضاءل"، هكذا وصف الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الوضع في بداية أكتوبر الحالي.
قائمة مركز مكافحة تمويل الإرهاب هي حجر لبداية جديدة ستكون لها تداعياتها الكبيرة في المستقبل القريب، فالخيار اليوم للنظام القطري؛ هل يعود إلى رشده ويخرج من عباءة تنظيم الحمدين والإخونجية، أم أنه مصمم على السير قدماً في طريقه بدعم الإرهاب والإرهابيين وزعزعة استقرار المنطقة؟ سؤال قد يبدو سهلاً، ولكن بالنسبة للنظام القطري هو سؤال الوجود والعدم.
إن الأزمة القطرية تتراجع في أولويات الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، هذه الحقيقة الواضحة للجميع تعد تعبيرا عن نجاح واضح في استراتيجية هذه الدول تجاه الدوحة، فقد نجحت في كشف ملف دعم قطر للإرهاب للجميع، وفضح زبانية "تنظيم الحمدين" أمام العالم، وجعلت الدوحة في موقف الدفاع في الساحات الدولية، بل أجبرها التحالف على دفع أثمان باهظة اقتصاديا بسبب العزلة، وكشف عن حقيقة حجم النظام القطري إقليميا ودولياً.
انتظر البعض أن تتخذ الدول الداعية لمكافحة الإرهاب إجراءات متتالية ضد الدوحة بعد المقاطعة، ولا يخفى على أحد أن البعض من المتحمسين أصابهم نوع من الإحباط (غير المبرر)؛ بسبب تراجع الأزمة إلى الخلف في الوقت الراهن، بل تحدثوا أحيانا بصوت عال عن أسباب عدم اتخاذ الدول الأربع إجراءات أكثر حدة تجاه "تنظيم الحمدين".
هؤلاء غاب عنهم فهم استراتيجية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في الوقت الراهن، وكذلك غابت عنهم طريقة استخدام الأدوات لإنهاء دعم قطر للإرهاب. فهدف الدول الأربع كان واضحاً هو محاربة الإرهاب، والقضاء على الفكر المتطرف، وكما قال الأمير محمد بن سلمان فلن نضيع ثلاثين سنة أخرى في التعامل مع الأفكار المتطرفة. فالهدف واضح هو مكافحة الإرهاب المدعوم من قطر.
ومن هذه النقطة المركزية تتبنى الدول الأربع خطوات متتالية لحصار الدعم القطري للإرهاب، في هذا السياق يمثل إعلان المركز الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب عن قائمة تضم 11 شخصاً وكيانين اثنين، يمثلون قادة وممولين وداعمين لتنظيمي "داعش" والقاعدة في اليمن، يوم الأربعاء، خطوة جديدة ومهمة لم يلتفت إليها كثيرون في تضييق الخناق على "تنظيم الحمدين".
وتعاملت وسائل الإعلام مع الخبر على أنه مجرد قائمة جديدة للإرهابيين، ولكن كثيرين لم يلتفتوا إلى أن الإعلان جاء من المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال"، بما يحمل تكوينه من دلالات مهمة.
فهذا المركز الذي تأسس في 21 مايو 2017 خلال القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض يضم الولايات المتحدة ممثلة في وزارة الخزانة ودول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها قطر، ومهمته الرئيسية قمع تمويل الأنشطة الإرهابية، واتخاذ التدابير الكفيلة بذلك من خلال تصنيف الأفراد والكيانات الممولة للأنشطة الإرهابية، والإعلان عنها، وفرض الجزاءات بحقها.
هذه المهمة في النظام الأساسي للمركز الذي وقعت عليه قطر أمام المسؤولين الأمريكيين، مما يجعل قوائمه ملزمة للدوحة ولكافة الدول الأعضاء بالمركز.
وبإعادة النظر إلى قائمة المركز الأولى التي تم إعلانها، الأربعاء، نجد أن من بين الأشخاص والكيانات كلا من الإرهابي اليمني عبد الوهاب محمد الحميقاني، وجمعية الرحمة الخيرية، وكلاهما تم إدراجه في قائمتي الإرهابيين والكيانات الإرهابية التي أعلنتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في يونيو ويوليو 2017.
وعلينا أن نستعيد الذاكرة إلى وقت إعلان هذه القوائم، حيث رفضتها الدوحة، بل اعتبرتها تدخلا في الشؤون الداخلية، وغيرها من المبررات والادعاءات "الغبية"،
وهنا نجد أن إعلان قائمة المركز الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب يمثل تحولاً نوعيّاً- قد لا يدركه البعض- فاليوم أصبح على قطر أن تعلن صراحة عن فرض جزاءات على تلك الأسماء بما يشمل تجميد أي أصول لها، وحظر مواطنيها أو المقيمين بها من الانخراط في أي تعاملات معها، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001.
هذا معناه بكل بساطة، أن قطر التي أعلنت التزامها بمكافحة الإرهاب وانضمت للمركز الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب، تواجه اليوم اختباراً حقيقيا وصعبا أمام الولايات المتحدة والعالم، فعليها أن تتبنى القائمة الأخيرة والتي تضم بالفعل أسماء من قوائم الإرهابيين التي أصدرتها من قبل الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب وبالتالي فهو اعتراف واضح من جانب "تنظيم الحمدين" بأن دول المقاطعة على حق، والاعتراف بأن قوائمها هي قوائم حقيقية، وليست محاولات للتدخل في شؤونها.
إن الخناق أصبح يضيق على النظام القطري بسبب عناده وكذبه، والدول الداعية لمكافحة الإرهاب أصبحت تتبنى تكتيكات "الاختبارات الصعبة - السهلة"، فاليوم يسير قطار مكافحة الإرهاب على طريق الإجراءات المشتركة مع العالم، ووضع النظام القطري أمام استحقاقاته لمكافحة الإرهاب، بعد أن ظل يصرخ للعالم طوال أكثر من 5 أشهر بأنه "مظلوم"، و"مجني عليه"، و"محاصر"، وغيرها من الأكاذيب.
إن النظام القطري الذي نكص عن تعهداته في اتفاقات الرياض في 2014، يواجه امتحاناً أصعب بالنكوص عن تعهداته مع الولايات المتحدة وكافة دول الخليج في القمة الإسلامية الأمريكية.
فأمام النظام القطري اليوم خياران لا ثالث لهما؛ الأول أن يعترف بقوائم الدول الأربع، وبالتالي يفضح نفسه أمام مواطنيه والعالم، أو يرفض الاعتراف بالقوائم فيكشف للجميع بالدليل القاطع أنه مصمم على دعم الإرهاب وتمويله.
في النهاية، فإن ملف قطر بالفعل لم يعد من الأولويات، بل تحول إلى ملف يومي تتعامل معه قيادة الدول الأربع على أساس الخطوات التنفيذية لوضع النقاط فوق الحروف أمام العالم، و"تنظيم الحمدين" أصبح في حالة لا يرثى لها، حتى إنه أصبح يستعين بحمد بن جاسم لتبرير إرهاب الدوحة دون نفع أو فائدة، ولم يعد خافيا عن أحد أن المسؤولين في العالم لم يعودوا يتعاملون بجدية مع المسؤولين القطريين؛ بسبب اكتشاف أنهم يصرخون فقط، بينما أيديهم ملوثة بدماء الأبرياء في المنطقة والعالم.
إن سقوط حجر صغير في بحيرة راكدة يصنع دوائر متتالية وكبيرة، وقائمة مركز مكافحة تمويل الإرهاب هي حجر لبداية جديدة ستكون لها تداعياتها الكبيرة في المستقبل القريب، فالخيار اليوم للنظام القطري؛ هل يعود إلى رشده ويخرج من عباءة تنظيم الحمدين والإخونجية، أم أنه مصمم على السير قدماً في طريقه بدعم الإرهاب والإرهابيين وزعزعة استقرار المنطقة؟ سؤال قد يبدو سهلاً، ولكن بالنسبة للنظام القطري هو سؤال الوجود والعدم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة