الأمم كالأشخاص تمر بدورة حياة كاملة من الطفولة إلى الكهولة ومن ثم الشيخوخة.
يقول (صلاح سالم في كتاب تفكيك العقل الأصولي) إن الأمم كالأشخاص تمر بدورة حياة كاملة من الطفولة إلى الكهولة، ومن ثم الشيخوخة، غير أن طفولة الأمم ميلاد سياسي، وشبابها نماء حضاري، وكهولتها نضج قومي، فيما شيخوخة الأمم تدهور في القوة والمدنية معاً، ففي طفولتها على سبيل المثال تكون الأمم بريئة مثل طفل، ترغب في التعلم من المحيطين بها دون أحقاد عليهم، أو عقد نفسية نحوهم، فالآخرون بالنسبة لها معلمون ورواد آباء كانوا أو غرباء.
وكذلك الحال ينطبق على الدول وليست فقط على الأمم الكبيرة، وبالتالي فعندما ننظر إلى حالة الولادة القطرية نجد أنها لم تكن مرحلة طبيعية، فالإمارة القطرية ما بعد مرحلة الاستقلال التي كانت هي البداية الفعلية للحكم القطري بعد عقود طويلة من التبعية للقوى الخارجية، نجد أن العقلية القطرية لم تتعامل مع الحكم الفعلي بعقلية التدرج، وإنما سعت الدوحة للقفز على مراحل الولادة السياسية الطبيعية إلى محاولة مناطحة ومناكفة الدول الكبرى في المنطقة ومحاولة التآمر على هذه الدول، وبالتالي فإن الدوحة اليوم ما بعد العزلة التي تعيشها هي مثل الدولة الشيخوخة التي أصبحت تعيش حالة من التدهور في القوة والمدنية معاً، وبالتالي أصبحت عاجزة سياسياً واقتصادياً، حتى عن توفير أبسط مقومات تأمين الحياة الطبيعية للشعب القطري وهو تأمين الفشل في مسألة الأمن الغذائي، حيث تعاني الدوحة منذ المقاطعة شح في المخزون الغذائي وصل إلى ذروته مع تفشي فيروس كورونا، والذي قاد إلى تعطل النشاط الاقتصادي.
أول "ملامح طريق التفكك" في حالة الدولة القطرية هو حالة الانفصال في العلاقة ما بين القيادة السياسية والشعب القطري.
وبالتالي فإن حالة الشيخوخة التي تعيشها قطر مقارنة بعمر الإمارة القطرية الصغيرة، نجد أن هذا الأمر ليس بالأمر الطبيعي؛ لأن ما تعيشه قطر هي شيخوخة سياسية مبكرة، وهو بالتالي ما يضع قطر أمام مرحلة من التفكك ربما يقود إلى الإسراع في الدخول في هذه المرحلة هي الإحساس الشعبي القطري أن النظام القطري الذي فشل في حل أزمته والعزلة التي يعيشها فشل أيضاً في التصرف كدولة طبيعية تضع أولويات شعبها ومطالبه كجزء رئيسي من اهتماماتها، لم يتوقف عند هذا الحد بل ذهب إلى تبني حالة من الانفصال ما بين القيادة السياسية والشعب القطري.
لعل أول "ملامح طريق التفكك" في حالة الدولة القطرية هو حالة الانفصال في العلاقة ما بين القيادة السياسية والشعب القطري، ربما هذا ما كشفت عنه أزمة فيروس كورونا التي أظهرت غياب الاهتمام من قبل القيادة السياسية التي بدت غائبة عن المشهد تجاه الشعب القطري، والتي كانت أزمة كورونا هي بلا شك اختبار حقيقي لمدى عمق العلاقة بين القيادة السياسية وبين الشعب والتي أظهرت دول عدة أن تكون قيادتها السياسية قريبة جداً من الشعب تخاطبه وتضع في الصورة وتعمل على الشد على عزيمته وتعمل على تقوية روح الإيمان فيه لمواجهة هذا الوباء وهو ما كان امراً غائباً في الحالة القطرية.
وبالتالي فإن حالة الطلاق بين القيادة السياسية والشعب القطري في ظل استمرارية النظام القطري على أن ينتهج مسكاً بعيداً عن مسلك الاهتمام السياسي بأهم عناصر الدولة وهو الشعب، مؤشر يعكس بالتالي العبث السياسي القطري بأهم عناصر استمرارية الدولة وهو العلاقة بين الحاكم والمحكومين، فهذا لإصرار من قبل النظام القطري على عدم احترام "العقد الاجتماعي" الذي يعد الهدف من ورائه هو إيجاد المعادلة الموضوعية بين الحاكم والمحكومين، سيترتب على ذلك خلق حالة من عدم الثقة لدى الشعب تجاه القيادة السياسية وهو بالتالي ما سوف يقود لانفراط "العقد الاجتماعي في قطر".
حالة التفكك التي تسير الدولة القطرية في طريقها هي تأتي في ظل وجود قرارات خاطئة اتخذها النظام القطري بتمكين الإيرانيين والأتراك من الدوحة عسكرياً، وهذا بلا لاشك فإن هذه القوى الإقليمية ذات الأطماع التوعية التي تمت شرعنة وجودها في قطر من قبل النظام القطري لن تقف مكتوفة الأيدي بقدر ما سوف تفتح شهية "تركيا وإيران لابتلاع الدوحة" إذا ما ظهرت بوادر التفكك بصورة متصاعدة والتي تعيش إمارة قطر اليوم ملامح هذه المرحلة التفككية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة