لذلك ستستمر معاناة الاقتصاد القطري، وبالأخص الخطوط القطرية
مُنيت الخطوط الجوية القطرية بخسائر كبيرة خلال السنة المالية المنصرمة، والتي انتهت في 31 مارس الماضي، كما ذكر الرئيس التنفيذي للشركة «أكبر الباكر» في معرض «أوراسيا للطيران»، والذي أُقيم في مدينة أنطاليا بتركيا الأسبوع الماضي، حيث أرجع الباكر السبب في ذلك إلى المقاطعة الخليجية والعربية لقطر، والتي حرمت الخطوط القطرية من تشغيل رحلاتها لـ18 مدينة في الإمارات والسعودية والبحرين ومصر.
ومع أن الرئيس التنفيذي لم يذكر أرقاماً محددة لهذه الخسائر، إلا أنه يتوقع أن تشكل انتكاسة للشركة، والتي حققت أرباحاً تقدر بنحو 541 مليون دولار في العام الذي سبق المقاطعة، مما يشكل دليلاً على فعالية هذه المقاطعة التي تكابر الدوحة في عدم جدواها، والتي ساهمت في تدهور قطاعات اقتصادية أخرى مهمة، كالقطاع الصناعي والعقاري وسوق الأوراق المالية، والتي سجلت أكبر انخفاض عالمي بين بورصات العالم خلال العام الماضي، كما طالت وسائل إعلامها، إذ هدد العاملون في قناة «الجزيرة» الناطقة باللغة الإنجليزية بتنفيذ إضراب عام في لندن بداية يونيو المقبل للمطالبة بحقوقهم.
ستستمر معاناة الاقتصاد القطري، وبالأخص الخطوط القطرية التي يتوقع أن تعلن خسائرها بصورة رسمية خلال شهرين من الآن، وذلك برغم قدرة الدوحة على التغطية على تلك العيوب، وتحمل العواقب حتى الآن بفضل احتياطاتها المالية، والتي ستصاب هي أيضاً بانتكاسة كبيرة إذا ما استمرت المقاطعة.
لنبقى في أزمة الخطوط القطرية وخسائرها التي ستستمر باستمرار المقاطعة، حيث حاولت الشركة منذ بداية الأزمة التقليل من هذه الخسائر، سواء بتأجير عدد من طائراتها للخطوط الجوية البريطانية أو بإعادة جدولة رحلاتها، لكن الأزمة أكبر من ذلك بكثير، فالشركة فقدت ملايين المسافرين بعد إغلاق 18 مطاراً أمامها، وبالأخص في السعودية والإمارات، حيث كانت الخطوط القطرية نشطة من خلال نقل «الترانزيت» للمسافرين والشحن الجوي على حد سواء، مما يعني أن معظم الأرباح التي حققتها الشركة في الأعوام التي سبقت المقاطعة جاءت من البلدان الأربعة بصورة أساسية.
وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الحكمة من افتعال المشاكل وتمويل منظمات معارضة وتأليب الرأي العام في دول المقاطعة وغيرها من الدول؟ إن ذلك يشبه إلى حد بعيد الشخص الذي يعمل في مؤسسة ويحصل على دخله منها، لكنه يحاول تخريب منشآتها، مدمِّراً بهذا العمل نفسه بعد اكتشاف مسؤولي المؤسسة محاولاته وطرده من العمل.
حدث ذلك نتيجة للمزج بين الأيديولوجيا والمصالح من خلال أدلجة الاقتصاد، وهي سياسة ثبت فشلها في أكثر من مكان بالعالم، فالنظام القطري التزم بفكر «الإخوان المسلمين» وعمل على الترويج لهذا الحزب مستغلاً قدراته المالية والإعلامية، لكن مثل هذا التوجه لا يستقيم ومبدأ المصالح، فالاقتصاد لا يحتمل الأدلجة، بل إنها أشد أعدائه، خصوصاً أن ذلك لم يتح بديلاً للأطراف التي يرتبط معها بمصالح مشتركة، ففقدان قطر لمطارات الدول الأربع لم تعوضه مدن حلفائها الجدد، بمن فيهم حليفها الإيراني القديم، والذي حاول توفير مسارات بديلة لرحلات الخطوط الجوية القطرية، لكنها زادت الطين بلة بسبب زيادة التكاليف، كما أن المدن والمطارات الإيرانية لا تتمتع بالكفاءة ومستويات الخدمات الراقية للمطارات الخليجية ولا بعدد المسافرين، فالمستويات المعيشية في إيران متدنية للغاية وبالكاد يلبي الإيرانيون قوتهم اليومي، كما لا تضم سوق العمل هناك عمالة أجنبية لرحلات «الترانزيت»، إذ ترتفع نسب البطالة لتتجاوز 30% بين الإيرانيين أنفسهم.
لذلك ستستمر معاناة الاقتصاد القطري، وبالأخص الخطوط القطرية التي يتوقع أن تعلن خسائرها بصورة رسمية خلال شهرين من الآن، وذلك برغم قدرة الدوحة على التغطية على تلك العيوب وتحمل العواقب حتى الآن بفضل احتياطاتها المالية، والتي ستصاب هي أيضاً بانتكاسة كبيرة إذا ما استمرت المقاطعة، مما يتطلب أولاً وقبل كل شيء إنهاء أدلجة الاقتصاد القطري ووقف تمويل المنظمات الخارجية وعمليات التخريب والعودة للحضن الخليجي، وهو المكان الطبيعي لقطر الذي يعبِّر عن مصالح الشعب القطري الذي يشكل أحد مكونات البيت الخليجي الساعي للتكامل والبناء الموحد ضمن المصالح المشتركة لدوله.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة