العديد من الضالعين في دراسة وتتبع سوق النفط العالمية يتوقعون امتداد حالة التقلب وعدم الاستقرار في الأسعار خلال الفترة المقبلة.
أدى قرار الرئيس الأمريكي بسحب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران وعودة فرض العقوبات الاقتصادية عليها إلى حالة من عدم الاستقرار في الأسواق عكسته تقلبات واسعة وفورية في الأسعار، فقد انخفض سعر برميل النفط من نوع برنت بمقدار 2% يوم الثلاثاء الماضي قبيل صدور القرار، ليعود للارتفاع بمقدار 3% في اليوم التالي.
ويتوقع العديد من الضالعين في دراسة وتتبع سوق النفط العالمي امتداد حالة التقلب وعدم الاستقرار في الأسعار خلال الفترة المقبلة.
ويدفع نحو هذه الحالة المذكورة العديد من العوامل والتطورات التي تمر بها الأسواق، ربما يأتي على رأسها ما يلي:
أولا: الطول النسبي للمدى الزمني الذي ستصبح عنده العقوبات سارية على قطاع النفط والغاز الإيراني والشركات الأجنبية العاملة فيه. فحسب تصريحات وزير الخزانة الأمريكي ستصبح العقوبات سارية بكاملها، بل ربما تضاف إليها عقوبات جديدة بعد الرابع من نوفمبر المقبل. ومن العوامل التي تدفع لعدم اليقين في هذا المجال إشارة العديد من البلدان المستوردة للنفط الإيراني مثل كوريا الجنوبية واليابان، وأنها ستطلب من الولايات المتحدة إعفاءها من انطباق العقوبات عليها بحكم أن وارداتها الحالية من النفط الإيراني أقل مما كانت تستورده قبل رفع العقوبات عنها في يناير 2016. وأيضاً إشارة البعض إلى أن الشركات الغربية الكبرى مثل شركة توتال الفرنسية قد تطالب باستمرار عملها في المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي للغاز، بحكم أن الاتفاق بينها وبين طهران باستثمار مليار دولار في هذا المشروع تمت في يونيو الماضي، حينما كان الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني ما زال قائماً بالنسبة للجميع. ويشير البعض هنا إلى سابقة إعفاء الشركة الفرنسية من عقوبات فرضتها واشنطن على طهران في منتصف التسعينيات من القرن الماضي للسبب ذاته.
يبدو أن مهمة تهدئة الأسواق ستكون المهمة الأولى أمام الأوبك والمنتجين الآخرين المتحالفين معها خلال الأيام والأسابيع المقبلة. وحسناً فعل عدد من المسؤولين في بلدان أعضاء في الأوبك إعلان عزم بلادهم العمل مع كبار المنتجين، لتعويض أي نقص في إمدادات النفط.
أضف إلى ذلك أن الصين تُعد المستورد الأكبر للنفط الإيراني، حيث تستورد نحو 650 ألف برميل يومياً من النفط الخام والمتكثفات، والصين كانت طرفاً في اتفاق 5+1 وهي كبقية الأطراف فيما عدا الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بالاتفاق، ومن ثم فالاحتمال الغالب هو استمرار وارداتها على ما هي عليه. ثم تأتي الهند بعد الصين بواردات بلغت نحو 500 ألف برميل يومياً من إيران، ومن غير المعروف رد الفعل الهندي على القرار الأمريكي حتى اللحظة.
ثانيا: هناك حالة من التباين الكبير في التوقعات حول مدى الخفض الذي سيحدث في صادرات النفط الإيرانية تحت تأثير العقوبات. فيراهن البعض على أن الإنتاج الإيراني لن يتأثر قريباً بحكم أن هناك فترة تصل إلى ستة أشهر قبل تطبيق العقوبات، بل إن البعض يشير إلى أن إيران قد تزيد في الواقع من إنتاجها وصادراتها ما أمكنها ذلك خلال الفترة المقبلة كما فعلت بالفعل قبل فرض العقوبات عليها عام 2012. بينما يتوقع البعض الآخر انخفاض الصادرات الإيرانية بمقدار يتراوح بين 200 ألف إلى 500 ألف برميل في العام الحالي، قد ترتفع خلال العام المقبل إلى نحو مليون برميل يومياً.
ثالثا: يترتب على ما سبق توفر حالة من عدم اليقين والتفاوت الواسع في التقديرات والتوقعات، خاصة بشأن الأسعار، وهو ما يشكل ظرفاً نموذجياً لاشتداد حمى المضاربة. وفي هذه الظروف يسعى بعض الأفراد والمؤسسات والكثير منهم ممن لا يمتلكون أي خبرات حقيقية في سوق النفط لمحاولة تحقيق أرباح غير عادية في فترة زمنية قصيرة، وعلى حين يلعب المضاربون أصحاب الخبرة في سوق النفط إلى جانب المتعاملين فيه دوراً في تهدئة حدة التقلبات في الأحوال العادية، ترتفع حدة تقلب الأسعار نتيجة لتدخل المضاربين غير المحترفين في الأحوال غير العادية مثل تلك التي يوفرها حالياً الانسحاب الأمريكي من اتفاق 5+1 مع إيران.
رابعا: تظهر البيانات الحديثة انخفاضاً كبيراً في المخزون العالمي من النفط الخام، حيث لم يعد هذا المخزون يزيد على متوسط الخمسة أعوام الأخيرة سوى نحو 30 مليون برميل فقط. ومع معدل سحب من هذا المخزون يبلغ نحو 600 ألف برميل في المتوسط يومياً، يصبح الوصول إلى المتوسط الذي تستند إليه خطة خفض الإنتاج التي تبنتها الأوبك وحلفاؤها أمامه نحو خمسين يوماً فقط، وربما أقل. ويعني ذلك أن اجتماع الأوبك خلال شهر يونيو المقبل ينبغي أن يعلن موقفاً واضحاً مما إذا كان سيتم تمديد التعاون بين أوبك وحلفائها إلى ما بعد نهاية عام 2018 كما هو متفق عليه أم لا؟ وبالتالي يكثف هذا العامل بدوره من حالة عدم اليقين حول مستوى المعروض النفطي خلال الفترة المقبلة، لاسيما خلال العام المقبل.
ونتيجة لجميع العوامل السابقة يبدو أن مهمة تهدئة الأسواق ستكون المهمة الأولى أمام الأوبك والمنتجين الآخرين المتحالفين معها خلال الأيام والأسابيع المقبلة. وحسناً فعل عدد من المسؤولين في بلدان أعضاء في الأوبك إعلان عزم بلادهم العمل مع كبار المنتجين لتعويض أي نقص في إمدادات النفط. فمهمة الأوبك الأساسية تبقى هي كما صرح وزير الطاقة الإماراتي "ضمان استقرار أسواق النفط من أجل توفير إمدادات بترولية منتظمة واقتصادية وذات كفاءة للمستهلكين، ودخل منتظم للمنتجين، وعائد على رأس المال بالنسبة لمن يستثمرون في صناعة البترول".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة