قطر.. "دوحة الفتنة" في المنطقة العربية
اجتهدت الآلة الإعلامية القطرية في خلق انطباع بأن الدوحة عاصمة المظلومين على وجه الأرض، ولكن هل هي حقا دوحة المظلومين أم دوحة الفتنة؟
"الشجرة العظيمة المتشبعة ذات الفروع الممتدة".. هذا هو معنى اسم العاصمة القطرية الدوحة في القواميس اللغوية، وهو يحمل بلا شك دلالات إيجابية ترتبط بالخير والنماء والبركة، فهل استطاعت السياسات القطرية أن تجعل للعاصمة من اسمها نصيبا.
اجتهدت الآلة الإعلامية القطرية في خلق انطباع بأن الدوحة عاصمة المظلومين على وجه الأرض، وهو الوصف الذي استخدمه بعض رموز جماعة الإخوان في هاشتقات تم تدشينها لمواجهة الرفض العربي لتصريحات أمير قطر، ولكن هل هي حقا دوحة المظلومين أم دوحة الفتنة؟
المتابع للسياسة الخارجية القطرية سيجد أنها تبحث دوما عن الشخصيات المثيرة للجدل، والتي يكتنف مواقفها كثير من الريبة والشك، ليكونوا على أرضها تحت غطاء أنها توفر لهم الحماية من الظلم، ولكن الحقيقة التي تتكشف يوما بعد آخر أن تلك الشخصيات أدوات لزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، وهي تحب أن تكون تلك الأدوات تحت سيطرتها.
سيقفز إلى الذهن فورا عند الحديث في هذا الأمر، استضافة الدوحة لرموز جماعة الإخوان الإرهابية الفارّين من مصر بدءا من يوسف القرضاوي وعبد الرحمن البر وأيمن عبد الغني وجمال حشمت ومحمود عزت وصلاح عبد المقصود، وغيرهم، ولكن الحقيقة أن هذه السياسة القطرية لا تقتصر فقط على هذه الجماعة ورموزها فقط، فأينما وجدت أدوات زعزعه الاستقرار، ستجد التاجر القطري الذي يدفع لها لتقيم في دوحة الفتنة.
والأمثلة في هذا الإطار لا حصر لها، فالرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، والذي وصل إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري، قبل أن يتذوق نفس الكأس ويترك الحكم بانقلاب عسكري أيضا، لم يجد غير دوحة الفتنة كي يقيم فيها، بعد شهور قضاها بين النيجر وجامبيا.
ولأن السياسة القطرية لا تعرف المبادئ وتلهث دوما نحو امتلاك أدوات التوتر والقلق، ستجد أن ولد الطايع اتخذ طوال فترات حكمه الممتدة منذ عام 1984 إلى 3 أغسطس 2005 مواقفا تبدو شديدة التعارض مع ما تحاول قطر أن تصدره للعالم عنها.
فالدولة التي تقدم نفسها على أنها ملاذ المظلومين على وجه الأرض، هي ذاتها التي استضافت ولد الطايع، الذي حظر أحزاب المعارضة بشكل كامل وأقر دستورا جديدا زاد من صلاحياته بشكل كبير عام ١٩٩١، وعلى الرغم من أن موريتانيا لم تكن دولة ديمقراطية منذ استقلالها فإن "هامش الديمقراطية" كان أكثر اتساعا قبل وصوله إلى الحكم.
هذا التناقض يبدو أنه أسلوب حياة في قطر، وهو ما ظهر في تصريحات أمير قطر الأخيرة، والتي وصف فيها حركة حماس بأنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، لكن ذلك لم يمنعه من الاعتراف في التصريحات ذاتها بإقامة علاقات مع إسرائيل، العدو اللدود لحماس.
ويقودنا ذلك مجددا إلى البحث في أسباب اختيار خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس، قطر كمكان لإقامته، بعد أن غادر سوريا، مقره السابق بعد اندلاع الاحتجاجات بها مطلع 2011.
فإذا كان لإقامته في سوريا مبرر، وهو أن نظام بشار الأسد، كان يجاهر ولو ظاهريا بعداء إسرائيل، فإن ما أثار الجدل هو اختياره قطر التي تقيم علاقات قوية مع إسرائيل، والتفسير المنطقي لذلك أن دوحة الفتنة لوّحت له بالدعم المادي، كي ينضم إلى اقرانه من رموز الفتنة المقيمين على أرضها، ليكونوا منصة لزعزعة الاستقرار في العالم العربي.