أيها القطريون: ادعوا ربكم أن يخلصكم من هذه الورطة، حتى يتدخل من ينقذكم من هذا النظام الذي يجثم على صدوركم.
لو كنت قطريا لطلبت من الله أن يتم سحب مشروع تنظيم كأس العالم عام 2022 من قطر، فهذه المناسبة هي بكل ما تحمله الكلمة أكبر من قطر، الدولة الصغيرة جغرافياً وديموغرافياً التي ليس فيها إلا مدينة واحدة فقط لا غير، يفترض أنها ستستضيف 48 فريقا مشاركا في تلك الدورة، وتستوعب فنادقها أفراد الفرق المشاركة، إضافة إلى عشرات الآلاف وربما أكثر من المشجعين الذين سيتقاطرون عليها من كل حدب وصوب، الأمر الذي يجعل قدرتها على توفير متطلبات فعاليات هذه البطولة شبه مستحيلة، إذا لم تكن مستحيلة بالفعل. وأخطر ما أقدمت عليه حكومة الحمدين أنها دفعت بالأمير تميم لتوقيع اتفاقية مع تركيا، يقوم بموجبها الأتراك بانتداب فرق أمنية لتولي مهام الأمن والتنظيم.
قرار الحمدين بإسناد المهام الأمنية للبطولة إلى الأتراك قرار مندفع ومتعجل ولم يُمحّص جيدا، فقطر بالنسبة للأتراك، ولمشروعهم بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا، ولن يفرط فيها أردوغان مستقبلا، وسيبقى الترك مستقبلا في قطر
وقرار كهذا هو قرار متعجل وخطير، فوجود الأتراك سيجعلهم بلا أي شك، يستغلون هذه الفرصة لابتزاز القطريين حتى آخر رمق، بالشكل الذي من شأنه تمويل اقتصادهم المتهالك، الذي يتردى يوما بعد يوم، وفي السياسة دائما وأبدا يجب أن تستثمر الفرص المتاحة بحدها الأقصى، وغني عن القول إن الرئيس أردوغان سياسي براغماتي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وليس لدي أدنى شك أنه سيجد في (تورط) قطر بتنظيم هذه البطولة فرصة سانحة لا تعوض ليمتص من هذا الكنز ما يستطيع، إضافة إلى أنه سيكون بمثابة (المسيطر) على توجيه القرار القطري والثروات القطرية إلى مصلحة تركيا أولا، ولن يستطيع لا الشعب القطري ولا الحكومة القطرية التحكم في القرار، لا سيما أن أردوغان يحلم بأن يعيد دولة السلطنة العثمانية إلى الوجود، وستكون الثروات القطرية بين يديه عملياً لتنفيذ الحلم الذي يحلم أن يُحققه ذات يوم. لذا فأنا أكاد أن أجزم أن قرار الحمدين بإسناد المهام الأمنية للبطولة إلى الأتراك قرار مندفع ومتعجل ولم يُمحّص جيدا، فقطر بالنسبة للأتراك، ولمشروعهم بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا، ولن يفرط فيها أردوغان مستقبلا، وسيبقى الترك مستقبلا في قطر، كما كان أجدادهم في القرن التاسع عشر.
فهذه الاتفاقية التي وقعها أمير قطر معهم هي بمثابة صك احتلال، تماما مثل الاتفاقية التي وقعها بوتين مع بشار الأسد، فأعطت الروس صلاحية مطلقة للتحكم في القرار السوري تحكما شبه كامل، بل أعتقد أن الأتراك سيتحكمون وبسهولة في مجريات القرار الداخلي لقطر، فيدعمون مَن يواكب مصالحهم، ويُقصون من يجدون أن من شأنه الإضرار بهذه المصالح، وبمعنى أدق فإن هذه الاتفاقية الخطيرة مع الأتراك من شأنها أن تحول قطر مستقبلا إلى (محمية) تركية، بلا سيادة، ولا تملك قرارها.
الشيء الوحيد الذي سينقذ قطر من هذا المصير الخطير الذي أقدم عليه تميم هو أن يتم سحب تنظيم البطولة من قطر، لأنها عملياً لا تملك القدرة الفعلية على تنظيمها، وهو -بالمناسبة- أمر محتمل، خاصة أن قطر فازت بتنظيم هذه البطولة بعد أن دفعت من (الرِّشى) ما الله به عليم.
أيها القطريون: ادعوا ربكم أن يخلصكم من هذه الورطة، حتى يتدخل من ينقذكم من هذا النظام الذي يجثم على صدوركم.
إلى اللقاء
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة