فمن الملاحظات الغريبة التي يمكن تسجيلها على المساعي القطرية نحو فك المقاطعة، هي الاستعانة بالنظامين التركي والإيراني
تفرض علينا معطيات الأزمة القطرية التي دخلت يوم الجمعة الماضية 5 يونيو عامها الرابع، إلى طرح تساؤل يتعلق بحقيقة ما يسعى إليه "نظام الحمدين" لمستقبل الشعب القطري قبل التفكير في مستقبل دول المنطقة أو الشعوب العربية.
لأن هناك لغط كبير وضبابية لدى "البعض" من الرأي العام الخليجي والعربي حول فهم ما يفعله هذا النظام من ناحية إدارة أزمته التي يمعن في توريط نفسه فيها أكثر مع مرور الوقت، بسبب اتباع منهج العناد والتعنت في تنفيذ الشروط الـ 13 التي اتفقت عليها الدول الأربع المقاطعة له وهي: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين، ومصر.
فمن الملاحظات الغريبة التي يمكن تسجيلها على المساعي القطرية نحو فك المقاطعة، هي الاستعانة بالنظامين التركي والإيراني باعتبارهما من أدوات الضغط الدبلوماسي على الدول الأربعة للعودة عن قرارها بالمقاطعة
ومن تلك الملاحظات أيضاً، استخدام أسلوب الابتزاز الإعلامي من خلال الاستعانة "بمرتزقة" يغردون ليل نهار في وسائل التواصل الاجتماعي حول قضايا تثير الرأي العام العالمي وتهيجهم ضد الدول التي تطبق عليها المقاطعة، في وقت تحاول فيه الدول العربية وضع حد للنفوذ الإيراني في اليمن، أو التركي في ليبيا من أجل التشويش وتخريب الجهود العربية.
قطر تحولت بفعل عناد "الحمدين" إلى مجرد "وكيل خدمات" لكل من إيران التي لها خلافاتها العميقة مع دول المنطقة، و "عرابا" لأوهام النظام التركي.
في الواقع إن تلك السلوكيات لم تؤدِ سوى إلى زيادة الإضرار بعلاقات نظام "الحمدين" مع محيطه العربي وليس مع الدول الأربعة فقط، لأن أبسط وصف للأسلوب الذي يتبعه أنها تصرفات "صبيانية" ليس لأنها تخرب كل المحاولات لإصلاح العلاقات، ولكن لأنها تدير أزمتها بأزمة أخرى أعقد وأكثر تأزماً.
وهي تصرفات لا ترقى إلى مستوى قرارات استراتيجية لقادة يمثلون شعبا أو دولة لأن النظام القطري يفعل ذلك من باب "إغاظة" الدول العربية المقاطعة لها، مستغلاً في ذلك الخلافات السياسية بين الدول العربية وكل من النظام الإيراني والتركي؛ ما يعني بطريقة عملية أن نظام "الحمدين" لا يبحث عن حلول للأزمة التي وضع نفسه فيها.
وعليه فإن تجاهل ذكرى هذه الأزمة أفضل طريقة لإحيائها لسببين اثنين. السبب الأول: عدم ضياع الوقت واستنزاف الكثير منه في الانشغال بما يفعله "الحمدين" فهناك ملفات لدى دول الأربعة بحاجة إلى كسب أكبر وقت لمناقشة بشكل أعمق؛ فما تم من "نصائح" مع هذا النظام يكفي إن كان يبحث عن حل وإلا فإن طي مرحلته وغلق ملفه أفضل لعله يجد في ذلك عبرة.
السبب الثاني: أن كل أفعال "الحمدين" هي تهديد لمستقبل وجود الدولة القطرية نفسها أي (كيانها) من منطلق أن الاستغناء عن النظامين التركي والإيراني وإخراجهما من قطر شبيه بمن يضع "حبلا على رقبته"، فالأمر ليس بتلك السهولة التي يظنها حمد بن جاسم "مايسترو" هذه الأزمة، وأمامنا أمثلة حية نعيشها ونشهدها في كل من العراق ولبنان وسوريا وليبيا.
قطر تحولت بفعل عناد "الحمدين" إلى مجرد "وكيل خدمات" لكل من إيران التي لها خلافاتها العميقة مع دول المنطقة، و "عرابا" لأوهام النظام التركي في عودة الخلافة العثمانية، وتتمثل تلك الخدمات في: تقديم الدعم اللوجستي إعلامياً من خلال الإساءة إلى صورة الدول المقاطعة لها، والدعم المالي من خلال دفع رواتب التنظيمات الإرهابية والمرتزقة الذين يدافعون عن الطموحات السياسية للنظاميين الإيراني والتركي.
هذا غير أن الدوحة باتت موطئ قدم للوجود التركي في المنطقة، وبالتالي فقرار عودة قطر إلى الصف العربي وفك المقاطعة كونه الهدف النهائي للنظام القطري لم يعد خياراً بيدها بل هو أقرب إلى أن يكون خياراً مستبعداً لأنه يحتاج إلى تضحيات نتمنى ألا تكون كبيرة.
تجارب إخراج إيران وتركيا من دول عربية كبرى بحجم اليمن والعراق والآن ليبيا نتيجتها – كما نرى- تدمير الدولة والمجتمع، فهل يدرك الحمدين ذلك؟!
الأزمة القطرية انتقلت من عناد "الحمدين" في عام 2013 وولدت أزمات في عام 2017 مع أن شروط الحل ومكانه معروف بالنسبة لها، والمشكلة أن استمرار العناد يعمق المشكلة ويعقدها، ويكون الحديث عنها مضيعة للجهد والوقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة