ما حدث في مصر سبق وأن حدث في غيرها، فالإرهاب هو واحد ومصدره واحد وتمويله واضح،
واحدة من أكثر جرائم الإرهاب تلك التي ضربت مصر في بئر العبد بمحافظة سيناء، ونتج عنها استشهاد أكثر من ثلاثمائة مُصلٍّ في يوم الجمعة، عملية إرهابية هي الأكثر إجراماً على الإطلاق، وهي تأتي في تبعات هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا، وتأتي كذلك بعد تصنيف الرباعية العربية (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) لكل من «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» و«المجلس الإسلامي العالمي» ككيانات إرهابية محظور نشاطاتها، ومطلوب كل المنتمين إلى هذه الكيانات بعد سنوات من التكفير للمجتمعات وتأليبها، مما أنتج فِكراً منحرفاً ضرب وما زال يضرب بوحشية الآمنين.
لن تنتهي هذه الموجة من الإرهاب إلا بعمل حقيقي لمواجهته، أولاً ببث روح التسامح في المناهج التعليمية التي لوّثتها أيادي الإخوان المسلمين في كل البلاد العربية، ثانياً استئصال دعاة التحريض في كل منصات الإعلام التقليدي والجديد.
بحسب آخر الإحصائيات فإن ضحايا الإرهاب خلال خمسة أعوام فقط بلغ مائتي ألف إنسان، أكثر من ثمانين ألفاً سقطوا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبلغت الهجمات الإرهابية في الفترة من 2013م وحتى 2017م أكثر من ثلاثين ألف عملية إرهابية، أرقام مفزعة دون شك في ذلك.
لم تأت هذه الأرقام الكبيرة إلا من تمويل قطري لم يتوقف لدعم الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا ومصر واليمن، فمظلة الإخوان المسلمين تحتها الكثير ممن يغدق على هذه التنظيمات والجماعات والأفراد، ويجد عند علماء الإرهاب ما يسوّغ له تهديد الناس ببطش ووحشية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني.
عملت جماعة الإخوان المسلمين مُبكّراً على إصدار الفتاوى التي تُجيز قتل المدنيين بذرائع لها تأصيلها في المنهج الإخواني عبر كتب حسن البنا وسيد قُطب كرواد لهذه الجماعة، تكفير المجتمعات واعتبار دمائها وأموالها مستباحة كانت بذرة شيطانية كبرت واتسع نطاقها كثيراً، غير أنها وبعد انقلاب حمد بن خليفة في قطر، وجدت في الدوحة الأُطر الحامية لها، ووجدت حاضنة سياسية مكنت لجماعة الإخوان المسلمين منذ العام 1997م نشاطات لم تكن تملكها من قبل فتم تأسيس هذا الاتحاد بعد أن تم ترويج فكرة (المرجعية الفقهية) للمذهب السنّي.
يوسف القرضاوي لعب دوراً رئيسياً في هذا المسار، وعملت الجماعة على استقطاب التكفيريين في اليمن ومصر وسوريا وتونس ودول الخليج العربية لتكوين هذه الكيانات التي سخّرت على مدار عقود الفتاوى التكفيرية لتبرير استباحة المدنيين، تماماً كما حدث في صيف 1994م بإصدار الديلمي المنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) فتوى تجيز استباحة المحافظات الجنوبية على اعتبار أن الجنوبيين شيوعيون ماركسيون، وهو ما حدث بالفعل في تلك الحرب التي اُستنسِخت كنموذج لكافة الجماعات الإرهابية، سواء كان تنظيم القاعدة أم داعش أو بوكو حرام أو أنصار الشريعة أو غيرها من الجماعات التكفيرية.
يواجه العالم موجة إرهاب عنيفة مصدرها فِكر ضال، وأتباعها مجرمون وجدوا في هذه الموجة من تخويف الشعوب فرصة ليخرجوا مخزونات سلبية من أمراضهم المسكونة في دواخلهم التعيسة، وعملت الفتاوى دورها في صناعة المسوغات الدينية لتبرير عمليات إرهابية ضربت كل مكان، ولم تترك مكاناً مُحرماً حتى بيوت الله، بل بلغ بهؤلاء أن يهاجموا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك.
ما حدث في مصر سبق وأن حدث في غيرها، فالإرهاب هو واحد ومصدره واحد وتمويله واضح، لن تنتهي هذه الموجة من الإرهاب إلا بعمل حقيقي لمواجهته، أولاً ببث روح التسامح في المناهج التعليمية التي لوّثتها أيادي الإخوان المسلمين في كل البلاد العربية، ثانياً استئصال دعاة التحريض في كل منصات الإعلام التقليدي والجديد، هذان العاملان يجب أن يكونا بقرار سيادي من كل الدول العربية عبر ما نتج عن (قمة الرياض 2017م) وتضييق الخناق على كل جهات تمويل الإرهاب، وعلى رأسها نظام الحكم في قطر الذي بات مسؤولاً عن كل التجاوزات الإعلامية التي حرّضت وما زالت تحرّض على المجتمعات العربية، وما تفعله (قناة الجزيرة) من تحريض على النظام المصري ما هو إلا نموذج يقابله التحريض على دور السعودية والإمارات في اليمن، فكل الخطابات الإعلامية هدفها تأجيج الصراعات التي تخدم المشروع التخريبي لجماعة الإخوان المسلمين.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة