المتناقضات التي طالما لعب على أوتارها النظام القطري وجدت وللأسف من يبرر لها من رموز ثقافية وإعلامية ودينية واجتماعية.
لم تكن تصريحات الشيخ عائض القرني صادمة لأولئك الذين أدركوا خطر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وخبث نهجه في استخدام الدين كسلعة رابحة يخدعون بها السذّج من القوم، ولم تكن تلك الاعترافات بالشيء الجديد لمن فطِن نوايا تلك الخطابات والشعارات الرنانة التي كانت تلامس عواطف المشاهدين عبر منصات قناة الجزيرة وأخواتها من أبواق الفتنة ومنابر التكفير، ولم يكن متخذ القرار السعودي وقبله العربي خافيا عنه ما كان يحاك في غرف الدوحة المظلمة للنيل من الاستقرار والأمان التي تنعم بها أوطاننا ومجتمعاتنا، تلك المخططات التي حيكت لإرضاء غرور شخص كان ولا يزال يعاني من عقدة النقص والدونية بسبب ما يحظى به جيرانه من أمن واستقرار وثروات ونفوذ واحترام، وولاء متبادل بين حكام تلك الدول وشعوبها.
الخطوة الشجاعة التي بادر بها الشيخ عائض القرني ستعقبها خطوات أخرى أكثر شجاعة من إعلاميين ورياضيين وأكاديميين وفنّانين وشيوخ دين عرب وخليجيين تمّت مساومتهم من حمد بن خليفة ونظامه لكي يكونوا أداة يستخدمها لفك عقدة النقص التي يعاني منها تجاه دول وشعوب تفوقه علما وتاريخا وحضارة ورقيّا
عقدان منذ انقلاب حمد بن خليفة، لم يترك فيهما وسيلة إلا استخدمها في تحريض الشعوب على حكامها، وها هي الأحداث تسترجع شريط الذكريات من جديد، ليراجع الجميع علاقته بنظام الدوحة ومنصاته الإعلامية والفكرية والتعليمية والرياضية والفنية، وقبلهم جميعا بلا شك المنابر الدينية، تلك الأدوات التي وظفها تنظيم الحمدين لضرب الأوطان بذخيرة من أبنائها بعلم منهم أو دون علم، فكم من مصري ظهر على قناة الجزيرة بصفة الناشط الحقوقي الذي ينتقد الأوضاع السياسية في وطنه ظنا منه أنه يحسن صنعا، ولكن لم يدرك أنه يخدم توجهات ذاك النظام الذي يرى في مصر وشعبها ألد الأعداء إذا ما تعلق الأمر فقط بمنح "فيزا سياحية"؟
وكم من أكاديمي فلسطيني شارك في مؤتمرات استضافتها الدوحة ليوزع اتهامات العمالة والخيانة لابن وطنه بذريعة التفاوض والاتفاق مع إسرائيل، بينما كان قادة حماس المدعومون من تنظيم الحمدين يجاورون الإسرائيليين في فنادق الدوحة وقصورها، وكم من محلل رياضي جزائري أفردت له المساحة في قنوات الرياضة القطرية لتهييج الشباب ضد أوطانهم بسبب خسارة مباراة أو عدم التأهل لبطولة، في حين لم يذق منتخب قطر نفسه طعم التأهل لكأس العالم حتى الآن.
إن المتناقضات التي طالما لعب على أوتارها النظام القطري وجدت وللأسف من يبرر لها من رموز ثقافية وإعلامية ودينية واجتماعية، تم شراء ذممها لهذا الغرض، فكيف يمكن أن نفسّر تهجم ذلك المحلل الرياضي على دولة عربية لاستضافتها فريقا إسرائيليا في بطولة عالمية، وغضه الطرف بعد أسبوعين عن عزف السلام الوطني الإسرائيلي في الدوحة في بطولة رياضية مشابهة؟ وكيف يمكن أن نفسّر تحريم ذلك الداعية لتنظيم أوبريت موسيقي للاحتفاء باليوم الوطني لدولة عربية وتجاهله الحفلات الماجنة التي تغص بها فنادق الدوحة ومنتجعاتها؟ وكيف نفسّر استماتة ذلك الناشط الخليجي الذي يصدح ليل نهار في التحذير من خطر المليشيات الطائفية الإيرانية على العرب ويبرّر في الوقت ذاته لنظام الدوحة تقاربه مع نظام الملالي في إيران "الشريفة"؟ لا بل وصلت به الوقاحة بأن يطالب الحكومات العربية أن تقتدي بالديمقراطية الإيرانية وتتعلم منها.
رغم الألم الذي يعتصر قلوبنا على ما آل إليه حال شريحة من الشباب العربي الذي خُدع بتلك الشعارات الزائفة والمزايدات التافهة، فإن الأمل كبير باستعادة هذا الجيل للوعي مجددا بعد أن تكشّف له زيف تلك الادعاءات وخطر جماعات الإسلام السياسي، والأهم قبل ذلك كلّه مدى حقد نظام الحمدين على الدول والشعوب العربية.
يحدونا التفاؤل الكبير بأن الخطوة الشجاعة التي بادر بها الشيخ عائض القرني ستعقبها خطوات أخرى أكثر شجاعة من إعلاميين ورياضيين وأكاديميين وفنّانين وشيوخ دين عرب وخليجيين تمّت مساومتهم من حمد بن خليفة ونظامه لكي يكونوا أداة يستخدمها لفك عقدة النقص التي يعاني منها تجاه دول وشعوب تفوقه علما وتاريخا وحضارة ورقيّا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة