لم تكتفِ تركيا بقاعدة "طارق بن زياد" في الدوحة، بل تسعى في الخريف إلى افتتاح قاعدة عسكرية أكبر وزيادة عدد قواتها
لم تكتفِ تركيا بقاعدة "طارق بن زياد" في الدوحة، بل تسعى في الخريف إلى افتتاح قاعدة عسكرية أكبر، وزيادة عدد قواتها الموجودة في الأراضي القطرية، لا يوجد هناك دواعٍ وضرورات لمثل هذه القاعدة العسكرية والثانية في بلد يعج بالقواعد العسكرية، وبمساحة صغيرة جداً، ولا يواجه تهديدات أو تحديات أمنية، ومن ثم فإن الغرض التركي من هذه القاعدة لا علاقة له بدوافع أمنية أو تحديات أو تهديدات تواجهها الإمارة الصغيرة.
هذا ما سوف يعيده التاريخ مع أمير قطر الحالي، الذي يعمل على صياغة رؤية قطر المستقبلية القائمة على العودة إلى الخلف ما يقارب الـ100 عام، بدلاً من أن يساير التطور الحاصل في المنطقة، بل يرهن سيادة قطر ويدخل في التبعية للمشروع العثماني الجديد
وإذا نظرنا للأزمة التي تعيشها قطر بالمقاطعة الرباعية نجد أنها "أزمة سياسية بحتة"، فلا يوجد هناك بعد عسكري لهذه الأزمة، ولا يوجد لدى الدول المقاطعة أطماع توسعية، بل إن الحل تمتلكه الدوحة التي وجب عليها أن توافق على المطالب المشروعة التي قدمتها الدول الأربعة.
لا بد لنا أن ننظر للوجود العسكري التركي من خلال الخلفية الفكرية لحزب العدالة والتنمية، فهذا الحزب منذ أن وصل للحكم في تركيا وهو لا يخفي مشروعه العثماني؛ الذي يرى أن الجمهورية التركية تمثل امتدادا للإمبراطورية العثمانية، ولذلك لم يتوقف أردوغان عن استخدام مصطلح "نحن أحفاد العثمانيين" في معظم خطبه السياسية.
وبالعودة إلى كتاب "العمق الاستراتيجي" لأحمد داوود أوغلوا نجد أن السياسة الخارجية التركية لا تنظر لمنطقة الشرق الأوسط إلا من منظور العامل التاريخي، ومن ثم فإن مشروع العدالة والتنمية في تركيا منذ أن وصل للسلطة وهو يحاول صياغة سياسة خارجية قائمة على الإرث العثماني، نتيجة لذلك فهو لا يختلف عن المشروع الإيراني التوسعي.
من هنا يتضح للمشاهد والمراقب أن الوجود العسكري التركي في قطر لا يمكن النظر له إلا من خلال مشروع العدالة والتنمية "المشروع العثماني التوسعي"، وأن التوسع التركي في إقامة قاعدة عسكرية ثانية في الدوحة وزيادة عدد قواتها -في ظل غياب الضرورات وغياب التحديات وغياب التهديدات الأمنية التي قد تواجهها قطر- لا يمكن ينـظر له إلا من خلال منظور ترسيخ الاستعمار العثماني الجديد في قطر.
ربما ما يدعم هذه النظرة هو عدم وجود مدة زمنية محددة لهذا الوجود العسكري التركي في قطر؛ حيث إن الاتفاقية العسكرية السرية بين تركيا وقطر، من بين النصوص الذي وافق عليها البرلمان التركي 9 يونيو 2017، هو عدم تحديد المدة الزمنية المتعلقة بمهمة القوات التركية في قطر، ولا كم من الوقت ستبقى هناك، حيث تنص المادة الأولى من الاتفاق على "الوجود طويل الأمد".
وبالنظر إلى بقية نصوص الاتفاقية نجد أننا أمام ملامح "احتلال" وليس أمام "اتفاق تعاون عسكري"، وهو ما يعكس النظرة التركية تجاه قطر التي تحاول التعامل معها من منظور "دولة تابعة لها"، وربما ما يؤكد ذلك النظرة الدونية التركية للقطريين، والتي تتمثل من خلال إلزام قطر بتقديم قائمة طويلة جداً من الخدمات المجانية للجنود الأتراك، مما لم يسبق أن وافقت عليه أية دولة. وتتنوع هذه الخدمات ما بين تأمين السيارات والوقود والصيانة ووصولاً لإلزام القطريين بتنظيف المنازل والمباني التي يقيم فيها الأتراك وجمع أكياس القمامة التي يخلفونها وراءهم في الشوارع.
أمام هذا الاستعمار العثماني الجديد المغلف بغلاف التعاون العسكري بين قطر وتركيا، لم يتعلم النظام القطري من دروس الماضي، عندما وافق الشيخ قاسم آل ثاني على الدخول في التبعية العثمانية ورفع علمهم فوق قصره، فكانت النتيجة أنهم سعوا لإضعاف سلطة قاسم آل ثاني والتضييق عليه حتى سعى لتقديم استقالته ومغادرة الدوحة.
وهذا ما سوف يعيده التاريخ مع أمير قطر الحالي، الذي يعمل على صياغة رؤية قطر المستقبلية القائمة على العودة إلى الخلف ما يقارب الـ100 عام بدلاً من أن يساير التطور الحاصل في المنطقة، بل يرهن سيادة قطر ويدخل في التبعية للمشروع العثماني الجديد والتوسعي، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب أردوغان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة