ولسببٍ غير معروف وبعد كل هذه الأحداث، قرر رئيس تشاد إدريس ديبي، مطلع العام الحالي، إحياء الاقتصاد في منطقة تيبستي الغنية بالذهب
عندما قررت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات ومصر قطع العلاقات مع قطر في يونيو/حزيران 2017، لم تواجه تشاد صعوبة تذكر في الانضمام لتلك الدول، لأن قطر تعاونت مع المعارضة التشادية لدرجة أنه في 2 أغسطس/آب 2017، نقلت قطر 143 مركبة عبر ليبيا بمساعدة مليشيات مصراتة لصالح حركة التمرد التشادية، اتحاد قوى المقاومة التي يتزعمها، تيمان أرديمي.
وبدأ استياء الرئيس التشادي إدريس ديبي، من قطر مع اندلاع نزاع دارفور والحرب الأهلية التشادية الأخيرة بين عامي 2005 و2010. وكانت تشاد تتعرض للهجوم باستمرار من السودان حليفة قطر التي كانت تُحظيها حينها بدعمٍ مالي سخي. كل هذه الوقائع دفعت تشاد إلى إعلان إغلاق سفارة قطر في نجامينا.
بعد عام 2010، عاد بعض الدفء للعلاقات السودانية-التشادية ورفض كلا البلدين منح اللجوء لقادة المتمردين لديهما. وفي عام 2011، طرد السودان زعيم اتحاد قوى المقاومة، تيمان إرديمي. ولم يدم ذلك الود كثيرا بعد تقديم قطر سنة 2017 الدعم للمتمردين التشاديين في ليبيا، فضلاً عن استضافة زعيمهم، تيمان إرديمي، في الدوحة.
وأفادت تقارير المخابرات التشادية (النادرة جدا) في عام 2017 بمحاولة تمرّد وانقلاب في البلاد. وبالنظر إلى أن قطر موّلت واحتضنت في بلدها زعيم التمرد، تيمان إرديمي، لم يتطلب الأمر كثيرا من التخمين لمعرفة من يقف خلف هذا التمرّد. وأجبرت هذه الخطوة تشاد على سحب قواتها من نيجيريا، التي كانت تحارب بوكو حرام، لإرسالها إلى شمال البلاد، ووصل الأمر إلى درجة تدخّل القوة الجوية الفرنسية الموجودة في نجامينا بقصف قوافل المتمردين في الشمال.
ولسببٍ غير معروف، وبعد كل هذه الأحداث، قرر رئيس تشاد إدريس ديبي، مطلع العام الحالي إحياء الاقتصاد في منطقة تيبستي الغنية بالذهب والواقعة في أقصى شمال غربي البلاد على الحدود مع ليبيا في الشمال والنيجر في الغرب، والمعروفة تقليديا بأنها منطقة تمرّد
بعد فقدان قطر وشريكتها تركيا نفوذهما في مصر وليبيا وتونس والجزائر، أجبرهما ذلك على التركيز على الخط الثاني لدول شمال أفريقيا. وتعارض إريتريا تحركات قطر في أفريقيا. السودان هو الآخر شهد تغيير حكومته، ما يعني تخلّيه عن دعم قطر. وكانت تشاد هي الدولة التالية في القائمة، لكن يبدو أن قطر وتركيا قد غيّرتا استراتيجيتهما من دعم المعارضة إلى تعزيز التبادل التجاري.
ولسببٍ غير معروف، وبعد كل هذه الأحداث، قرر رئيس تشاد إدريس ديبي، مطلع العام الحالي إحياء الاقتصاد في منطقة تيبستي الغنية بالذهب والواقعة في أقصى شمال غربي البلاد على الحدود مع ليبيا في الشمال والنيجر في الغرب، والمعروفة تقليديا بأنها منطقة تمرّد.
في 2 مارس/آذار الجاري، اجتمعت السلطات التشادية في مسكي (تيبستي) مع زعيم قبيلة التبو للاتفاق على استخراج الموارد التي سيُشرف عليها عبدالكريم ديبي، نجل الرئيس التشادي الذي عُهِد إليه أيضاً بالتنسيق مع الشركات الأجنبية.
الشيء الأكثر غرابة هو أن هذا العقد سيتم منحه لشركة "بارير هولدينغ"، وهي عبارة عن كونسورتيوم تركي قطري فاز بهذه الصفقة من خلال جهود ألكسندر بينالا، المستشار السابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يعمل الآن كمستشار الظل لقطر. كما اقتطع بينالا عقداً آخر لشركة "بارير هولدينغ" في السودان المجاور لبيع الزي الرسمي للجيش التشادي بقيمة 5 ملايين دولار.
وبحلول 24 و25 مارس/آذار الجاري، سيتم إرسال جنود الجيش التشادي إلى المنطقة الحدودية الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهو مؤشر على أن شمال تشاد لم يعد يُشكل مصدر قلقٍ للحكومة. وفي السياق ذاته، هاجم متمردو مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية القاعدة العسكرية "كوري 65" في 19 فبراير/شباط المنصرم، وهي القاعدة التي تضم أكثر من 1000 جندي وتقع في منطقة تيبستي.
ومع أنه من المبكر الحكم على الأمر، لكن يبدو أن الثعلب العجوز إدريس ديبي، عندما اتفق مع تركيا وقطر على هذا الاستغلال المنجمي فقد أزال عن كاهله العديد من المشاكل، منها: 1.- المتمردون الذين تمولهم تركيا وقطر. 2.- إعادة تنشيط تيبستي اقتصاديا؛ لأنه على الرغم من أن تركيا وقطر تريدان الذهب التشادي، فإن البلاد ستستفيد أيضا، وبذلك لن تتدخلا في شؤون البلاد الداخلية. لا يبدو الأمر سيئاً بالنسبة لتشاد.
وفي النهاية، نجحت تركيا في مخططها القاضي باستخراج الموارد الأفريقية باستخدام تقنيات غير مسموح بها، وهي بذلك تخلق فضاءً استراتيجيا تحت سيطرتها على الحدود مع ليبيا والنيجر.
وبعد وقت قصير، سنرى شركة طيران منخفضة التكلفة بين شمال تشاد وتركيا، حيث يُسمح باصطحاب 5 كلج من الذهب للشخص الواحد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة