أما مؤامرة قطر على شعب فلسطين وقضيته العادلة، فقد بدأت مبكراً، منذ الزيارات العلنية والسرية المتبادلة منذ التقى بيريز طلاب جامعة قطر.
يحار المرء أي قطر يصدق. هذا الكيان لم يعد دولة حقيقية، وفي الأقل، لم يعد دولة نداً لغيرها من الجيران والشقيقات. كلام قطر صباحاً غير كلامها بعد الظهر، وكلام الليل، في عرف نظام قطر، يمحوه النهار، وفيما العاقل، بما وهبه الله من عقل، يميل إلى تصديق الفكرة القائلة بفصل رأي الدولة أو المعاملة المترتبة على رأي الدولة، عن شعبها أو مجتمعها، فإن أزمة قطر تؤكد اليوم الفكرة النقيضة القائلة بأنه لا فصل، لكننا في الإمارات، ننطلق من قناعات مشتركة مع القيادة، ومتفقة مع الموضوعية والمنطق، بينما ينطلق الشعب الشقيق أو معظمه من تربية سياسية اشتغل عليها، بكل المثابرة والمكر، تنظيم الحمدين، المتماهي إلى حد بعيد مع تنظيم «الإخوان» المسلمين من جهة، ومع جماعات ظلامية وإرهابية ومتطرفة، دعمها بشكل واعٍ ومنظم ومنتظم في أوقات متفرقة من تاريخه غير المشرف.
تثبت خطوة الذهاب إلى محكمة العدل الدولية بعد اختلاق هذه القضية «المفبركة»، أن عزلة قطر تتحقق اليوم أكثر من أي يوم مضى، وأن هزيمة باطل قطر تحققت أمام حق الدول الأربع المقاطعة، كما تشير إلى أن قطر تعيش في هذه الأيام حالة حرجة وخطرة
يراد اليوم التوقف عند الخطوة الأخيرة لقطر المرتبكة المربكة، والمتمثلة في الذهاب إلى محكمة العدل الدولية، ورفع شكوى ضد الإمارات، قالت قطر إنها تتعلق بمسألة حقوق الإنسان، وبالتحديد بحقوق المواطنين القطريين وغيرهم من المقيمين في قطر، حيث الإمارات، حسب عقلية قطر، قادت حملة مقاطعة قطر الذي تسميه حصاراً، وقامت بممارسات تمييزية ضد القطريين والمقيمين في قطر..
فأي قطر نصدق؟ قطر القوية الصامدة التي تدعي أن مقاطعة الدول الأربع غير مؤثرة، أم قطر التي تملأ الدنيا بالصراخ والنحيب ومر الشكوى، مدعية تضرر مواطني ومقيمي قطر، نحو المطالبة بتعويضات «مجزية» بحجم الضرر الهائل؟
يترك الجواب لكل عاقل بصير، كما يترك لعقلاء قطر، إن بقى في قطر عقلاء، وهنا بمناسبة «العدل الدولية»، لا بد من ملاحظات في الحالة القطرية:
أولاً: يسلك نظام قطر، عبر هذه الخطوة الاستباقية الدالة على الخوف والحيرة والارتباك سلوكاً انتهازياً خبيثاً، فالشكوى المزعومة هي ضد دولة الإمارات فقط، من بين الدول الأربع المقاطعة، بحجة أن الإمارات قادت حملة المقاطعة أو تقولها، وهذا كذب صريح، فالإمارات عضو في مجموعة الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب، ومع الإمارات دول لها تاريخها ووزنها وثقلها وتأثيرها، لكن قطر، كعادتها، تُمارس دورها في خلق الفتن والحساسيات، وتمضي في ذلك غير مكترثة بفضيحتها المدوية منذ عرف العالم مآربها، ومنذ فشلت في شق الصف الخليجي والعربي، بالرغم من كل محاولاتها المستميتة، وتسخير آلتها الإعلامية الضخمة، بما في ذلك تكليف مرتزقة ومأجورين عرب وغير عرب.
ثانياً: تثبت خطوة الذهاب إلى محكمة العدل الدولية بعد اختلاق هذه القضية «المفبركة»، أن عزلة قطر تتحقق اليوم أكثر من أي يوم مضى، وأن هزيمة باطل قطر تحققت أمام حق الدول الأربع المقاطعة، كما تشير إلى أن قطر تعيش في هذه الأيام حالة حرجة وخطرة، وأن الفضح الذي حصل، والذي رتب عملية الفرز بين محوري الخير والشر في المنطقة، مع ارتماء قطر في أحضان الإيراني الطائفي، وهوايته عدم إخفاء أطماعه التوسعية، والتركي وهوايته حشر أنفه في الشأن العربي، قد وضع المنطقة على مفترق طرق، ففريق مع المنظومة القيمية ومصالح الأمة والشعوب، وفريق مع الغدر والفرقة والتآمر على الأمة وشعوبها.
ثالثاً: يصل ذهاب قطر إلى محكمة العدل الدولية، بشأن ما سمته «حقوق الإنسان» إلى حد النكتة السمجة، فالإمارات عبر تاريخها المعاصر، ملأت الدنيا وشغلت الناس بتكريس مبادئ التسامح والأخوة والصداقة والمحبة والحرية والسلام، فيما أصبح اسم قطر مرتبطاً بالكراهية والبغضاء والعنصرية وازدراء المذاهب والأديان والأفكار، وفي واقع الحال، لا مقارنة بين دولة الإمارات الجاذبة التي تعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية في ظروف أليفة غير ضاغطة، والتي تعتبر حلم الشباب العربي ووجهته الأولى، وقطر الطاردة التي تعيش أوضاعاً مزرية في ما خَص ملف العمال وملف حقوق الإنسان إجمالاً، فلا شراكة حكومية مجتمعية، ولا منظمات مجتمع مدني فاعلة، بالرغم من مطالبات الفئات المستفيدة، ولا انتخابات على أي صعيد، ولا حريات حياتية واجتماعية، ولا حرية تعبير، أما التشدق بتبنّي قطر حرية التعبير، فيكذبه الواقع المزري لما يعتبرونه رمزاً لذلك، وهو قناة الجزيرة، التي تحولت إلى مسخ واحد، وصوت قميء واحد يردد، ليلاً ونهاراً، الأسطوانة المشروخة ذاتها، كما يكذبه تاريخ التجربة، ويقف الحكم على الشاعر ابن الذيب بالمؤبد بسبب قصيدة كشاهد بليغ، ثم حدث ولا حرج عن عشرات آلاف قرارات سحب الجنسية، من قبائل قطرية أصيلة بالجملة، مما أنذر ويُنذر بوميض النار تحت رماد النسيج المجتمعي القطري.
رابعاً: أوصلت الخطوة القطرية قطر إلى ذروة غدرها وخيانتها ضد الإمارات وقيادتها وشعبها، كما بيّنت حجم وعمق حقدها على الإمارات وطناً وقيادة وشعباً، مذكرة بسلسلة غدر الدولة المرتبكة المربكة، وخياناتها ضد الإمارات خصوصاً، وضد السعودية والبحرين ومصر خصوصاً، وضد العراق وسوريا وليبيا واليمن خصوصاً، بل ضد أهم وأقدس القضايا العربية؛ قضية القدس وفلسطين، مما يأتي تفصيله في الفقرة المقبلة، وكل ذلك مما يصلح لمقاضاة قطر ورفع دعاوى ضدها أمام كل محاكم الدنيا.
وبالنسبة إلى الإمارات، فقد ورد اسم قطر عشرات المرات في أثناء محاكمات أعضاء التنظيم السري غير المشروع العلنية، أمام المحكمة الاتحادية العليا، وحوكم أعضاء المخابرات القطرية، مجموعة «بوعسكور» التي عملت على أرض الإمارات ضد الإمارات ورموزها وشعبها، علناً، وحكم على ثلاثة من أعضاء المخابرات القطرية المشار إليهم، عشر سنوات سجناً للحاضر الموقوف، وخمس عشرة سنة سجناً غيابياً للاثنين الغائبين، كما حكم على المدعو «الإخونجي» القطري المرتبط بالنظام وتنظيم «الإخوان» المسلمين الدولي، المدعو محمود الجيدة حضورياً سبع سنين سجناً، بعد ضبطه متلبساً وهو يمول التنظيم السري غير المشروع في الإمارات، وبعد طلب الأمير تميم، وجه المقام السامي، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى العفو عنهم، وأقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلخة، الذي طالما راهن على تميم كأمير شاب، الإحسان بعد أن أقام العدل، فماذا كان رد فعل تميم وقطر؟ الغدر ولا شيء غير الغدر، في ترجمة دالة لقول أبي الطيب:
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم / ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا / إذا أنت أكرمت الكريم ملكته / وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
خامساً: ليست دولة الإمارات وحدها أو السعودية أو البحرين أو مصر وحدها، تستطيع، ببساطة، رفع قضايا عن الإجرام القطري أمام العدالة الدولية، فهنالك غيرها كثير من الدول العربية والأجنبية المتضررة، سواء من دعم قطر للإرهاب، أو بث الفتنة واحتضان المعارضات المتطرفة والمسلحة، ودعم فظائع ما سُمي ثورات «الربيع العربي»، والتحريض على القتل بين الطوائف والفئات، عبر الأبواق الإعلامية.
أما مؤامرة قطر على شعب فلسطين وقضيته العادلة، فقد بدأت مبكراً، منذ الزيارات العلنية والسرية المتبادلة، ومنذ التقى بيريز طلاب جامعة قطر في قلب الدوحة، ومنذ أدخلت قناة الجزيرة «إسرائيل» إلى كل بيت عربي، ومنذ انتصرت الدوحة لانقلاب حماس وغذّت الانقسام الفلسطيني بأسباب الاستمرار.
هذه قطر، وهذا غيض من فيض ممارساتها، باعتبارها دولة خارجة على الأعراف السياسية والقانون الدولي.
ويبقى أن يراجع الجميع أساليب تعامله مع قطر وأزمتها، نحو حشد الجهود، والتنسيق في ما بينها نحو اتساق يضع قطر ونظامها في حجمهما الصحيح، ونحو ضمير جمعي يجسد الحق، ويقول لباطل قطر: أنا هنا
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة