منذ بداية أزمة قطر مع دول المقاطعة الأربع، وهي تسعى جاهدة لشراء أصوات الكتّاب والإعلاميين الأمريكيين.
مرة جديدة يخطر على الذاكرة ما أشار إليه الشاعر والأديب الفرنسي الكبير لامارتين عن الضفدع الذي خيل له غروره المرضي أنه قادر على أن يبلغ حجم الثور، وأن يزاحمه مكانه، وقد أخذ بالفعل في الانتفاخ إلى أن وصل إلى درجة كان لابد له فيها أن ينفجر، ليضيع وتضيع معه أحلامه أو بالمعنى الأصح أوهامه.
يكاد الناظر للمشهد القطري في ظل ما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية مؤخرا أن يطابق بينها وبين ضفدع لامارتين، بعد أن صور لها البعض أنها قادرة عبر الريع الذي وفره لها الغاز والنفط، أن تضحى لاعبا رئيسا وأساسيا على موائد الكبار حول العالم.
من سوء طالع قطر أنها اختارت وقتا سيئا للغاية تستغل فيه فوائض أموالها من أجل التأثير على سير الأحداث في الداخل الأمريكي، وبما لا يتناسب طولا أو عرضا مع حجمها ووزنها الحقيقي.
قطر دفعت الملايين من الدولارات لشركة استشارات قانونية وإعلامية مملوكة لوزير العدل السابق جون أشكروفت، هذا الرجل الذي ينتمي إلى تيار اليمين المسيحي المتصهين، وقد لعب دورا كبيرا خلال إدارة بوش الابن، لا سيما فيما خص التخطيط للحرب على أفغانستان وغزو العراق تاليا.
العالِمون ببواطن المشهد الأمريكي يدركون إشكالية المال السياسي سيئ الذكر، الذي بات يقض مضاجع الحريصين على مسارات ومساقات الديمقراطية الحقيقية، ما دعا بعض كبار المحللين السياسين الأمريكيين والكتاب اللامعين لوصف العملية الانتخابية هناك بأنها تباع على الأرصفة لمن يدفع أكثر، ومن أسفٍ لم تحسم المحكمة العليا في واشنطن تلك الإشكالية، بمعنى أن من يتبرع لرجالات السياسة الأمريكية حكما يفرض أجندة سياسية ما ورائية، الأمر الذي عبر عنه البعض بالقول إن من يدفع للزمّار هو الذي يحدد اللحن.
منذ بداية أزمة قطر مع دول المقاطعة الأربع، وهي تسعى جاهدة لشراء أصوات الكتاب والإعلاميين الأمريكيين في الصحف أو الإذاعات أو شاشات التلفزة، بهدف خلق جماعة ضغط تكون عونا ونصيرا لها في واشنطن، وتقدم للرأي العام الأمريكي صورة مغلوطة عن واقع الأزمة، وبما يصنع منها حَمَلاً حوليا بريئا من العيب، يجد نفسه بين الذئاب.
المخطط السابق كلّف قطر مئات الملايين من الدولارات، وهي غير عابئة بالتكلفة، وظنها أنها بهذه الطريقة تعيد السيرة الأولى للوبي المناصر لإسرائيل، والذي يصد ويرد عنها جميع السهام التي يمكن أن تصيبها.
غير أن قطر رقيقة الفكر سياسيا وتاريخيا تنسى أن الأموال لا تشتري الولاءات، وأنه شتان ما بين اللوبي الداعم لإسرائيل، وبين أحلامها القاصرة، فالجماعة الداعمة للدولة العبرية لم تنشأ مع نشوء وارتقاء كيان إسرائيل عام 1948، بل وجدت قبل ذلك بمئات السنين، إنها موجودة هناك منذ أن تم تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من خلال اليهود الأوروبيين الذين هربوا من نيران العسف والخسف لأوروبا في القرون الوسطى، أو من فئة "البيوريتانيين" المسيحيين الذين اعتبروا ولا يزالون أن دولة إسرائيل تمثل تمام الوحي الإلهي، وأنها علامة على نهاية الأزمنة، وكافة الرؤى المنبثقة عن الفكر "الإسكاتولوجي" أي فكر قيام الساعة باللغة الفقهية الإسلامية.
كل هذا لم تفكر فيه قطر، ويبدو أن غطرستها قد هيأت لها أنها قادرة من ناحية أخرى على أن تستغل فرصة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر/ تشرين أول المقبل، لكي تمارس ألاعيبها الدونية، وكأن أمريكا باتت ملعبا مستباحا، سيما بعد أن نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" التي تهتم بنوع خاص بالقراءات الموصولة بين السياسة والاقتصاد، أخبارا عن مساعٍ قطرية محمومة من أجل شراء ولاءات نحو مائتين وخمسين من الأشخاص المقربين من الرئيس ترامب، والهدف هو تغيير سياسات الرئيس الأمريكي لتمضي في اتجاه مصالحها في الحال والاستقبال .
ليس ها هنا مجال الإشارة إلى الأسماء التي غازلتها قطر بالملايين، لكن المثير أننا نجد من بينها أسماء محامين يهود لامعين من الداعمين لدولة إسرائيل والمحسوبين على الجناح المتشدد ولوبي الضغط المؤيد لتل أبيب، وفي مقدمة تلك الأسماء المحامي اللامع في نيويورك "آلان دورشويتز".
كما أن قطر دفعت الملايين من الدولارات لشركة استشارات قانونية وإعلامية مملوكة لوزير العدل السابق جون أشكروفت، هذا الرجل الذي ينتمي إلى تيار اليمين المسيحي المتصهين، وقد لعب دورا كبيرا خلال إدارة بوش الابن، لا سيما فيما خص التخطيط للحرب على أفغانستان وغزو العراق تاليا، ولولا تعثر القوات الأمريكية في العراق لمضى أشكروفت وصحبه في بقية المخطط، الذي تم تسريبه من البنتاجون، مخطط تغيير سبعة أنظمة عربية خلال خمس سنوات بالقوة المسلحة، هذه عينة فقط من نوعية البشر الذين تغدق عليهم الدوحة بالملايين من أجل تنفيذ مخططاتها.
هل يمكن للمال القطري المسموم أن يلعب دورا في الأسابيع المقبلة؛ لتغيير الموازين السياسية في الكونجرس؟ وهل سيسمح للديمقراطيين بالسيطرة على الغرفتين الأعلى الشيوخ والأدنى النواب، وتعزيز احتمالات إزاحة ترامب بشكل أو بآخر؟
الشاهد أن ما نشرته صحيفة "ديلي كولر" الأمريكية الأيام القليلة الفائتة يدعو إلى التساؤل فبعض من المساعدين السابقين في مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، ديمقراطيين وجمهوريين، ممن تم تسجيلهم بصفتهم من أعضاء جماعات الضغط لصالح الدوحة، انكشف أمر تلقيهم أموالا طائلة من قطر، ما يعني أن بعضهم يوجه أو يؤثر على حملات انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقبلة، الأمر الذي دعا "نيجر إنيس" رئيس لجنة المساواة العرقية بالكونجرس، لأنْ يرفع صوته منذرا ومحذرا من عواقب المال القطري المسموم وتأثيراته وتجاذباته السلبية بالمطلق على حال ومآل الديمقراطية في الدولة الأمريكية .
مؤخرا، يمكن القول إن الأمريكيين ديمقراطيين وجمهوريين تنبهوا إلى كارثة أموال قطر سيئة السمعة، سيما وأنها وصلت إلى بعض الأعضاء البارزين في الكونجرس من أمثال السيناتور "تيد كروز" الرجل الذي يتوقع الكثيرون أنه سيكون صاحب شأن كبير في عالم السياسة الأمريكية، وأن حظوظه للترشح للرئاسة الأمريكية قريبا كبيرة.
السيناتور كروز الجمهوري المؤثر جدا عن ولاية تكساس ذات الوزن المعتبر جغرافيا وديموغرافيا في الداخل الأمريكي، كان يعمل لديه المحامي الكبير "نيكولاس ميوزن"، الذي استقطبته قطر بملايين الدولارات، ولهذا لم يرتفع أبدا صوت كروز ضد قطر وإرهابها.
الخلاصة.. الديمقراطية الأمريكية في اختبار حقيقي أمام المال القطري المسموم.. فانظر ماذا ترى؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة