التدخلات التركية كشفت عن مدى هشاشة وضعف الأدوات والأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية القطرية، عند تحركها خارج حدودها ولا يوجد ما يظهر هذا الضعف أكثر من حالة ليبيا.
القدرات الدبلوماسية لقطر محدودة وبشكل لا يمكنها متابعة ولا مراقبة تطورات تطبيق الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها بين الأطراف المختلفة، بمجرد انتهاء المفاوضات التي تجري بحضور قطري.
وغياب مثل هذه المتابعة الدبلوماسية لتطبيق الاتفاقيات، ظهر واضحاً أن الوساطة القطرية في دول مثل لبنان والسودان والصومال.. كانت مجرد تدريب أو استعراض، لحل بعض الخلافات السطحية وصولاً إلى تأليب المواقف بين الأطراف المتنازعة، وليس التوجه مباشرة إلى أسباب ذلك النزاع ومحاولة التعامل مع أسبابه الحقيقية الأكثر رسوخاً وتعقيداً وعمقاً، ما أدى إلى تعثر بناء عملية السلام المستمر، أو حتى إعادة البناء بعد انتهاء النزاع.
التدخلات القطرية في الدول التي شهدت الربيع العربي شكلت سبباً في تشجيع زعمائها على مزيد من التدخل الخارجي، وهو ما انقلب فيما بعد في غير صالح القضايا والمسائل القومية في المنطقة العربية، وهذا التدخل الزائد في شؤون الدول الأخرى، قد كشف عن مدى هشاشة وضعف الأدوات والأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية القطرية، عند تحركها خارج حدودها ولا يوجد ما يظهر هذا الضعف أكثر من حالة ليبيا.
وبدا عمل قطر المدمر أكثر فظاعةً في كل من ليبيا وسوريا ومصر والصومال، ولا يقتصر على المال والتحريض وحسب، ولكن تقديم السلاح الذي يتدفق للإسلاميين الراديكاليين، وعلى الرغم من الجهود المتواصلة التي تبذلها الولايات المتحدة لتوجيه الدعم من شركائها إلى مزيد من القوى العملية والعلمانية، فإن القطريين تجاهلوا على الدوام المخاوف الأمريكية والأوروبية، وقدموا كميات كبيرة من الأسلحة للمليشيات المتطرفة التي تثير أكبر قلق صانعي السياسة في العالم.
وتركز عناصر الإرهاب القطري على خمسة تنظيمات رئيسية؛ أبرزها حركة التوحيد والجهاد المتطرفة التي تعتمد في مصادر تمويلها على الدوحة، عدا عن المليشيات المسلحة في العاصمة الليبية والتي تتلقى الدعم القطري والتركي، وهي قوة الردع الخاصة وعدد عناصرها خمسة آلاف وكتيبة ثوار طرابلس وكتيبة بوسليم التي عملت على تشريد آلاف المواطنين، وكتيبة النواصي ودعمها وتمويلها من مصرف ليبيا المركزي، وتقوم بدعم حكومة الوفاق برئاسة السراج وفصائل مسلحة أخرى.. ومهمة هذه المليشيات تهريب الوقود والسلاح والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات وممارسة الخطف.
وانتهكت قطر حصارا فرضته الأمم المتحدة للسلاح على ليبيا وقدمت المواد العسكرية للقوى الإرهابية عبر تنظيم عدد كبير من الرحلات الجوية وسلمت مجموعة كبيرة من الأسلحة والذخائر ودعمت بأكثر من 750 مليون يورو للجماعات المتطرفة منذ عام 2011م عن طريق شركات طيران تجارية يتم تمويلها من النظام القطري.
إن رموز النظام السابق داخل سجن الهضبة بطرابلس خضعوا لجلسات تحقيق مع ضباط قطريين، وتلك الجلسات شملت بالخصوص المسؤولين السابقين عن ملفات الأمن والمخابرات ومَن كانوا على علم بمخططات الدوحة في المنطقة، وقد صدرت في أغلبهم أحكام بالإعدام لمنعهم من فرص الخروج من السجن وسرد مذكراتهم أو كتابتهم لتكون بمثابة وثائق شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ ليبيا.
فضلاً عن ذلك، تقدم الدوحة مساعدات مالية ولوجستية كبيرة لكل من متمردي حركة تحرير أزواد وحركة أنصار الدين وأنصار الشريعة، إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، كما تريد الدوحة أن تقدم دعماً لوجستياً جديداً لكتائب جماعة أنصار الإسلام والمسلمين، وتعمل قطر على توفير بيئة مناسبة ومتلائمة لتمويل الإرهاب، وتبرعت بالكثير من الأموال الطائلة من أجل جماعات وتنظيمات متشددة بما في ذلك تنظيم داعش الذي حصل على مساعدات واسعة من شخصيات وجمعيات وهيئات اجتماعية قطرية لتنفيذ عشرات العمليات الإرهابية في دول عربية عدة.
وعلى هذا النحو عملت الدوحة على ضرب استقرار دول كثيرة في منطقة غرب أفريقيا، من خلال تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية، واستخدامها في اهتزاز استقرار هذه الدول بهدف السيطرة على مواردها.
ويجيد تميم بن حمد اللعب على الأطراف كافة، هكذا وصفه الكاتب كليفورد ماي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وأنه لا يوفر لحماس وحسب مكاناً لقادتها ولكن الكثير من تمويلها، ويدعم الإخوان في المنطقة، ويتحرك ممولو القاعدة وطالبان والجماعات الإرهابية الأخرى في قطر بحرية، وفي الوقت نفسه ينقل الرؤية القطرية للدعاية المغرضة والمزيفة حول العالم عبر وسائله ومنصاته الإعلامية.
وتلك المواقف والجرائم لن تنسى تاريخياً، وستؤول بتميم إلى الهاوية لأنها تخرج بطبيعة الحال عن كل الشرائع والأعراف والقوانين الإنسانية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة