هذه الأزمة ليست عابرة كما يعتقد البعض، وليست مستحيلة كما يتوقع البعض الآخر.
من أجل تصحيح الفهم الخاطئ إعلاميا وتحليليا عن دول الخليج فيما يخص الأزمة القطرية، فإن هناك أسئلة الحديث عنها مهم حول الأزمة القطرية ومداها وماهيتها والتنبؤات حول نتائجها المستقبلية، وهذا يتطلب تحديد القضايا والآليات، ولكن لابد من الإشارة إلى أن الأزمة القطرية هي نتاج تاريخي وليست نتاج مواقف مؤقتة، وهذا ظهر بوضوح من خلال الإشارة المهمة من دول المقاطعة، إلى أن تاريخ هذه الأزمة بدأ منذ أكثر من عقدين من الزمان، من خلال أدوات سياسية وإعلامية تراكمت بشكل سلبي.
دول مجلس التعاون تؤمن بأن التعامل مع الكيانات هو الأهم وليس مع الأشخاص، وإذا كانت سياسات الدوحة القائمة يتبناها فريق محدد فإن قطر وشعب قطر شيء مختلف، فقطر وشعبها سوف يظلون جزءا أساسيا في التكوين الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول المجلس
السؤال الثاني: ماذا عملت دول الخليج التي تقاطع قطر الآن من أجل الإشارة إلى هذه الأزمة تاريخيا؟ في الحقيقية إن دول المجلس وتحديدا الدول الثلاث كانت تعاني من مشكلات موجهة يقوم بها إعلام الجزيرة، وهي القناة الفضائية التي تمتلكها وتشرف عليها الدوحة، وكانت أيضا المسارات السياسية التي كانت الدوحة تقوم بها وتعمل بشكل مباشر وغير مباشر من أجل التقاطع السلبي المتعمد، ليس مع اتجاهات تلك الدول الثلاث وأهدفها ومصالحها الاستراتيجية فقط، بل وصل الأمر إلى التقاطع مع مصالح دول الخليج والمنطقة العربية برمتها.
السؤال الثالث: ألم يكن مجلس التعاون قادرا على احتواء الأزمة منذ ذلك الزمن؟ الحقيقة المهمة هنا أن نمطية العمل في مجلس التعاون وحرص قادته السابقين رحمهم الله، وقادته الحاليين وفقهم الله، أن يتم التحاور المباشر، وأن تُعطى المساحات الزمنية الممكنة للجميع من أجل المراجعات والحوار، وقد استمر ذلك ما يقارب عشرين عاما عملت دول المجلس على تفادي اتخاذ قرارات نهائية ما لم يصل الأمر إلى ضرورة تبني إجراءات محددة.
في العام الماضي، وصلت دول المقاطعة، بالإضافة إلى مصر، إلى قرار يعلن أن الصبر قد وصل إلى منتهاه مع الدوحة، وأن شيئا مهما لابد من اتخاذه، وأن أي قرار سوف يتخذ يجب أن يكون نهائيا وحاسما ومحكما، وغير قابل للتراجع ما لم تنفذ الدوحة جميع المطالب والشروط التي تشكل تعبيرا دقيقا عن معطيات الأزمة ومعاييرها الواقعية سياسيا وتاريخيا.
هذه الأزمة ليست عابرة كما يعتقد البعض، وليست مستحيلة كما يتوقع البعض الآخر، هذه الأزمة لا تحتاج الكثير من العمل لو رغبت الدوحة في تغيير سلوكها والعودة إلى مسار دول الخليج التي التزمت أمام بعضها خلال أربعة عقود مضت، إلى أن تمردت الدوحة على هذا المجلس من خلال مسارات سياسية وإعلامية سببت الأذى الكبير والمباشر لهذه الدول وشعوبها.
دول مجلس التعاون تؤمن بأن التعامل مع الكيانات هو الأهم وليس مع الأشخاص، وإذا كانت سياسات الدوحة القائمة يتبناها فريق محدد فإن قطر وشعب قطر شيء مختلف، فقطر وشعبها سوف يظلون جزءا أساسيا في التكوين الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول المجلس، وقطر كدولة هي أكبر من الأفكار المحددة لفريق سياسي يقوم على إدارة السلطة حاليا، فالمستقبل كفيل ببناء صورة تاريخية جديدة قادرة على تغيير المشهد والتاريخ إيجابيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة