مجلة أمريكية: قطر 2022 كابوس للمعنيين بالاتجار بالبشر
مجلة أمريكية تلقي الضوء على انتهاك حقوق الإنسان والاتجار في البشر في ملف استضافة قطر لكأس العالم 2022
بعد الانتهاء من بطولة كأس العالم 2018 التي استضافتها روسيا قبل أقل من 4 أشهر، انتقل تركيز الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" ومتابعي اللعبة إلى قطر التي من المفترض أن تستضيف النسخة المقبلة من المونديال عام 2022، والتي أعلنت عن جاهزية البنية التحتية لاستضافة الحدث العالمي قبل البطولة بفترة زمنية كبيرة.
وبالحديث عن البنية التحتية والملاعب التي تم بناؤها لاستضافة مباريات كأس العالم 2022 في قطر أوضحت نيكول فيشر، الرئيس التنفيذي لشركة HHR Strategies الصحية الاستشارية، في مقالها بمجلة "The Federalist" الأمريكية، أن هناك العديد من التقارير الصحفية العالمية التي ربطت بين اسم قطر وانتهاك حقوق الإنسان والاتجار في البشر، عبر استغلال العمال المهاجرين من الدولة الفقيرة بشكل غير مقبول، أدى لحدوث العديد من حالات الوفيات بين العمال المشاركين في بناء الملاعب والإنشاءات القطرية التي سوف تستضيف مونديال 2022.
وفي تقارير صادرة عن السفارة النيبالية في الدوحة، وهي إحدى الدول المصدرة للعمالة الرخيصة إلى قطر، أشارت إلى أنه منذ عام 2013 حتى الآن يموت ما يقدر بعامل نيبالي واحد في كل يوم تستمر فيه أعمال إنشاء البنى التحتية الخاصة بمونديال قطر 2022.
وتحت إطار استغلال حقوق العمال والاتجار بالبشر، فإن الاتحاد الدولي لنقابة العمال سبق وأن أصدر عام 2017 تقريرا يشير إلى وفاة ما لا يقل عن 1200 عامل أجنبي داخل قطر شاركوا في عمليات بناء وتشييد البنية التحتية، منذ حصول قطر على تنظيم البطولة عام 2010، وذلك بسبب ضعف معايير الأمان والعمل تحت ظروف صعبة وغير آدمية.
وتعد أعداد الوفيات الكبيرة للعاملين في تشييد البنية التحتية للمونديال القطري هي الأعلى والأسوأ في التاريخ، وفق تقرير الاتحاد الدولي للعمال متفوقة على دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي عام 2012، والتي راح ضحيتها 60 عاملا أثناء عمليات تشييد وبناء البنية التحتية للدورة الأولمبية.
الجدير بالذكر أنه مع عدم تحلي المسؤولين القطريين بالشفافية المطلوبة حول الاتهامات والأدلة المتعلقة بحالات الاتجار بالبشر واستغلال حقوق العاملين وإجبارهم على العمل في بيئة خطرة دون تأمينات أو معايير حقيقة للأمان ووضع العاملين فيما يشبه بمعسكرات العمل، كان الاعتقال مصير مراسلي شبكة "BBC" حينما حاولوا الإبلاغ عن ظروف عيش العاملين المتردية وحالات الاتجار بالبشر داخل ما يعرف بمسكرات العمل القطرية.
وتتوقع عدة تقارير معنية بمتابعة حقوق الإنسان مراقبة حالات الاتجار بالبشر، بجانب تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للعمال بأن ترتفع عدد حالات الوفيات إلى ما يفوق الـ4000 حالة، في حال استمرار العمل وفق الظروف التي وصفتها التقارير بالصعبة واللاإنسانية على الرغم من مراقبة الفيفا لمراحل التشييد والبناء منذ بدايتها.
تاريخ من الاتجار بالبشر
على الرغم من أن حالات استغلال العمال وإجبارهم على العمل في ظروف قاسية وحالات كثيرة من الاتجار بالبشر إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" يتجنب وبشكل غير مبرر أو مفهوم فتح تحقيقات موسعة ورسمية بخصوص الأمر أو حتى مجرد الحديث عنه وسط اتهامات بتلقي رشوة والفساد لكبار رجال الفيفا، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات الروسية للعمال وحالات الاتجار بالبشر قبل مونديال 2018 من قبل، أو بالنسبة لمعسكرات العمل القطرية واستغلال العاملين الحالية التي تتسارع وتيرتها مع اقتراب مونديال 2022.
وفي تقرير خاص بها تساءلت صحيفة "إندبندنت" الإنجليزية عن الملف القطري وتجاهل الفيفا لمطالبات العديد من وسائل الإعلام الغربية فتح تحقيق بشأن الاتهامات التي تم توجيهها إلى قطر على خلفية تقديم رشاوى ضخمة لشراء الأصوات داخل لجنة الفيفا التنفيذية للحصول على شرف استضافة مونديال كأس العالم 2022، وذلك قبل أن يعود تقرير الإندبندنت إلى ذكر بأن الأمور قد لا تبدو غريبة خاصة وأن الاتحاد الدولي لكرة القدم ورجاله لا ينظرون سوى إلى الأموال وهذا ما ظهر جلياً بعد المكاسب الخيالية التي حققتها الفيفا من بيع حقوق بث مونديال 2018 الذي شاهده نحو 3.4 مليار شخص حول العالم وبيع المنتجات الخاصة به بجانب عمليات بيع التذاكر التي أنعشت خزائن الفيفا بملايين الدولارات، جعلت الاتحاد الدولي يغض النظر عن الانتهاكات التي وقت بحق عمال الإنشاءات وتشييد البنية التحتية الروسية التي استضافت مونديال 2018، وهو السيناريو المتوقع تكراره ولكن بدرجة أكثر قسوة وعنف في مونديال 2022.
وترى أناليزا إنرلي، الأستاذة في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن تحول معسكرات العمل القطرية وارتفاع حالات الاتجار بالبشر واستغلال العمال، وربما تزايد نسبة الوفيات الخاصة بالعاملين أمر وارد للغاية خصوصاً وأن عامة الناس لا يفهمون ضغط العمل الكبير اللازم لإنشاء بنية تحتية قادرة على استيعاب ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم، خاصةً في بطولة بحجم كأس العالم.
وتابعت إنرلي تحليلها بشأن الاتجار بالبشر واستغلال العمال والطبقات الفقيرة بشكل غير آدمي، حيث أوضحت بأن افتقار قطر للشفافية وإسناد المهام إلى مئات المقاولين الذين يعملون من الباطن لتوفير الأيدي العاملة الرخيصة دون أدنى مراعاة للحقوق الآدمية أو معايير السلامة، من أخطر النقاط التي ترجح أن يزداد الوضع نحو الأسوأ بالنسبة للعمالة داخل قطر التي يتواجد بها ما يزيد عن 800 ألف عامل على الأقل يتواجدون داخل مواقع البناء المختلفة التي تتراوح فيها درجات الحرارة صيفاً ما بين الـ50 والـ60 درجة مئوية وذلك بعد سحب منهم جوازات سفرهم وأي وثيقة أخرى تمكنهم من السفر خارج قطر.
اختلال التوازن السكاني في قطر هو السبب
مع بلوغ التعداد السكاني لقطر إلى 2.7 مليون نسمة، لا تزال تعاني من اختلال في التوازن السكاني، فعدد السكان القطريين بالنسبة للتعداد السكاني لا يمثل سوى 10% فقط، بالمقارنة مع 90% التي يمثلها الوافدون من مختلف دول العالم المختلفة.
لهذا أجبر تخوف القطريين من الانفجار الفوضوي والكارثي للعاملين الوافدين في ظل التباين الكبير بين أعدادهم بالمقارنة مع أعداد الوافدين من الخارج الحكومة القطرية على إلغاء نظام الكفالة عام 2016 الذي ساهم في تردي الأوضاع الإنسانية ووضع النسبة الأكبر من ساكني قطر تحت السيطرة الكلية لـ10% هي مجموع نسبة القطريين من التعداد السكاني.
وعلى الرغم من أن إلغاء نظام الكفالة يبدو أمرا إيجابيا يهدف إلى امتصاص غضب منظمات حقوق الإنسان ومجموعات مراقبة الاتجار بالبشر والانتهاكات إلا أن الأمور لم تسر في وضع مريح خاصة بعد استثناء الحكومة القطرية العمالة والوافدة، خاصةً بين طبقة العمال الأشد فقراً من شروط إلغاء الكفالة ومنحهم كامل الحرية في الخروج والدخول إلى البلاد بالمقارنة مع الأنواع الأخرى من الوافدين بمختلف الطبقات الاجتماعية والوظيفية.
وعود في الهواء
لعل أسوء ما يتعلق بمشكلة الاتجار بالبشر والانتهاكات القطرية للعمالة الوافدة أنها تتم تحت مراقبة الاتحاد الدولي لكرة القدم والعديد من الجهات الأخرى التي يبدو أن مسؤوليها لا يهتمون باتخاذ أي خطوات تصعيدية لوقف تلك الانتهاكات القطرية بحق العمال.
فحتى توفير أماكن عمل مناسبة لمبيت ونوم العمال القائمين على أعمال تشييد وبناء البنية التحتية التي ستتضيف مونديال 2022 يبدو أمرا بعيد المنال، خصوصاً مع بناء ما يعرف بمعسكرات العمل القطرية التي لا تتوافر بها أدنى مقومات الراحة في أماكن معزولة بعيدة عن المناطق السكنية المأهولة.
ومن المرجح أن الأمور لن تشهد تحسناً ملحوظاً في ظل عدم اكتراث الفيفا للانتهاكات القطرية وإسقاط لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة القضايا ضد الحكومة القطرية بعد تقديم وعود بإجراء إصلاحات تتعلق بتحسين ظروف العمال المعيشية.
ولعل من الأمور السلبية التي يتبعها المسؤولون القطريون هي عدم الشفافية بشأن كل ما يتعلق بالملف القطري في استضافة كأس العالم، فبعد تصريحات لوزير المالية القطري عام 2017 أشار خلالها بأن قطر تنفق 500 مليون دولار كل 7 أيام للاستعداد لاستقبال المونديال، تتواجد تصريحات رسمية سابقة بأن الميزانية الإجمالية للاستعداد القطرية لمونديال 2022 تبلغ 10 مليارات دولار فقط مما يجعل هناك تضارباً واضحاً في التصريحات.
ومع إنفاق الأموال الطائلة على بناء الملاعب الـ12 لم يتم الإعلان رسمياً سوى عن 8 ملاعب منها فقط، بجانب إعلان الحكومة القطرية عن افتتاح خطوط المترو عام 2019 بتكلفة 36 مليار دولار بجانب إنشاء طرق بتكلفة 20 مليار دولار وعشرات الآلاف من الغرف الفندقية لاستقبال 1.5 مليون زائر، يبدو أن المسؤولين القطريين لا يضعون في حساباتهم تخصيص بعض الأموال للعمال الوافدين من دول مثل نيبال وبنجلادش والهند وباكستان لتحسين ظروفهم المعيشية.
وبالتوازي مع إهمال الحفاظ على صحة العمال القائمين بأعمال البناء والتشييد للبنية التحتية القطرية، وعدم الاكتراث بظروف العمل القاسية وسط درجات الحرارة العالية، أعلن جياني إنفانتينو رئيس الفيفا بأن المونديال القطري سوف يقام في شتاء 2022 حرصاً على حياة الجماهير واللاعبين.
aXA6IDMuMTM2LjI2LjE1NiA= جزيرة ام اند امز