نقلة نوعية في مرحلة انتقالية.. كيف ضمنت الإمارات الريادة في مستقبل الطاقة؟
يعيش قطاع الطاقة العالمي مرحلة انتقالية غير مسبوقة في سرعة وتيرتها وحدة تحولاتها، ليعبر في نقلة نوعية من الحاضر إلى مستقبل جديد في محركات نموه ومصادر قوته وتكتيكات تطوره.
بين الحاضر والمستقبل، وفي القلب من عملية التحول النوعية، تبزغ دولة الإمارات كلاعب استراتيجي مخضرم ونادر، أجاد ترسيخ موقعه كمزود موثوق للطاقة في حاضر القطاع بكل متطلباته واحتياجاته، وأدرك مبكرا وجهة المستقبل فتبنى التغيير واعتنق الابتكار ليضمن موقعه الرائد والقيادي في هذا المستقبل الحافل.
- سلطان الجابر: الذكاء الاصطناعي والطاقة ونمو الأسواق الناشئة عوامل تشكل المستقبل
- سلطان الجابر: الإمارات تدشن أول منشأة لإنتاج 1 غيغاواط من الطاقة المتجددة دون انقطاع
ريادة في الطاقة النظيفة
خلقت القضايا الملحة المتعلقة بتغير المناخ حاجة متزايدة عالميا إلى بدائل الطاقة المستدامة، لكن الأمر ارتبط بعلاقة معقدة بين الطاقة والاقتصاد، خاصة على صعيد النفقات الأولية الكبيرة المرتبطة بإنشاء أنظمة الطاقة المتجددة.
مبكرا، ومنذ سنوات طويلة، كانت الإمارات في طليعة دول العالم التي استكشفت التحديات والفرص التي يفرضها الانتقال إلى مصادر الطاقة المستدامة، بما في ذلك الحاجة إلى الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة، والتغييرات اللازمة لتحفيز استخدام الطاقة المستدامة، وتحويلها إلى منبع للفرص الاقتصادية.
وفي عام 2006، قامت حكومة الإمارات بتأسيس شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" بهدف البناء على خبرة الدولة والمساهمة في تعزيز ريادتها في قطاع الطاقة العالمي، إلى جانب دعم تنويع الاقتصاد ومصادر الطاقة من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وتحت قيادة الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي ورئيس مجلس إدارة مصدر، أسهمت مصدر على مدار السنوات الماضية بدور مهم في دعم تطوير قطاع الطاقة المتجددة، وتعزيز العمل المناخي، وترسيخ الاستدامة، على المستويين المحلي والعالمي.
ومبكرا أيضا، حققت الشركة العديد من الإنجازات الأولى من نوعها في مجال الطاقة المتجددة، مثل تدشين "شمس 1"، أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم؛ ومصفوفة لندن، أكبر محطة طاقة رياح بحرية في العالم، ومحطة "هايويند اسكوتلاند"، أول محطة طاقة رياح بحرية عائمة في العالم.
ومرورا بمحطات مهمة متعددة في مشوارها الناجح، أطلقت "مصدر" قبل أيام بالتعاون مع شركة "مياه وكهرباء الإمارات " أكبر وأول مشروع من نوعه على مستوى العالم يجمع بين الطاقة الشمسية وبطاريات تخزين الطاقة في أبوظبي.
كما رسخت "مصدر" موقعها العالمي في مقدمة جهود الابتكار وعملاقا في قطاع النظيفة بشكل عام من خلال تطوير مشاريع رائدة لتحلية المياه والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتخزين الطاقة والهيدروجين الأخضر.
وتمضي "مصدر" حاليا بخطوات واثقة نحو تحقيق أهدافها وتعزيز محفظة مشاريعها المنتشرة حول العالم، حيث نجحت الشركة في تحقيق زيادة ملحوظة في إجمالي القدرة الإنتاجية لمحفظة مشاريعها خلال العامين الماضيين لتفوق 51 غيغاوط.
الذكاء الاصطناعي.. عنصر حاسم في وتيرة التغيير
مثّل الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، والتحول نحو الحياد المناخي، والتطور السريع للذكاء الاصطناعي، 3 عوامل رئيسية أسهمت في خلق فرصة فريدة لإعادة تشكيل مستقبل الطاقة.
ومن خلال الاستثمار الصحيح في الطاقة النظيفة والسياسات الذكية وابتكار الذكاء الاصطناعي، شقت دولة الإمارات طريقها نحو إنشاء نظام طاقة أكثر استدامة وكفاءة وعدالة للجميع.
"الذكاء الاصطناعي هو ابتكار يُعرّف العصر ويُحدث تغييرًا في وتيرة التغيير نفسها ليرفع سقوفا جديدة لآفاق التقدم وإمكانات التقدم، وفي طريقه للقيام بذلك يخلق الذكاء الاصطناعي طفرة في قطاع الطاقة لم يكن أحد ليأخذها في الحسبان قبل 18 شهرًا فقط"، بهذه الكلمات للدكتور سلطان الجابر اختارت "مايكروسوفت" و"أدنوك" و"مصدر" بدء تقرير حديث تم إعداده بالتعاون بينهم لتوضيح المجالات الرئيسية للتعاون بين قطاعي الطاقة والتكنولوجيا لتسريع الانتقال إلى الحياد المناخي من خلال الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي.
وفي بقية المقتطف المقتبس في مطلع التقرير، أكد الدكتور سلطان الجابر أنه من خلال التعاون لحل تحديات الذكاء الاصطناعي في الأمد القريب "يمكننا إطلاق العنان لفوائد الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل عبر سلسلة قيمة الطاقة، مما يساعد في تأمين مستقبل مستدام ومزدهر للأجيال القادمة".
وبفضل جاهزيتها للتطور والابتكار أدركت حكومة دولة الإمارات أهمية توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها الإيجابي في إحداث طفرة تطويرية في جميع القطاعات، فعملت على تسريع وتيرة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الشراكات الاستراتيجية محليا وعالميا.
وكان أحدث تلك المبادرات إعلان تأسيس شركة استثمارية تكنولوجية تحمل اسم "إم جي إكس"، التي تستهدف الاستثمار في مجالي الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، والتي يمكن أن تتجاوز قيمة الأصول تحت إدارتها 100 مليار دولار في غضون سنوات قليلة، وفقاً لوكالة بلومبرغ.
هذه الخطوة مثلت جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً، أطلقتها الإمارات في عام 2017 تحت مسمى استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031، ضمن رؤية مئوية الإمارات 2071، لتسريع التحول نحو مستقبل يعتمد على التكنولوجيا الذكية في كل المجالات.
محور راسخ في خضم نهوض الأسواق الناشئة
من بين أهم التحولات التي يشهدها العالم وتمثل عنصرا رئيسيا في التحولات التي يشهدها قطاع الطاقة، هو التحول التاريخي في محركات النمو للاقتصاد العالمي ناحية الأسواق الناشئة التي أضحت الآن مسؤولة عن نصف النمو العالمي.
فبحسب ما أكده صندوق النقد الدولي يتأثر الاقتصاد العالمي بشكل متزايد بالأسواق الناشئة الكبرى خاصة في مجموعة العشرين، وعلى مدى العقدين الماضيين أصبحت هذه الاقتصادات أكثر اندماجا مع الأسواق العالمية، وتولد تداعيات اقتصادية أكبر على بقية العالم.
وفي هذا الصدد، عززت الإمارات موقعها التجاري الرائد كمحور لتجارة العالم خاصة في الأسواق الناشئة، وقد شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة إبرام الدولة 18 اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، بما يسهم في توسيع شبكة شراكات الإمارات العالمية وتعزيز مكانتها كمركز تجاري عالمي عبر توطيد العلاقات مع شركاء تجاريين موثوقين حول العالم.
وتفصيلا، أبرمت الإمارات اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع 24 دولة في 5 قارات، منها 18 اتفاقية تم التوقيع عليها رسمياً و6 اتفاقيات دخلت حيز التنفيذ و6 أخرى تم إنجاز المفاوضات الخاصة بها والتوصل إلى بنودها النهائية تمهيداً إلى التوقيع عليها رسمياً في أوقات لاحقة.
ومن بين أهم الأسواق الناشئة، رسخت الإمارات علاقتها مع الصين، وأضحت لاعبا مهما في مبادرة الحزام والطريق.
ومنذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 ضاعفت الأسواق الصاعدة في مجموعة العشرين حصتها في التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي المباشر، وأصبحت من كبار مستوردي المنتجات المصنعة، وكذلك من كبار مصدري السلع الوسيطة، ولا سيما في قطاعي الصناعة التحويلية والتعدين.
دعوة لتعزيز التقدم المستدام
هذه الرؤية بكل عناصرها في الاستعداد للتحول النوعي من الحاضر إلى المستقبل، شكلت ملامح استراتيجية حية وواضحة في الإمارات، وقد عبر عنها بوضوح الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي ورئيس مجلس إدارة مصدر، في كلمته قبل أيام خلال افتتاح أسبوع أبوظبي للاستدامة 2025.
ومن بين محاور عديدة شملتها الكلمة، اختار الدكتور سلطان الجابر بدء كلمته بالدعوة إلى اتباع نهج جديد لإطلاق العنان للنمو ودفع التقدم الاقتصادي المستدام وإطلاق العنان للفرص الاقتصادية غير المسبوقة.
وأشار إلى أن العالم يقف عند لحظة محورية للتقدم مدفوعا بالاتجاهات العالمية الكبرى لنمو الأسواق الناشئة، والنمو الهائل للذكاء الاصطناعي وتحول أنظمة الطاقة، مشيرا إلى هذه الاتجاهات معًا تتطلب تنوع مصادر الطاقة لتعزيز التقدم المستدام.