"سر الربع نقطة".. ماذا فعل قرار المركزي الأمريكي في أسواق العالم؟
للمرة الثامنة على التوالي، رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أسعار الفائدة، وهذه المرة بمعدل 25 نقطة أساس، لتصبح في نطاق 4.5% و4.75%.
ورفع الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) أسعار الفائدة 7 مرات خلال العام الماضي لتصبح زيادة أمس هي الثامنة على التوالي، وذلك لمواجهة التضخم الذي سجل مستويات قياسية خلال عقود في العام الماضي.
ووفقًا لتوقعات سابقة، فإن الفيدرالي سيقلل وتيرة رفع الفائدة خلال العام الجاري 2023 أو سيوقفها، تزامنا مع تراجع معدل التضخم السنوي في أمريكا.
وتباطأ معدل التضخم في أمريكا، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى 6.5% مقابل 7.1% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
لكن الجدل يتصاعد الآن حول، هل تتفاعل الأسواق مع الفائدة المرتفعة، وتنجح في دفع التضخم إلى مستهدف الفيدرالي الأمريكي، وما هو موعد التخلي عن السياسة النقدية الانكماشية؟
أسعار الفائدة المرتفعة تساعد على مكافحة التضخم عن طريق رفع تكلفة الاقتراض، وتشجيع الأفراد والشركات على الاقتراض وإنفاق أقل. من الناحية النظرية، من المفترض أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب وإبطاء ارتفاع الأسعار -ولكنه يعني أيضًا نشاطًا اقتصاديًا أقل.
واليوم، ما تأمله الأسواق وعموم المستثمرين فيها أن تُسهم ربع النقطة الإضافية بأسعار الفائدة الرئيسية في تخفيف الضغط عليها واستمرار موجة الارتدادات التي شهدتها الأسواق الأسبوع الماضي.
وفعليًا، السوق ينظر لقرار الفيدرالي الأخير بأنه يعكس تباطؤ وتيرة عملية رفع أسعار الفائدة وهذا ما قدم إشارات إيجابية؛ حيث تفاعلت الأسواق بشكل إيجابي بارتفاع أسعار الفائدة 25 نقطة أساس.
أعلى مستوى للفائدة منذ 2007.. لكن ماذا عن التضخم؟
قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الأخير، برفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية كان متوقعًا على نطاق واسع، بعد أن رفعها 50 نقطة أساس في ديسمبر الماضي في أعقاب أربع زيادات متتالية بمقدار 75 نقطة، ليصل بذلك سعر الفائدة القياسي إلى نطاق من 4.50% إلى 4.75%، وهو أعلى مستوى من عام 2007، أي قبل الأزمة المالية العالمية.
لجنة السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي أشارت في بيان صدر بعد اجتماعها الأول لعام 2023 الجاري، إلى أنّ "التضخّم تباطأ قليلاً، لكنّه لايزال مرتفعاً". ومع ذلك، قالت إنّ "المؤشرات الأخيرة تظهر نمواً معتدلاً في الإنفاق والإنتاج"، مشيرة إلى أن في جعبتها زيادات إضافية على الفائدة هذا العام، كما أوردت وكالة بلومبرج للأنباء.
إشارات وتحليلات رسمية تعني أن لا تزال الحاجة ملحة لأن تبقى السياسة النقدية مقيدة "لبعض الوقت"؛ إذ يحتاج مسؤولي الفيدرالي الأمريكي إلى "المزيد من الأدلة بشكل كبير" ليكونوا واثقين من أن التضخم في طريقه للانخفاض إلى المستهدف البالغ 2%.
كما أن سوق العمل التي لا تزال ضيقة، يمكن أن تزيد الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لتمديد إجراءات التشديد النقدي أو إبقاء أسعار الفائدة عند مستويات تقييدية لفترة أطول.
وقد أظهرت بيانات التضخم الأخيرة أن الأسعار تنخفض بشكل أسرع مما توقعه مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي؛ حيث ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي في ديسمبر/كانون الأول بمعدل 5% على أساس سنوي، مسجلًا بذلك أبطأ وتيرة ارتفاع منذ عام 2021، إلا أنه مع ذلك، لا يزال أعلى بكثير من مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
لكن في مقابل ذلك، أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي تباطؤًا في النمو خلال الربع الأخير من 2022؛ حيث بلغ 2.9% على أساس سنوي بعد نمو بمعدل 3.2% في الربع الثالث. وفي الوقت ذاته، تظهر البيانات الاقتصادية الحديثة وجود تصدعات في الاقتصاد آخذة في الاتساع؛ حيث يتباطأ إنفاق الأسر الأمريكية، في وقت يستمر فيه ضعف سوق الإسكان، وتقوم قطاعات اقتصادية مختلفة، بما في ذلك البنوك وشركات التكنولوجيا، بتسريح جماعي لموظفيها، وبإعادة النظر في خطط إنفاقها الرأسمالي.
وبدوره، قال الدكتور عبدالرحمن شعبان الخبير الاقتصادي، إن قرار الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الثانية منذ مارس/آذار 2022 يأتي استكمالًا لمواجهة ارتفاع معدات التضخم.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن رفع الفائدة يأتي في إطار مواصلة السياسات النقدية الأكثر تشددًا التى بدأت في مارس/آذار 2022 في مواجهة التضخم المرتفع؛ مشيرًا إلى أن محافظ الفيدرالي الأمريكي أكد استمرار التوجه نحو رفع الفائدة، حتى وإن كان التضخم اليوم يسجل تباطؤا لكنه ما زال بعيدًا عن المعدل المستهدف عند 2%.
وتابع أنه رغم رفع سعر الفائدة إلا أن هناك إنجازات ملموسة جراء استمرار سياسة التشديد النقدي، في ضوء بعض المؤشرات الإيجابية من بدء انحسار التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية نسبيًا.
وأضاف شعبان أنه بمجرد رفع سعر الفائدة الأمريكية ترتفع تكلفة الاقتراض؛ حيث ترتفع سعر الفائدة على القروض القائمة والجديدة، فسعر الفائدة بمثابة المعيار الذي يُحدد الفائدة على القروض التي تحصل عليها البنوك من البنك المركزي وتقوم البنوك بوضع خططها في آليات احتساب أسعار الفائدة التي تقدمها لعملائها. لذلك؛ من المتوقع أن يكون هناك تأثير على أصحاب الودائع والقروض المصرفية من البنوك؛ حيث يحصل أصحاب الودائع على فائدة أعلى وكذلك يسدد أصحاب القروض فائدة أعلى.
وتابع أن المستثمرين في العملات والدولار والأسواق المالية يبنون قراراتهم الاستثمارية على سعر الفائدة؛ حيث إن رفع سعر الفائدة على عملة ما يؤدي إلى قوتها ويزيد من جاذبيتها للاستثمار.
وقال الدكتور محمد عبدالرحيم الخبير الاقتصادي إن الفيدرالي الأمريكي مستمر في التشدد النقدي لكبح جماح التضخم المرتفع حتى يصل إلى هدف التضخم البالغ 2%.
وأكد أن القرار يؤثر على أصحاب الودائع والقروض المصرفية من البنوك حيث يحصل أصحاب الودائع على فائدة أعلى وكذلك يسدد أصحاب القروض فائدة أقل.
ماذا عن أزمة الديون الأمريكية؟
من جانبها، توقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تفاقم أزمة الديون في الولايات المتحدة الأمريكية بفعل ارتفاع معدلات الفائدة إلى مستويات قياسية.
وتوقعت الوكالة في سيناريوهين، الأول معتدل أن ترتفع الشركات المتعثرة إلى الضعفين من 2% إلى 6%، وفي السيناريو الأكثر قتامة توقعت ارتفاعًا في حدود 17%.
وقالت وكالة موديز إنفستورز سيرفيس إنها تتوقع تسارع معدل التخلف عن سداد ديون الشركات الأمريكية إلى ما يقرب من 6% بنهاية العام من 2% في 2022.
وأضافت الوكالة أنه قد يكون معدل التخلف عن السداد الفعلي أعلى بكثير -17.7% في أسوأ السيناريوهات- اعتمادًا على "شدة التداعيات الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة".
وقالت وكالة موديز إن عدد الشركات غير المالية المتعثرة تضاعف إلى 10 في الربع الأخير من عام 2022 من خمسة فقط في الربع الثالث. وأضافت في التقرير أن 32 شركة تخلفت عن سداد ديونها في 2022 مقارنة بـ 21 في 2021.
في الوقت نفسه، بلغ عدد الائتمانات المصنفة B3 سلبية أو أقل 218 بحلول نهاية العام، وهو أعلى عدد منذ سبتمبر/أيلول 2021 وعلامة على المزيد من التخلف عن السداد في المستقبل، بحسب موديز.
فيما تتوقع موديز أن تشعر القطاعات بأسوأ أزمة هذا العام، بما في ذلك المواد الكيميائية والمعادن والتعدين والورق ومنتجات الغابات والشحن.
وفي الوقت نفسه بحسب تقرير وكالة موديز إنفستورز سيرفيس، من المتوقع أن تتعافى الصناعات المرتبطة بالسفر في عام 2023 مع تحسن هوامش الربح.
أما محللو موديز فقد أكدوا أن توقعاتهم ستظل قاتمة للاقتصاد الكلي مع تباطؤ النشاط الاقتصادي في عامي 2023 و2024.
وأضاف محللو موديز: "يعني هذا أن الربحية وتوليد السيولة للمُصدرين الذين يعملون في قطاعات أكثر تقلبًا على فترات دورية سوف يتضررون بشكل خاص".
الدولار إلى أدنى مستوياته في 9 أشهر
وعلى مسار ردة الفعل السريعة لتبعات قرار رفع الفائدة الأمريكية، هوى الدولار إلى أدنى مستوى في تسعة أشهر مقابل سلة من العملات بعد أن تحدث رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول عن إحراز تقدم في خفض ضغوط التضخم في الوقت الذي حذر فيه البنك المركزي من أنه سيستمر في تشديد السياسة النقدية.
وكان جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي قال إنه غير متأكد تماما من التوقيت الذي سيتوقف عنده البنك المركزي عن رفع أسعار الفائدة بينما يمضي قدما في جهوده لتهدئة التضخم.
وأشار باول أيضا إلى أنه ليس قلقا من تيسير الأوضاع النقدية، قائلا إن تركيز الاحتياطي الاتحادي لا ينصب على التحركات القصيرة الأجل، ولكن على التغييرات المستمرة في الأوضاع المالية الأوسع.
وانخفض الدولار إلى أدنى مستوى له عند 101.03 مقابل سلة من العملات، وهو أدنى مستوى له منذ 22 أبريل/نيسان 2022. وارتفع اليورو إلى 1.10020 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي.
انتعاشة كبيرة للذهب
بينما الذهب المسعّر بالدولار حساس للغاية لارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، مما يرفع تكلفة الفرصة البديلة لحيازة السبائك التي لا تدر عائدًا.
وارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 30 دولارا خلال تعاملات الخميس 2 فبراير/شباط 2023، لتتداول قرب أعلى مستوياتها في أكثر من تسعة أشهر في ظل ضعف العملة الأمريكية، عقب قرار الاحتياطي الفيدرالي.
وارتفعت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم أبريل بنسبة 1.63% أو 31.6 دولار عند 1974.4 دولار للأوقية، وارتفع سعر التسليم الفوري 0.34% أو 6.57 دولار إلى 1957.09 دولار للأوقية، لتتداول الأسعار عند أعلى مستوياتها منذ أبريل/نيسان 2022.
aXA6IDMuMTM4LjEyNi41MSA= جزيرة ام اند امز