كيروش ومنتخب مصر.. 6 أشهر من الشغف والجدال والحلم
تعتبر فترة قيادة المدرب البرتغالي كارلوس كيروش لمنتخب مصر، من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إلى مارس/ آذار 2022، من الفترات الساخنة في تاريخ مدربي الفراعنة.
وبالنظر لتاريخ مدربي منتخب مصر نجد أن هناك مدربين كثيرين بقوا لفترات أطول بكثير من كيروش لكنهم لم يتركوا تلك البصمات التي تركها البرتغالي، ولا هذا الجدل بين الجمهور المصري.
أقرب مثل هو حسام البدري، المدرب السابق للفراعنة قبل كيروش، والذي تولى فعلياً تدريب مصر خلال الفترة من سبتمبر/ أيلول 2019 إلى الشهر من العام الماضي 2021، أي عامين، بما يعني 4 أضعاف الفترة التي قاد فيها البرتغالي تدريب منتخب مصر، لكن الفارق في الأحداث في الفترتين كان كبيراً للغاية.
نجاح كارلوس كيروش
بعيداً عن حالة الجدل التي خلقها كيروش حوله من أول يوم عمل له في مصر، فإنه لا مجال للنقاش بشأن وضعية المدير الفني البرتغالي كمدرب ناجح في تاريخ المنتخب المصري بالحقائق والأدلة والأسباب.
أولاً كيروش قاد منتخب مصر لنهائي كأس أمم أفريقيا 2022، وخسر اللقب فقط بركلات الترجيح، بعد تعادل سلبي مع السنغال، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فتأهل مصر للنهائي الأفريقي مع كيروش خلق حالة جدل كان سببها النجاح وليس الفشل.
مصر لم تسجل إلا 4 أهداف فقط في مشوار التأهل للنهائي الأفريقي، وهي التي سجلت قبلها بـ12 عاماً نفس عدد الأهداف في مباراتها الأولى في البطولة ضد الكاميرون، وهي نسخة كان الحد الأقصى للمباريات فيها 6 وليس 7 مثل الوضع الحالي.
لكن مصر نجحت في تجاوز منتخبات بحجم كوت ديفوار والمغرب والكاميرون ثم خسرت من السنغال في النهائي بركلات الترجيح.
قبلها اعتمد كيروش على مجموعة أسماء كانت مغمورة لأغلب متابعي الكرة المصرية، وتحولت لأسماء مهمة ولامعة مع البرتغالي في بطولة كأس العرب، التي منحت الجمهور المصري علامات تفاؤل قبل كأس أفريقيا والمرحلة الحاسمة من تصفيات كأس العالم 2022.
المنتخب المصري نجح في تصدر مجموعته على حساب الجزائر وسحق السودان بخماسية وتفوق على الأردن في مباراة مثيرة 3-1.
وعانى كيروش من عيب البدايات السلبية في البطولتين، حيث فاز أولا بركلة جزاء محمد مجدي "قفشة" على لبنان في كأس العرب، ثم خسر بنفس النتيجة 0-1 أمام نيجيريا في افتتاح مشوار مصر في أمم أفريقيا 2022.
جدل الاستبعادات والاختيارات
الاستبعاد الدائم للاعب وسط الزمالك طارق حامد كان أحد أهم الأمور المثيرة للجدل في فترة تولي كيروش تدريب المنتخب المصري، ثم أضيف إليها في كأس أمم أفريقيا استبعاد لاعب وسط الأهلي قفشة.
في مباراتي تصفيات كأس العالم 2022 استبعد كيروش محمد شريف مهاجم الأهلي الذي كان متواجداً معه في كأس الأمم الأفريقية وأعاد قفشة، وبقي حامد بعيداً.
هناك لاعبون آخرون كانوا عناصر أساسية في أوقات سابقة لكنهم خرجوا من قائمة كيروش أبرزهم عبدالله السعيد.
وما يثير الإعجاب في البرتغالي أنه كان يرفض مناقشة أسباب استبعاده لهؤلاء النجوم، ويطالب الجميع باحترام اختياراته، عبر المناورة في الرد على الأسئلة الخاصة بأسباب استبعاد لاعب أو آخر.
كيروش أثار الجدل في الاختيارات أيضاً، بعد إصراره الدائم على الدفع بمروان حمدي لاعب الزمالك المعار لسموحة.
ورغم النقد الكبير الذي تعرض له مروان فإنه نجح في تسجيل هدف في مباراة الأردن بكأس العرب، وبقي كذلك الأكثر بذلاً للجهد بين لاعبي الخط الأمامي للمنتخب سواء في تلك البطولة أو مقارنة بمن شاركوا في كأس أمم أفريقيا وتصفيات كأس العالم فيما بعد.
أحمد رفعت إحدى المواهب التي ضمها كيروش للمنتخب ونالت الإعجاب، لكن الغريب أنه استبعده بعد التألق في كأس العرب من قائمة المنتخب في كأس أمم أفريقيا ومباراتي السنغال.
هناك أسماء أخرى لمعت ولم يكن عليها جدال مثل مهند لاشين وأحمد فتوح ومحمد عبدالمنعم.
تسبب كذلك استبعاد لاعب الأهلي الموهوب والمتألق بشدة في الفترة الأخيرة أحمد عبدالقادر في انتقادات حادة لكيروش، ويبدو أن كل النقد الذي تعرض له المدرب البرتغالي في مصر بشأن الاستبعادات كان بسبب الاختيارات الهجومية.
وحتى رغم تواجد لاعب مثل أحمد سيد "زيزو" نجم الزمالك الموهوب في قائمة فريقه فإنه كان يدفع به على مضض في الأوقات النهائية للمباريات.
مقامرة كيروش
بالنظر إلى طريقة تعامل كيروش مع مباريات منتخب مصر سنجد أنه كان يضع صوب أعينه استغلال الأخطاء الدفاعية للخصوم ودفعهم للهجوم بأقصى قدراتهم ثم محاولة خطف أي هدف أو على الأقل الفوز بركلات الترجيح.
وحسمت ركلات الترجيح 5 مباريات لمصر في عهد كيروش، بواقع 3 في كأس أمم أفريقيا ولقاء في كأس العرب ومثله في تصفيات كأس العالم، وهو رقم قياسي قد يبقى 100 عام قادمة على الأقل لمدرب واحد أن يلعب هذا الكم من ركلات الترجيح.
المردود الدفاعي هجومياً لمصر لم يتوقف في عهد كيروش على ضعف أرقام الأهداف بل انعكس على لاعبي الخط الأمامي، فنجوم مثل محمد صلاح ومصطفى محمد غريزي الأهداف مع فريقيهما ليفربول وجالطة سراي عانى كل منهما من عقم تهديفي صارخ في عهد كيروش.
وبالطبع كان استبعاد أسماء مثل عبدالقادر ورفعت وشريف وقفشة وقلة مشاركة زيزو، وقلة التغييرات في الجانب الهجومي بشكل عام والاعتماد طوال الوقت على الرباعي صلاح ومصطفى محمد وعمر مرموش ومحمود حسن "تريزيجيه"، مثيراً للاستفزاز للجماهير، فأفضل هداف بين هؤلاء في عهد كيروش كان صلاح بهدفين فقط.
ورغم مساهمته وصنعه الحقيقي لهدف مباراة الذهاب في تصفيات كأس العالم ضد السنغال، فإن صلاح تعرض لانتقادات حادة في مصر لتراجع المستوى الذي كان سببه الأكثر طريقة لعب كيروش، بينما لم يسجل مصطفى محمد إلا هدفا وحيدا في عهد البرتغالي في 12 مباراة وهو رقم كبير للمباريات قليل للأهداف.
مصر فشلت في تسجيل أي هدف في 6 مباريات من أصل 18 مباراة خاضتها في عهد كيروش بين 5 في تصفيات كأس العالم و6 في كأس العرب و7 في أمم أفريقيا.
وتبقى دراسة الأمور الفنية للمدربين وطريقة تعاملهم الفني مع المباريات، خاصة إذا كانوا من نوعية البرتغالي وأصحاب شخصيات قوية ترفض أي تدخل من الإدارة في عملها الفني، مهمة اتحاد الكرة الذي قام بتعيين المدرب.
ويبقى الفشل للمدربين الدفاعيين بالأرقام هو الاحتمال الأكبر عبر التاريخ، على عكس المدربين الهجوميين الذين يعتمدون على اللعب المفتوح.
ولقد كان تراجع أداء نجم كبير مثل صلاح في العديد من المباريات وليس لقاء السنغال فقط طبيعياً بسبب نوعية الأداء والخطة التي يعتمدها المنتخب.
جدل لقاء السنغال
الغريب أنه رغم تفوق السنغال الفني على مصر في نهائي كأس أمم أفريقيا من حيث الهيمنة والفرص، فإنها لم تظهر تفوقاً مماثلاً في مباراتي تصفيات كأس العالم خاصة لقاء الإياب الذي ظهرت فيه قريبة من حسم اللقاء في الوقت الأصلي بعدما سجلت في الدقيقة 3 هدف تعديل النتيجة، ثم تراجعت بشكل غريب سواء في الهيمنة أو خلق الفرص.
على الجانب الآخر، عانى الفراعنة في اللقاء لكنهم استفاقوا خاصة في الشوط الثاني، وكانوا قريبين من تسجيل هدف يمنحهم بطاقة التأهل ويجعل أسود التيرانجا مطالبين بتسجيل هدفين، وهو أمر شبه مستحيل أمام الدفاع المصري.
هذا التراجع السنغالي أثار استفزاز الجماهير المصرية بشكل أكبر فقد رأت أن منتخبها كانت لديه القدرة على خلق الفرص والتسجيل على الأقل هدف إضافي في لقاء الذهاب أو حتى هدف في مباراة العودة لو لم يتراجعوا منذ الدقيقة الأولى.
في الإطار نفسه، فإن المنتخب المصري تحول إلى أحد أفضل الدفاعات في أفريقيا في عهد كيروش، فمنتخب الجزائر لم يسجل فيه إلا هدفاً، والسنغال سجلت في مرمى مصر هدفاً في 3 مباريات، والكاميرون في ملعبها فشلت والمغرب لم تسجل إلا من ركلة جزاء.
الأمور غير الرياضية في لقاء السنغال، مثل تسليط ضوء الليزر على الفراعنة وحتى التشويش على النشيد الوطني المصري، كانت أمورا انتقامية من السنغاليين بعدما قام الجمهور المصري بأمور شبيهة في لقاء القاهرة قبلها بـ4 أيام، لكن الفارق أن الجمهور السنغالي دبر للانتقام جيداً وبشكل مبالغ فيه.
موقع "Senego" السنغالي تحدث في صباح يوم المباراة عن الليزر والنشيد الوطني، وكأنه يشير إلى أن هناك ردة فعل في هذا الأمر مدبرا لها في الإياب.
في النهاية فإن خيبة أمل كيروش الكبرى، له وللجمهور المصري، كانت الفشل في التأهل لكأس العالم الحلم والهدف الأوحد ربما له منذ توليه المسؤولية الفنية للفراعنة وحتى نهاية عقده.
aXA6IDMuMTQ2LjE1Mi4xMTkg
جزيرة ام اند امز