صراع النفوذ الدولي بأفريقيا.. الأمن على محك التحديات
موارد طبيعية وإمكانات تسويقية وفرص نفوذ تجعل من أفريقيا مسرح سباق دولي للنفوذ ما يرفع تحديات الأمن بقارة لم تفلح بإسكات بنادقها.
سباق على النفوذ فرض تحولات ومتغيرات غير مسبوقة بمختلف مناطق القارة، وبات لافتا تزايد الصراع الدولي بين القوى العالمية، فيما ظلت قوى تقليدية مرتبطة بها بحكم الحقبة الاستعمارية التي منحت البعض منها نفوذا سياسيا واقتصاديا وأمنيا بينما تلعب أخرى أدورا اقتصادية واستثمارية مهمة فيها.
ورغم أن من أهم الملفات المطروحة على طاولة القادة الأفارقة خلال القمة الأفريقية المرتقبة، السلم والأمن والحوكمة والتكامل الإقليمي والتطرف والإرهاب، إلا أن تنامي صراع النفوذ على القارة سيكون من المواضيع الحاضرة بقوة أيضا خلال جلسات قادة الدول لهذا العام، وذلك من خلال بحث أسباب تزايد وتيرة الانقلابات العسكرية وارتباطها بالقوى الدولية، فضلا عن الصراعات والنزاعات في بعض دول القارة السمراء.
وفي وقت لاحق السبت، تنطلق فعاليات القمة الأفريقية الـ35 لرؤساء الدول والحكومات، حضوريا بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمشاركة عدد كبير من القادة وتمثيل أممي وإقليمي.
البيت الأفريقي
تتركز معالم صراع النفوذ الدولي الحالي بأفريقيا، وفق مراقبين، في السيطرة على الموانئ الاستراتيجية والممرات المائية، والموارد الطبيعية الاستراتيجية مثل النفط والغاز الطبيعي والذهب والألماس واليورانيوم وغيرها من الثروات الطبيعية.
ويرى على هندي، مسؤول وحدة الدراسات الأفريقية بمركز "التقدم العربي للسياسات"، أن التحولات والمتغيرات الأخيرة على صعيد تسابق النفوذ الدولي على أفريقيا تأتي في المقام الأول بهدف التنافس وتحقيق مصالحها داخل القارة، لكن أيضا نتيجة عدم حل الأزمات بين الدول داخل البيت الأفريقي، إقليمية كانت أم قارية، ما ساهم في فتح المجال أكثر لهذه القوى بالتدخل في القارة.
ويقول هندي، في حديث مع "العين الإخبارية"، إن تزايد صراع النفوذ الدولي بين القوى العالمية على أفريقيا أصبح لافتا بين قوى تقليدية ظلت مرتبطة بالقارة بحكم الحقبة الاستعمارية ما جعلها تستأثر بنفوذ سياسي واقتصادي وأمني في العديد من المناطق، وأخرى تلعب أدوارا اقتصادية واستثمارية مهمة في القارة،
وأضاف أن صراع النفوذ على شرق وغرب أفريقيا تنامى بعد دخول لاعبين جدد مثل الصين من خلال مشاريعها التنموية الضخمة التي تنفذها بمختلف دول القارة، وظهور دول تركيا والهند وغيرها كفاعلين اقتصاديين، فضلًا عن عودة ظهور الفاعل الروسي بقوة سياسيا، حيث تتنافس وتتصارع هذه القوى على الموارد الأفريقية، والثروات والموارد الطبيعية الهائلة.
ووفق هندي، فإن ما حدث في غينيا مؤخرا من انقلاب أطاح بالرئيس ألفا كوندي، جعل الحديث عن أطماع الدول الكبرى في أفريقيا يأخذ منحى آخر، مشيرا إلى أنه "لم تمضي أيام على الانقلاب حتى كثر الحديث عن مادة البوكسايت التي تمتلك غينيا منها كميات كبيرة، فيما تحدثت روسيا والصين عن أهمية غينيا وعملت موسكو على تأمين استثماراتها فيما فضلت الصين التوجه نحو أستراليا كمصدر بديل للمادة".
وأشار إلى أن تدخل الجيش الرواندي للقضاء على المجموعات المتطرفة التي احتلت مناطق كابو ديجالو الغنية بالغاز الطبيعي في موزامبيق، أعاد لشركتي "توتال" الفرنسية و"إيكسون" الأمريكية فرص جنى الأرباح من عملية استخراج الغاز، لافتا إلى أن هذا يفسر محاولات فرنسا لكسب ود رواندا حتى يكون لها موطئ قدم في مناطق خارجة عن خارطة نفوذها التاريخية.
ولفت هندي إلى أن انتشار تحمل شعار شركات أمنية خاصة ما هو إلا إعادة إنتاج لنشاط قوات المرتزقة الذي كانت القارة مسرحا له في ستينيات وسبيعنيات القرن الماضي، محذرا من أنه في حال فشل توفير موازنات مالية ضخمة ومستدامة للاتحاد الأفريقي ووكالاته، فإن نشاط هذه القوات سيخرج عن السيطرة.
أسباب وتحديات
هاشم علي حامد، الكاتب والباحث في شئون القرن الأفريقي، يعتبر من جانبه أن الموقع الجغرافي لأفريقيا، والذي يجعل منها قارة ذات أهمية استراتيجية خاصة حيث تضم موارد وثروات لم تستغل بعد، كما تعد ثاني أكبر القارات مساحة وامتدادًا جغرافيًّا، وهو ما يفسر استراتيجيات بعض الدول المتنافسة لبناء قواعد عسكرية برية وبحرية بمناطق حيوية مختلفة داخل القارة.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال حامد إن "تدافع التنافس الدولي للدول الكبرى على شرق وغرب أفريقيا ينطلق بشكل أساسي بهدف تأمين استحواذها على الثروات الاقتصادية للقارة والاستفادة من موقعها الاستراتيجي، وهو ما يمثل لهذه القوى أهمية في طموحها للسيطرة على العالم.
ويشير حامد إلى أن "الانقلابات غير المسبوقة التي شهدتها أفريقيا مؤخرا تدل على مخططات خارجية، بقدر ما تشكله بعض الانقلابات من أهداف مباشرة تقوم بها دول لتقويض مصالح القوى الأخرى، فيما تقاوم القارة في مناطق أخرى بشكل داخلي.
ويرى مراقبون أفارقة أن عدم فاعلية القرارات التي تتخذها المنظمات والتجمعات الأفريقية مثل الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيجاد) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي نفسه، في إدارة الصراعات والخلافات بين الدول الأعضاء، وحل الأزمات داخل البيت الأفريقي، إقليمية كانت أم قارية، أفسحت مجالا للتدخلات الخارجية ما يجعل القارة مرتعا لتسابق النفوذ الدولي للقوى العالمية.
كما أن الديمقراطية وتعثر الاقتصاد والتنمية، وجميع الإشكاليات الإقليمية تتداخل مع الصراعات الدولية بصورة أو أخرى، لذلك لن تتمكن أفريقيا من الاستفادة من موقعها إلا إذا استطاعت أن تحل مشاكلها المتعلقة بالدولة والديمقراطية والتنمية والتعاون الإقليمي وشرعية السلطة داخلها.
ويحذر مراقبون من تبعات صراع النفوذ الدولي على القارة ويرون أنه من المهم أن ينظر القادة الأفارقة إلى هذا الأمر بصورة مباشرة وقوية، فما لم يتطرقوا في قمتهم لهذه المهددات أي صراع النفوذ الدولي بالقارة، فسيكون من الصعب إنهاء الانقلابات العسكرية والصراعات والنزاعات التي عادة ما يترتب عنها النزوح والتشرد واللجوء لسكان تلك المناطق.