توني موريسون.. رحلت ودمها يغلي بالغضب
دولاب توني موريسون يمتلئ بجوائز مثل نوبل وبولتيزر وميدالية المساهمة المتميزة في الآداب الأمريكية 1996، عن مجمل أعمالها
"إن شخصي الأسود وهويتي كامرأة جعلا قلبي يجيش بمشاعر لا ينعم بها أحد دون ذلك.. فلم ينكمش الإطار العالمي لأنني كاتبة سوداء وامرأة، بل على النقيض اتسعت آفاقه".
كانت هذه العبارة واحدة من أكثر العبارات التي ارتبطت بالكاتبة الأمريكية توني موريسون، التي رحلت الثلاثاء، وهي من مواليد 18 فبراير/ شباط 1931.
العبارة هي المفتاح في الدخول لعالمها الفني الذي يرفع شعار "الرد بالكتابة"، الذي صاغه الناقد بيل أشكروفت في كتاب شهير له يحمل الاسم نفسه، وترجم للعربية في طبعتين، واحدة عن المنظمة العربية للترجمة والثانية عن دار أزمنة الأردنية.
وفي الكتاب يتحدث أشكروفت عن عدد من الكتاب الذين عاشوا في المجتمعات الغربية أو ولدوا فيها، وكانت لهم أصول من خارجه، ولذلك عانوا مختلف أنواع الاضطهاد والتهميش، وجاءت كتاباتهم الإبداعية باللغة الإنجليزية لتقاوم هذا التهميش وترد عليه عبر كتابة قويّة ومتنوعة فيها استنباط وإبداع، فضلا عن الرغبة في تحدي المعايير السائدة في الأدب والثقافة.
ولقد أفضتْ هذه الكتب إلى ترسيخِ نمطٍ خاص من الكتابة عُرفت بأنها ما بعد كولونيالية في ثقافاتِ بلدانٍ مختلفة مثل الهند وأستراليا وأفريقيا وكندا.
طوال رحلتها مع الكتابة، عبرت موريسون عن الاعتزاز البالغ بأصولها الأفريقية التي لم تعكسها ملامحها فقط وإنما انعكست في نصوصها الإبداعية التي مكنتها من الفوز بأرفع الجوائز الأدبية.
ووصفها سكرتير عام الجائزة الأمريكية (شاوؤل بيللو) يوم أن حصلت عليها بالقول: "أعمالها معبّرة، عميقة، جسورة تغوص في أعماق تجربة الأمريكي الأسود وفي حياته ووعيه، نسجت من خلال ذلك كله تجربة جمالية أمريكية جد متفردة".
وبالإضافة لجائزة نوبل التي نالتها عام 1993، يمتلئ دولابها بجوائز أخرى منها بولتيزر وميدالية المساهمة المتميزة في الآداب الأمريكية 1996، عن مجمل أعمالها وهي "أكثر العيون زرقة، نشيد سليمان، صولا، وطفل القطران".
شهرتها ارتبطت بروايتها "محبوبة" التي ترجمت للعربية بفضل الدكتور أمين العيوطي أستاذ الأدب الإنجليزي الراحل في جامعة القاهرة، وترجمها وصدرت عن مركز الأهرام للترجمة والنشر قبل حصولها على نوبل ثم توالت الترجمات العربية لكتاباتها الأخرى.
في هذه الرواية التي قضت 3 سنوات تفكر في كتاباتها، كانت نقطة انطلاقها من قصة حقيقية عاشتها السيدة السوداء مارجريت جارنر، التي قتلت ابنتها كي لا تعيدها إلى العبودية، لكنها نجحت عبرها في إعادة خلق الماضي، وصهرت هذه الذاكرة في عالم ذكر في واقعيتها بأدب تولستوي، كاتبها المفضل في طفولتها، وإلى جواره حس فانتازي وغرائبي مصدره الأساطير.
ظلت الرواية حتى ذكرها في حيثيات "نوبل" نقطة حرجة في تاريخ نجاحها عندما فشلت في الفوز بجائزة الكتاب الوطنية وجائزة النقاد الوطنية، مما حدا بعدد من الكتاب إلى الاحتجاج ضد إغفال "مورسون"، ولكن بعد مدة قصيرة فازت هذه الرواية بجائزة بولتيزر وجائزة الكتاب الأمريكي.
في عام 1998 تحولت الرواية إلى فيلم يحمل الاسم نفسه بطولة أوبرا وينفري وداني جلوفر.
في "أكثر العيون زرقة"، قصيرة كتبتها عن طفلة سوداء تتمنى لو امتلكت عيونا زرقاء لتكون مقبولة في مجتمع عانى أفراده من العنصرية لسنوات طوال.
من الصعب أن تقرأ كتابة موريسون خارج فكرة "أدب الالتزام"، لكن من الصعب أيضا أن تحصرها في هذا الأفق الضيق، لأنها أرادت دائما أن تعلن موقفها بوضوح دون التخلي عن نبرة سردية شاعرية ساخرة تحتفي بمفارقات الحياة اليومية، وكانت تبرر هذا الاختيار الفني بالقول: "لست مهتمة بالاستغراق في قدح زناد مخيلتي.. فالعمل الأدبي يجب أن يكون ذا مغزى سياسي".
وحين فاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمقعده الرئاسي عام 2009، تلقت موريسون التهاني على شاشات التلفزيون وعلى صفحات الجرائد التي رأت في فوزه تحقيقا لأمنية طالما نادت بها في إبداعها.
وفي حديث صحفي لها بعد فوز أوباما قالت بوضوح: "شعرت لأول مرة بأنني أمريكية، وأن رموز الحكم الأمريكي والمارينز والإعلام صارت تعني لي شيئا، إنه حلم جاء قدومه متأخرا لـ70 عامًا على الأقل".
وأضافت: "لكن لا يزال جزء مني يغلي فيه الثورة"، لذلك لم يكن غريبا أن تكون واحدة من بين أكثر المبدعات قربا من أوباما الذي توجها بأكثر من وسام.