في ذكرى وفاة رضوى عاشور.. الأديبة التي تقص التاريخ كحواديت الجدات
ذكرى وفاة رضوى عاشور الروائية والناقدة والأستاذة الجامعية التي أخلصت لقرائها، فقدمت أعملا أدبية ونقدية ودراسات أكاديمية متفردة وثرية.
أن تقرا أعمال رضوى عاشور يشبه الجلوس جوار جدتك، التي تحكي لك بشغف عن ماضي بعيد، تُحدثك بصوت حميمي خفيض وتنفعل مع الأحداث في لحظات ولكنها تظل محتفظة بإيقاعها الحنون، وأحيانا تسكت لبرهة تلتقط أنفاسها ثم تعود للحكي، مهارة لم يكن ممكنا أن تتقنها سوى أديبة تمتلك قلب صادق وقلم نبيل وحر، تحل ذكرى وفاة رضوى عاشور ونسرد معًا أهم محطات مسيرتها الخالدة.
"الحكايات التي تنتهي، لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى"
ذكرى وفاة رضوى عاشور
ولدت رضوى عاشور ابنة المحامي مصطفى عاشور والفنانة والشاعرة مي عزام في 25 مايو 1946 بحي المنيل، في بيت محب للأدب والقراءة من الجد إلى الأب والأم.
بذلك صارت الكتب ونيسها الذي رافقها طوال حياتها. فكانت تحب المعرفة والاطلاع. تقرأ بالعربية لنجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وترجمات الأعمال الأدبية العالمية.
كما تقرأ بالفرنسية بفضل دراستها خلال مراحل التعليم الأساسي بمدارس فرنسية.
دراسة السيدة راء
في الجامعة، التحقت رضوى بكلية الآداب جامعة القاهرة، ودرست اللغة الإنجليزية وآدابها. استكملت بعد التخرج مشوارها الأكاديمي فحصلت على درجة الماجستير في الأدب المقارن بدراسة عنوانها "جبران وبليك" عام 1972.
ثم نالت الدكتوراة عام 1975 حول الأدب الإفريقي الأمريكي من جامعة ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية.
عملت رضوى أستاذ للغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة عين شمس، ثم رئيسا لقسم اللغة الإنجليزية في الفترة من 1990 وحتى 1993.
على مدار 40 عاما تقريبا كانت أستاذة بالجامعة تدرس للطلاب ينتهلون منها العلم، وتنير عقولهم بالمعرفة والتحرر. فاستطاعت أن تشرف على عشرات الرسائل الأكاديمية والأبحاث، وتضمن مكانتها داخل قلوب طلابها حتى بعد رحيلها.
رضوى عاشور تكتب لتتحرر
امتلكت "السيدة راء" ملكة الكتابة منذ أولى سنوات الدراسة الجامعية، وحاولت أن تكتب الشعر والقصص القصيرة، ولكنها كانت تراها كتابات رديئة وتوقفت عنها بعد فترة بعد أن قرأت للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، ولم تمر سنوات حتى عادت مرة أخرى للكتابة، بعد أن اغتنت بالقراءة المتشعبة في فروع مختلفة.
"في الكتابة يتسيد المرء واقعه، يقلب الهامش إلى متن، ويدفع بالمتن المتسلط إلى كُناسة في الزاوية.. أكتب، أمتلك الحيز، أهلل، من قال إنني لا أمتلك حكايتي ولست فاعلة في التاريخ"
كانت رضوى مدفوعة دوما بروح التمرد، ورفض واقع قاسي ومؤذي على أصعدة مختلفة، وكانت كتاباتها سعي للتعبير عن أفكار كثيرة تراودها، وتلح عليها، ولكنها استطاعت أن تتعامل معها بحكمة. فجمعت بين الكتابة الأكاديمية المتفحصة، والنقدية والواعية، وكذلك الكتابة الأدبية والسيرة الذاتية.
قائمة أعمال رضوى عاشور النقدية
كانت البدايات مع الكتابات النقدية والأكاديمية، التي تتناول الرواية بالتحليل والدراسة، فقدمت رضوى عاشور:
- الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني- 1977
- التابع ينهض:الرواية في غرب إفريقيا- 1980.
- في النقد التطبيقي: صياد الذاكرة- 2001
- ذاكرة للمستقبل: موسوعة الكاتبة العربية- 2004
- الحداثة الممكنة: الشدياق والساق على الساق (الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث)- 2009
- لكل المقهورين أجنحة: الأستاذة رضوى تتكلم- 2019
رضوى عاشور "أيقونة" الدفاع عن المقهورين.
أجمل ما قالت رضوى عاشور من عبارات
قرأت رضوى واقعها من خلال التاريخ. فكانت تضفر أحداثه في روايات خيالية بشخوص اختلقتهم، كما لو كانت عاصرتهم فنقلت عنهم الحكاية.
فقابلت "مريمة" و"علي" و"رقية" و"حسن" وغمرتنا في قصتهم، فأحببناهم، وتعاطفنا معهم، واعتصرت قلوبنا لفقدانهم.
"تأتي المصائب كبيرة تقبض الروح، ثم يأتي ما هو أعتى وأشد، فيصغر ما بدا كبيرا وينكمش متقلصا في زاوية من القلب والحشا"
أعمال رضوى عاشور الأدبية
ناصرت رضوى التحرر وحرية الأوطان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبدا ذلك جليا في كتاباتها الأدبية أيضا. فكتبت عن فلسطين، وضياع الأندلس، ومرارة الاعتقال السياسي.
كما سردت محطات حياتها في قوالب أدبية مختلفة بنبرة ساخرة مرة وأخرى مستكشفة ومحللة.. فتركت أعمالا مميزة، وفي ذكرى وفاة رضوى عاشور نتعرف إلى أهم أعمالها الأدبية:
- الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا- 1983
- حجر دافئ- 1985
- رأيت النخل- 1987
- خديجة وسوسن- 1989
- سراج- 1992
- ثلاثية غرناطة- 1994
- أطياف- 1999
- تقارير السيدة راء- 2001
- قطعة من أوروبا- 2003
- فرج- 2008
- الطنطورية- 2010
- أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية- 2013
- الصرخة- 2015
"ما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو قشة؟ ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلا مزججا وملونا لكي يتحمل عتمة ألوانه؟"
رضوى ومريد.. أصبحنا عائلة
هل يمكن أن نعد قصة الحب والزواج الذي جمع مريد ورضوى ملهما؟ لأنه بالفعل كذلك، فالصدفة التي جمعتهما على سلم جامعة القاهرة وجعلت أمصارهما مترابطة، أثبتت أن القلوب الصافية المحبة عندما تتلاقى تجد الطمأنينة رغم قسوة الحياة ومتاعبها.
"لا يمكن أن يكون الحب أعمى لأنه هو الذي يجعلنا نبصر"
لم تقبل أسرة رضوى بمريد البرغوثى زوجا، فهو فلسطيني يعاني وطنه الاحتلال وأوضاعه غير مستقرة، ولكنها عاندت واختارته، وبعد أن أنجبا ابنهما الأول والوحيد تميم، جاء قرار الرئيس الراحل أنور السادات بترحيله، فتشتت الأسرة الصغيرة.
ظلت هكذا، تلتقي بضعة أشهر كل عام في بلد أجنبي على مدى 17 عاما.
"يا رضوى إني والقمر والنجمات نسير إليكِ الليلة"
بعد أن اجتمعت الأسرة في بيت واحد أخيرا، كانت القراءة هوايتهم جميعا. يجتمعون على مقطع من رواية أو بيت في قصيدة. يتناقشون لساعات في السياسة والأدب والفلسفة، وظلت علاقة مريد البرغوثي ورضوى عاشور ملحمية تفيض بالمشاعر المخلثة حتى رحيلها، ثم رحيله.
"عند موت من نحب نكفنه، نلفه برحمة ونحفر في الأرض عميقا، نبكي، نعرف أننا ندفنه لنمضي إلى مواصلة الحياة.."
رحيل رضوى عاشور
"العمر حين يطول يقصر، والجسد حين يكبر يشيخ، والثمرة تستوي ناضجة ثم تفسد، وحين يقدم النسيج يهترئ"
عاشت رضوى عاشور لفترة طويلة متألمة من المرض، تخضع لعمليات جراحية وتسترد عافيتها ثم تعود وتنتكس، وظلت هكذا حتى رحلت في 30 نوفمبر 2014، لتعود الأسرة إلى الشتات من جديد، وفي ذكرى وفاة رضوى عاشور يشعر قراء رضوى ومحبوها أنهم فقدوا عزيزا غاليا، كان حاضرا في تفاصيل حياتهم ويرافقهم بكتاباته الصادقة التي تعبر عنهم، يتحدث إليهم بحنين وحنان كالأم والجدة.
aXA6IDE4LjIyMS4xNjcuMTEg جزيرة ام اند امز