منذ أسابيع عديدة ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وأركان حكومته ومجلس حربها لا يتوقفون عن التهديد، والتأكيد على أن الاجتياح البري لمنطقة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، قادم لا محالة.
نتنياهو كرر مرات عديدة بأن هذا الاجتياح هو الذي سيؤكد النصر النهائي لإسرائيل على فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حركة حماس، التي زعم في آخر خطاباته أنه لم يتبق لها سوى أربع كتائب في رفح واثنتين في خان يونس ووسط غزة، وهو ما سيوفر له اجتياح رفح، تدميرها بعد أن استكمل جيشه -حسب زعمه- تفكيك الكتائب الثماني عشرة الأخرى، وبهذا يتحقق له النصر المؤكد وفق مصطلحات نتنياهو.
وبالتالي فهو يرى أن كل من يعارض اجتياح رفح فهو ضد "انتصار إسرائيل". وقد تجمعت خلال الأيام والساعات الأخيرة عدة تصريحات رسمية إسرائيلية وتسريبات ومؤشرات إعلامية، توضح أن اجتياح رفح قد اقترب كثيراً.
والحقيقة أنه بغض النظر عن صحة "الإنجازات" التي يزعم رئيس وزراء إسرائيل أن جيشه قد حققها في غزة، وما ينتظره من "إنجازات" إضافية باجتياح رفح، فمن الواضح أن الإقدام على هذه الخطوة سوف يكون مفصلياً في مسار الحرب الإسرائيلية الدموية على غزة المتواصلة في شهرها السادس.
فمع التصاعد غير المسبوق في عدد الضحايا المدنيين، والتدمير شبه الكامل لبنية غزة الأساسية والعمرانية، والمجاعة التي تخيم على مختلف مناطقها، وتكدس ما يقترب من مليون نازح فلسطيني في رفح، بالإضافة لسكانها الذين يزيدون عن 300 ألف شخص، تعالت أصوات كل مسؤولي العالم تقريباً رافضة الاجتياح الإسرائيلي المزمع لرفح، محذرة من عواقبه الإنسانية الكارثية.
والأرجح أن الإقدام الإسرائيلي على اجتياح رفح برياً ستنتج عنه مجموعة من النتائج التي ستجعل مسار العدوان الإسرائيلي على غزة بعده مختلفاً نوعياً عن كل ما كان قبله.
فعلى صعيد الإدارة الأمريكية، التي تدرج موقفها من هذا الاجتياح المحتمل، من شبه تأييد ثم نصف تأييد وأخيراً شبه تحفظ، بربطه بضرورة إخراج السكان المدنيين من المنطقة لتقليل احتمالات إصابتهم، وهو الأمر الذي صرحت هذه الإدارة أنه يحتاج لخطة تفصيلية قابلة للتطبيق، وهو ما لم توفره لها إسرائيل، حسب آخر تصريحات مسؤولي هذه الإدارة في هذا الشأن.
وفي سياق مواز، تعالت بعض الأصوات الرسمية والإعلامية الأمريكية، بحظر تصدير بعض الأسلحة لإسرائيل واشتراط التزامها بالشروط الأمريكية لاستخدام أنواع أخرى من الأسلحة.
وعلى صعيد المواقف المصرية فقد تعددت التصريحات الرسمية الرافضة بحسم لأي اجتياح إسرائيلي لرفح، كان آخرها التحذير الشديد من الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخراً وفي يومين متتاليين، من خطورة هذا الاجتياح ورفض مصر الصارم له لتأثيراته الخطيرة على السكان الفلسطينيين وعلى الأمن القومي المصري.
أما على الصعيد الفلسطيني فإن وقوع الاجتياح البري لرفح بكل نتائجه الإنسانية الكارثية على السكان، فسوف تكون له عواقبه شديدة الخطورة على الأوضاع الملتهبة بالفعل في الضفة الغربية والقدس وما بين عرب 1948، الأمر الذي قد يفجر باحتمالات عالية للغاية، كل هذه المناطق في مواجهات غير مسبوقة مع دولة الاحتلال.
هذه النتيجة الأخيرة الخطيرة سوف تتفاعل على الأرجح في حال الاجتياح مع تصاعد الموقف الرسمي الأمريكي في الخلاف مع حكومة نتنياهو إلى مساحة قد تكون غير مسبوقة ولا متصورة من هذه الحكومة، سيدفع إليها موقف الرئيس جو بايدن الحرج في انتخابات الرئاسة القادمة، بسبب مساندته لإسرائيل في كل تجاوزاتها الفادحة للقانون الدولي، والضرر الشديد الذي أصاب الصورة الأمريكية حول العالم. كذلك فإن أضرار هذا الاجتياح على العلاقات الإسرائيلية-المصرية قد تصل لدرجة لم تعرفها هذه العلاقات منذ بدأت قبل خمسة وأربعين عاماً.
وبالإضافة لكل هذا، فإن المكاسب التي يزعم رئيس الحكومة الإسرائيلية أن الاجتياح سيحققها، لن يحدث شيء منها بل على العكس تماماً، حيث ستنهار كل محاولات التهدئة وتبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين، والذين سيؤدي الاجتياح على الأرجح إلى فقدان الكثير منهم بنيران إسرائيلية أو برفض المقاومة تبادلهم، وهو ما سيدفع الأوضاع السياسية في إسرائيل إلى أسوأ ما يمكن تصوره، وهو ما سيؤدي إلى أزمة سياسية غير مسبوقة.
الخلاصة: أن القرار المجنون باجتياح رفح سيكون نقطة التحول الفاصلة في مسار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وعلى الفلسطينيين عموماً، وسوف تتسع تداعياته بصورة سريعة وخطيرة، بما يدخل هذه الحرب في مرحلة نوعية جديدة ويهدد جدياً باتساع مداها وحلقاتها على الصعيد الإقليمي كله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة